أكد هيثم بودي، وهو مؤلف عُرف باهتمامه بكتابة الرواية التاريخية والسرد التاريخي، أن سبب تركيزه على الجانب التاريخي، يرجع إلى نشأته بين والدَيه وخزينهما في القص التاريخي، «حيث نقلت الكثير مما ألهماني به من بيئة العشرينيات والثلاثينيات في شبابهما». وله إصدارات أدبية تحوَّل بعضها إلى أعمال تلفزيونية درامية، مثل «الدروازة»، و«الصالحية»، و«الهدامة». وفي هذا اللقاء تحدث بودي عن تفاصيل أعماله القادمة، وغيرها من المحاور، وفيما يلي التفاصيل: • بداية، كيف ترى حالة الزخم الروائي التي تشهدها الساحة الأدبية في السنوات الأخيرة؟ وهل تواكبها حركة نقد موازية؟ - سعيد جداً بهذا الزخم الروائي والكتابي والمحاولات التجريبية لجيل أكثر تواصلاً مع معطيات الحضارة الجديدة، التي تختلف عن معطيات الحضارة قبل عشرين سنة وأكثر. أتمنى أن تزيد حركة الكتابة والتعبير الروائي والقصصي والنشر بشكل عام دون أن نعرضها على مسطرة النقد الأدبي. مسطرة النقد الأدبي خطر على الأقلام الجديدة، التي من المفترض تشجيعها والإبقاء على استمراريتها، حتى تنضج بالتجريب والتجويد، دون النظر إلى جودة المحتوى الأدبي، الذي يتراوح بين المقبول والجيد والمبهر. أعتقد أن الحركة النقدية يجب أن تبقى في الصروح الأكاديمية، لرصد الكُتاب المستمرين كروائيين، والذين نضجت تجربتهم، وليس مكانها الآن بين الأقلام الجديدة الغضة التي تحاول أن تجد لها صوتاً على الساحة. • ماذا عن الوضع الأدبي في الكويت من وجهة نظرك؟ وما المعوقات التي تثبط من عزيمة المبدعين الشباب؟ - وضع رائع غير مسبوق إذا ما قورن بالعشرين سنة الماضية، التي شحَّت فيها دور النشر، مع صعوبة نشر القصة في الصحافة، للشروط القاسية التي كان يفرضها مسؤولو الصفحات الثقافية في ذاك الوقت، خصوصاً على الكُتاب الجدد، ما جعل الكثيرين من الموهوبين يتراجعون ويتوقفون عن الكتابة. في الحقيقة لا أجد ما يثبط عزيمة الشباب الجدد في الكتابة الروائية أو نشر الكتاب بشكل عام، خصوصاً مع إمكانية النشر الشخصي المسموح به الآن دون اللجوء إلى دار نشر، لكن لابد من السعي الدؤوب لنشر الكتاب من قِبل الكاتب، لاسيما في وسائل التواصل الجديدة التي نشهدها. • لماذا تحرص كثيراً على الكتابة التاريخية والسرد التقليدي؟ - أعتقد بسبب نشأتي بين والدَي وخزينهما في القص التاريخي، حيث نقلت الكثير مما ألهماني به من بيئة العشرينيات والثلاثينيات في شبابهما، إضافة إلى أهمية الموهبة والقدرة على التقاط معاني الحياة من القصة المحكية، وتعزيزها بالبحث التاريخي الشغوف به، ثم تسييلها للقارئ. السرد التقليدي هو السرد الخالد منذ أن وُجد الإنسان، وهو ينحو لسماع الأسطورة والقصة الشعرية التقليدية، بحثاً عن معاني الحياة الراقية والنبيلة التي تحسسه بإنسانيته المفقودة في عالمه المادي القاسي والمتصارع، فيستمع إلى الحكاية أو القصة المكونة من بداية ووسط ونهاية، ويتأثر بها، وبنهاية البطل الأسطوري. دراستي للسينما والإخراج والتمثيل جعلتني أضيف لها أيضاً بعض التصوير السينمائي، كالمشهد الافتتاحي المهم في كل رواياتي، واللقطات القريبة للبطل أو للممثل، ورصد تعبيراته دون شرحها، والفلاش باك المشهور كثيراً في قصصي القصيرة، فالتقليدية لا تعني التجمد بقالب واحد قديم، بل بإمكان الكاتب المعاصر أن يضيف لها تقنياته الشخصية والمعاصرة. • «إن هذه الأوطان الطيبة لم تنشأ بالصدفة أو بالبترول، بل كافحت لتعيش وقاومت لتبقي»... هل مازالت ترافقك هذه العبارات إلى الآن؟ ولماذا؟ - جداً، هذه أيقونة ما أكتب، عندما كنت طالباً في قسم اللغة العربية بجامعة الكويت على مقاعد الدراسة سمعت الدكتور ذا الجنسية العربية يستخف بأوطاننا، قائلاً إن أوطاننا هذه جاءت بالصدفة، بقلم من المستعمر وضع الحدود. كلامه كان خنجراً في ظهري. فهذا غير مطابق لما أعرفه عن سفر أجدادنا إلى الهند وإفريقيا، وسُمي بحر العرب باسمهم، فلا يمكن لأوطان بالصدفة أن تُخرج اللؤلؤ من بحرها عبر الأزمنة، وقال الله تعالى: «وتستخرجوا منه حلية تلبسونها»، أي اللؤلؤ، وهو رابع عُملة في العالم بعد الذهب والفضة والفحم بذاك الوقت. كما لا يمكن أن تكون ملاحم الطاعون والهدامة والسنوات الصعبة بلا تاريخ. نحن الذين سيطرنا على خطوط الملاحة البحرية في الخليج حتى الهند وسواحل إفريقيا، وعلى أسواق اللؤلؤ العالمية، ونحن من أرغمنا العالم بتسمية بحرنا ببحر العرب، نحن الخليجيين، وليس غيرنا، وهذه العبارة لكل الأجيال الجديدة والقادمة. • حدثنا عن الرواية التي كانت بمنزلة نقطة تحوُّل في حياتك الأدبية؟ - في الحقيقة كانت «الدروازة في زمن الطاعون». لقد كنت أحملها منذ بداية نشري في التسعينيات بالصحف لقصص قصيرة. مدة تكوُّن الرواية هي الأطول. لقد ظلت تتأرجح في مخيلتي لعشر سنوات وأكثر، حتى قررت كتابتها وخروجها من ذمتي إلى ذمة المجتمع والتاريخ. أردت أن أتخلص من وطئتها عليَّ، فكتابتي لـ «الدروازة في زمن الطاعون» للتحرر منها أكثر من رغبتي في أن أكون كاتباً. • ما الجديد الذي ستقدمه في الفترة المقبلة؟ - كتبت مسلسلاً إذاعياً يُبث الآن على البرنامج العام في رمضان باسم «أيام وسنين» عن سنوات الطبعة الكارثية وسنوات «الهيلك» الثلاث عن المجاعة العظيمة التي ضربت بوادي نجد والزبير ووادي البصرة وساحل عرب فارس، واتجه الهالكون إلى بلد التخزين والخيرات إلى الكويت، وسأكمل الجزء الثاني، إن شاء الله، كعمل يكمل الجزء الأول من سنوات الكويت. • يُلاحظ أنك بعيد عن التجمعات والساحة الأدبية في الكويت، ما سبب ذلك؟ - سبب غيابي لرغبتي في استكشاف الذات أكثر من الاستمرار ككاتب، فدرست الإخراج السينمائي والتمثيل بنيويورك في فيلم أكاديمي، ثم تاقت نفسي لتجربة الفن التشكيلي الذي صاحبني منذ صغري، فاستكشفت الجماليات الإنسانية، وتنوعها، الذي انعكس على نتاجي بالأدب والتشكيل والسينما، وهذا قد يكون أحد أسباب عدم متابعتي للوسط الأدبي. • أين تجد نفسك أكثر، ككاتب روائي، أم فنان تشكيلي؟ - في الاثنين، وأيضاً في الإخراج والتمثيل السينمائي، في كل ما يمكن أن ينقل معلومات تاريخية تؤثر على شخصيتنا المجتمعية وتثري الأجيال. • من وجهة نظرك، هل الأدب وسيلة للهروب من الواقع، أم وسيلة لتغييره؟ - الاثنان معاً، وأكثر أيضاً، الأدب، قراءة أو كتابة، هو استشفاء حقيقي إلى عوالم أكثر رحمة وأكثر إنسانية أقرب لمعاني الحياة، والقراءة أو الكتابة في الأدب رحلة على بساط سحري إلى عوالم جميلة أكثر نقاءً، ثم يعود الإنسان من هذه الرحلة، ويغيِّر كل ما هو أمامه دون أن يشعر ببركة هذه الرحلات المستنيرة عبر الأزمنة، لذلك قال الله تعالى في سورة العلق: «اقرأ».
مشاركة :