السينما الأردنية تكسب ود الجمهور العالمي

  • 4/16/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

عمان - شهدت صناعة السينما الأردنية في السنوات الأخيرة حراكا فنيا مهما، كما أنها حجزت مكانا لافتا على خارطة المهرجانات العربية والعالمية، والأهم من ذلك أنها صارت تنافس وتفوز بجوائز، بالإضافة إلى أنها تزاحم الأعمال العربية في شباك التذاكر بعرضها تجاريا في دور السينما المحلية والعربية. وحظيت أفلام مثل "بنات عبدالرحمن"، "فرحة"، "الحارة" و"بيت سلمى"، على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة، باهتمام سينمائي عربي ودولي على صعيد المهرجانات. وأسهمت النقلة النوعية للمؤثرات البصرية وجودة التصوير وتوظيف مواقعه بفنيات عالية تتماشى مع سياق حكاية الفيلم وموضوعات القصة، إلى جانب الأداء التمثيلي، في تقدم صناعة الفيلم الأردني بخطوات واعدة لترسيخ حضوره عربيا ودوليا. ولم يعد غريبا حصول أحد الأفلام الأردنية على جائزة في أي مهرجان دولي، حيث أن الإنجاز الذي حققه فيلم "ذيب" لمخرجه ناجي أبونوار بالوصول إلى المرحلة النهائية (اللائحة القصيرة) للتنافس على جائزة أوسكار لفئة أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية عام 2016، لم يعد يُنظَر إليه باعتباره طفرة لا تتكرر. وتتالت الإنجازات، حيث حصد فيلم "بنات عبدالرحمن" لمخرجه زيد أبوحمدان جائزة الجمهور في "مهرجان القاهرة السينمائي" عام 2021، وحصل فيلم "الحارة" لمخرجه باسل غندور على الجائزة ذاتها في "مهرجان مالمو للسينما العربية" عام 2022، وكذلك فيلم "بيت سلمى" لمخرجته هنادي عليان في "مهرجان أوستن للأفلام" عام 2022، وهي الأفلام التي عرضت تجاريا في دور السينما الأردنية والعربية والأميركية تاليا، فيما نال فيلم "فرحة" لمخرجته دارين سلام جائزة أفضل فيلم طويل شبابي في "جوائز الأوسكار الآسيوية APSA" عام 2022. ويقول الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن أولى محاولات السينما الأردنية الجادة كانت عام 1958 من خلال فيلم "صراع في جرش"، ثم فيلم "حكاية شرقية" عام 1991. وأشار إلى أنه "بين تلك التجربتين وما تلاهما، ظلت المحاولات لإنتاج فيلم أردني بمفهوم السينما التجارية خجولة، وبقيت أسيرة العروض المحلية القليلة والمشاركة في المهرجانات، بينما بقيت الأفلام التسجيلية والوثائقية هي التي تطبع تجربة السينما الأردنية عموما". وأوضح أن الفترة التي سبقت وصول فيلم "ذيب" للتنافس في جوائز الأوسكار، مهدت للحراك السينمائي الأردني من خلال عدة أفلام أسهمت بوضع أساسات للسينما الأردنية، منها "كابتن أبو رائد" لمخرجه أمين مطالقة (2007)، "إعادة خلق" (2007) و"الشاطر حسن" (2009) لمخرجهما محمود مساد، و"الجمعة الأخيرة" لمخرجه يحيى العبدالله (2011). وتابع "تلك التجارب السابقة وغيرها، كانت أساسية للوصول إلى تجربة إنتاج أردنية ناضجة من خلال فيلم (ذيب)، بعد أن استوعبت الساحة السينمائية الأردنية وجود حركة نشطة تقودها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام من خلال صندوق دعم الأفلام، إضافة للدور الذي تقوم به بعض الجهات المنتجة على قلتها". وبحسب ناجح حسن، فإن السينما الأردنية ما زالت بحاجة لوجود صناعة سينمائية راسخة من خلال إيجاد بنية تحتية سينمائية لصناعة الأفلام، مثل: الاستوديوهات والطاقات الإبداعية والتعليمية التي يمكن أن ترفد الساحة الفنية بأنواع جديدة من الإبداع السينمائي. وترى الناقدة السينمائية رانية عقلة حداد أن فترة جائحة كورونا عادت على السينما الأردنية بمخرجات إيجابية، إذ زاد فيها معدل صناعة الأفلام سنويا إلى ثلاثة أفلام، بعد أن بقيت طيلة 16 عاما يتراوح إنتاجها بين فيلم أو اثنين على الأكثر، انطلاقا من عام 2007 الذي شهد ولادة فيلم "كابتن أبو رائد". وأضافت أن فترة الجائحة أسهمت بجعل صناع الأفلام والفنيين يشتغلون على تطوير أدواتهم الفنية والتقنية، علاوة على أن مساحات الفراغ التي نتجت عن حظر التجول وفّرت للمخرجين فضاءات لتطوير أفلامهم المصورة مسبقا من خلال استخدام تقنيات رقمية متطورة تدربوا عليها ونفذوها في الأفلام التي أنجزوها في تلك الفترة. وترجع الناقدة السينمائية أسباب الطفرة الإنتاجية السينمائية في الأردن إلى ثورة "الديجتال" التي سهلت على الكثيرين من صناع الأفلام الأردنيين العمل ضمن أجواء إنتاجية تقترب من نوعية الأفلام التي تقدمها الدول الأخرى، كما