انطلقت مساء أمس الأول في المركز الثقافي في دبا الحصن فعاليات الدورة الأولى من مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وذلك بحضور عبد الله العويس رئيس الدائرة وأحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح، وضيوف المهرجان من مختلف الأقطار العربية، واستهل حفل الافتتاح بالتعريف بالمخرجين المشاركين ومسرحياتهم، وكذلك التعريف بأبرز ضيوف المهرجان. أما عرض الافتتاح فكان مسرحية الجزيرة لجمعية دبا الحصن للفنون الشعبية والمسرح، من تأليف أثول فوغارد وإخراج أنس عبدالله الذي أخرج من قبل قضية ظل الحمار لفريدريش دورينمات في الدورة الماضية من مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة في كلباء، وكانت تجربة ناجحة أبانت عن قدرات إخراجية لا بأس بها، أما فوغارد فهو كاتب جنوب إفريقي من البيض ناهض الحكم العنصري في بلاده في ذروة اشتداده، ودعا إلى المساواة، وكتب مسرحيات قوية تدين الظلم والتمييز والوحشية إبان حكم الآبارتايد، وقد اضطهد بسبب ذلك من طرف حكومات جنوب إفريقيا. وتروي الجزيرة قصة سجينيْن في زنزانة واحدة هما جون و ونستون اللذيْن حكم عليهما بالسجن والأشغال الشاقة بسبب معارضتهما للعنصرية والقمع الذي يمارسه نظام الفصل العنصري، وحرقهما لبطاقتي هويتهما، يعاني السجينان من انتهاك جسدي بسبب الأشغال الشاقة، والإذلال والقهر والتعذيب، وقد لجآ (جون و ونستون) إلى لعبة مبتكرة لمقاومة فقدان الذاكرة، وذلك باختراع الألعاب، وسرد حياتهما، من خلال عمليات اتصال هاتفية تخيلية مع أفراد عائلتيهما. تعتزم إدارة السجن أن تقيم حفلاً كبيراً لصالح السجناء، وتقدم خلاله فقرات فنية من إنجازهم، وحسب اختياراتهم، ويجد جون في ذلك فرصة لتقديم مسرحية أنتيغوني لسوفوكليس، ويبدأ في ونستون بالفكرة، الذي يبدو خائفاً من ردة عقابية قد تقوم بها إدارة السجن، لكنه في ما بعد يشارك في العرض، ويتقمص شخصية أنتيغوني، وفي يوم الحفل يقدمان المسرحية التي تحكي قصة الفتاة الجميلة الشجاعة أنتيغوني التي تحدت جبروت الملك كريون، ورفضت قانونه الظالم واللاإنساني الذي قضى بعدم دفن أخيها بولينس، وترك جثته لتنهشها الوحوش المفترسة وتوعد كل من يدفنه بالدفن حياً تحت الصخور، وذلك لأن بولينس في نظر كريون مجرم، ناهض حكم أخيه إيتيوكليس وحاربه حتى ماتا هما الاثنان في المواجهة، وتولى كريون حليف إيتيوكليس الحكم، وتخالف أنتيغوني المؤمنة بشريعة آلهة اليونان التي تأمر بالدفن، قانون كريون وتدفن أخاها، فتجلب إلى المحاكمة وفي المواجهة مع كريون تحتج عليه، وعلى قانوه الجائر، وعندما يصل العرض إلى هذه النقطة، يخلع الممثل ثوب أنتيغوني ويعود إلى شخصيته، فيخاطب الشعب الحاضر محرضا إياهم على مواجهة الظلم والخنوع، ويذكرهم بأنه إنما دخل السجن دفاعا عن قيم الإنسانية، وتنتهي المسرحية بفتح باب خلفي في عمق المسرح، وانطلاق إضاءة أرضية قادمة منه، يتبعها السجينان لتوصلهما إلى خارج السجن ويختفيان عن الأنظار، كأنهما قد كسبا حريتهما. من الناحية الدرامية فالمسرحية محكمة البناء واضحة الرؤية، لا سيما في النص المسرحي، وقد المخرج عناصر العرض المختلفة لتحقيق تلك الرؤية، وأولها الاشتغال على الممثلين سعيد الهرش وإبراهيم القحومي اللذين بذلا جهداً لا بأس به لتقديم أداء متناغم، ومن الناحية الفنية فقد أبرز العرض اشتغالا جيدا على الإضاءة، التي ارتفعت بمستوى العرض وأغنت عن الديكور التقليدي للسجن، كما أغنت الإضاءة الخافتة عن سلاسل الحديد التي توضع في أقدام السجناء عندما يذهبون للأعمال الشاقة خارج السجن، فقد كان الضوء ينزل على أقدامهم بشكل عرضي كأنه طوق حديد يطوق أقدامهما، من جهة أخرى فقد كانت الإضاءة الخافتة موحية أيضا.
مشاركة :