أسهمت بتقليص تكاليف ميزانية صناعة الأفلام بعد أن أصبحت الكاميرات وبرامج المونتاج متاحة بأسعار مقبولة. وتقول "ساهم صندوق دعم الأفلام في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام في إيجاد فرص أكثر للمواهب السينمائية الشبابية، وعلى الرغم من ميزانيته القليلة التي تبلغ ربع مليون دينار أردني، إلا أن دوره في تأسيس حراك سينمائي أردني واضح للعيان"، معتبرة أن المبلغ المرصود من الصندوق قليل نسيبا، كونه لا يذهب إلى فيلم واحد، بل يتوزع على 25 مشروعا سينمائيا في العام الواحد. ويحتاج أي فيلم أردني لأربع سنوات حتى يشاهده الجمهور، كونه سيقف أمام صناديق دعم الأفلام العربية والعالمية للحصول على تمويل إضافي لإكمال دوره، وهو ما يبطئ من تطور الحراك السينمائي الأردني، وفقا لحداد. أما منتج وموزع الأفلام طارق أبولغد فيشير إلى أن هناك عناصر عدة خدمت وصول الفيلم الأردني إلى المهرجانات السينمائية العالمية ودور العرض التجارية، منها تقبل الجمهور العالمي فكرة حضور أفلام بلغات مختلفة عما تعودوا عليه، تروي قصصا من بيئات مختلفة عنهم. وتابع "ساهمت جائحة كورونا في تقريب الناس من بعضهم البعض أكثر، فصار العالم أكثر انفتاحا للإطلالة على تجارب سينمائية جديدة، بحيث صار للفيلم غير التجاري والمستقل سوقا كبيرا ومفتوحا ومنصات جاهزة لعرضه". ويجد أبولغد أن الصورة الإيجابية التي يعكسها الأردن باعتباره موطنا لتصوير مجموعة من الأفلام العالمية التي نافست على كبرى جوائز المهرجانات وبمشاركة نجوم عالميين عملوا بظروف طبيعية واحترافية، رفعت من سوية صناعة الفيلم الأردني بطريقة غير مباشرة، من خلال مشاركة مجموعة كبيرة من الكوادر والأطقم الفنية الأردنية في تصوير هذه الأفلام، ما عاد على الفيلم الأردني بخبرات جديدة ومتطورة. ويقول "الظروف المواتية والنجاحات في تقديم أفلام عالمية، لاقى اهتماما لدى الكثيرين من منتجي وموزعي الأفلام العالمية للمساهمة في إنتاج أعمال أردنية، عززت حضور الفيلم المحلي وقدمته بصورة تنافس نظيره العالمي، وهو الأمر الذي وجد اهتماما من المهرجانات الكبرى التي وجدت أن الفيلم الأردني لا يختلف عن غيره من ناحية فنيات الصورة والإخراج والتقنيات المستخدمة، وهي شروط أساسية لقبول عرض الأفلام". ولفت إلى أن زيادة الطلب على الإنتاج تنامى في السنوات القليلة الماضية بحكم الانفتاح الحاصل رقميا، في ظل نشوء مهرجانات سينمائية جديدة وزيادة انتشار المنصات الرقمية وهو الأمر الذي يمنح الفيلم الأردني فرصة أكبر لكي يأخذ حقه بالانتشار. وتحتفي الهيئة الملكية الأردنية للأفلام هذا العام بمرور عقدين على تأسيسها وهو تاريخ قصير نسبيا، وفقا لمديرها العام مهند البكري، مضيفا "لكننا نعتز بأن الأردن أثبت خلال هذه الفترة أنه ليس فقط مركزا لتصوير الإنتاجات العالمية، بل أيضا منبعا للقصص والروايات التي تصل للعالم، وتعرض في أهم المهرجانات السينمائية". وتابع "في غضون السنوات الثلاث الماضية، وسعت الهيئة نطاق عملها ليشمل تطوير المحتوى التلفزيوني الأردني والعربي من خلال استحداث برنامجين تدريبيين، هما: (مسلسلات وحلقات)، كما طورت حوافز مالية إضافية للمشاريع العربية والأردنية، وتأمل بزيادة الميزانية السنوية لصندوق الأردن لدعم الأفلام والمرصودة للمشاريع السينمائية والتلفزيونية". وكشف عن مشروع جديد تتبناه الهيئة يتمثل في إنشاء استوديوهات بمواصفات دولية على مساحة 3000 متر مربع، قائلا إنه سيُحدث نقلة نوعية للتصوير في الأردن، مشيدا بخطوة إدراج صناعة الأفلام ضمن الرؤية الوطنية الأردنية للتحديث الاقتصادي وهو الأمر الذي يعكس إدراكا كبيرا بأهمية هذا القطاع في رفد الاقتصاد الأردني. وأوضح أن "صندوق الأردن لدعم الأفلام" الذي تم إطلاقه عام 2011 يقدم الدعم إلى مختلف فئات السينما وإلى فئة تطوير المسلسلات التلفزيونية، مشيرا إلى أنه انتفع من دعم الصندوق خلال الدورات السبع السابقة 137 مشروعا و267 من صناع الأفلام المنتجين والمخرجين والكتاب بنسبة 50 في المئة من النساء و50 في المئة من الرجال. ولفت إلى أن المشاريع الحائزة على دعم الصندوق شاركت في أهم المهرجانات العربية والدولية وحصل العديد منها على جوائز قيمة، وتم تمثيل الأردن في حفل توزيع جوائز الأوسكار مرتين، إضافة إلى عرض الأفلام الحائزة على الدعم تجاريا في صالات السينما الأردنية والعربية والعالمية ومنصات العرض الرقمية كمنصتي نتفليكس وشاهد.

مشاركة :