العلم والرفق من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

  • 2/13/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أوضح فضيلة الشيخ عبدالله إبراهيم السادة أن المولى عز وجل شَرَعَ لعباده الأَنْفَعَ وَالأَصْلَحَ، وَأَمَرَهُمْ بِاجْتِنَابِ الضَّارِّ وَالأَقْبَحِ. وأشار في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بمسجد مريم بنت عبدالله شرق اللاند مارك إلى أنه مِنْ حِكَمِ الله الْبَوَالِغِ، وَنِعَمِهِ السَّوَابِغِ، في هذا الشأن أَنْ جَعَلَ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَرِيضَةً أَوْجَبَهَا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى حَسَبِ الْقُدْرَةِ. وذلك صِيَانَةً لِلْمُجْتَمَعِ الإِسْلاَمِيِّ مِنَ السُّقُوطِ فِي مَهْوَاةِ الْهَلَكَةِ، وَحَمِايَةً لَهُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي هَاوِيَةِ الاِنْحِرَافِ حيث قَالَ تَعَالَى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". وذكر الشيخ السادة أن المولى سبحانه وتعالى جَعَلَ الْقِيَامَ بِهَذَا التَّهَاوُنِ فَاصِلاً يُمَيَّزُ بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ؛ فَقَالَ عَنِ الأَوَّلِينَ: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"، وَقَالَ عَنِ الآخَرِينَ: (وَالْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ). شروط الأمر بالمعروف وبيّن خطيب مسجد مريم بنت عبدالله أن الْمَعْرُوف: يَشْمَلُ الْفَرَائِضَ وَالْوَاجِبَاتِ، وَالْفَضَائِلَ وَالْمَنْدُوبَاتِ، أما َالْمُنْكَرُ فهو يَشْمَلُ النَّقَائِصَ وَالرَّذَائِلَ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وقال إن المعروف والمنكر هُوَ طَلَبُ اتِّبَاعِ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَالْكَفُّ عَمَّا نَهَتْ عَنْهُ. وتحدث فضيلته عن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: لاَ بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لِلأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ شُرُوطاً يَجِبُ التَّقَيُّدُ بِهَا؛ لأَنَّ اللهَ تَعَالَى كَمَا تَعَبَّدَنَا بِالْغَايَاتِ فَكَذَلِكَ تَعَبَّدَنَا بِالْوَسَائِلِ. وأوضح أن أهم شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولها: الإِخْلاَصُ، مشيراً إلى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَقْبَلُ عَمَلَ عَامِلٍ إِلاَّ إِذَا أَرَادَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ"، وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى). أما الشرط الثاني فهو: الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ: قَالَ تَعَالَى: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" وبيّن الخطيب أنه يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ لأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مَا يُفْسِدُهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُهُ، مشيراً إلى أن هَذَا الْعِلْمُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَصْلَيْنِ:الأَصْلُ الأَوَّلُ الْعِلْمُ بِالْمَعْرُوفِ الذِي يَأْمُرُ بِهِ وَالْمُنْكَرِ الذِي يَنْهَى عَنْهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ عَلَى عِلْمٍ بِحَقِيقَةِ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ؛ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِمَا عَلَى بَصِيرَةٍ؛ فَإِنَّ الْمُضَيِّعَ لِهَذَا الأَصْلِ قَدْ يَأْمُرُ بِالْمُنْكَرِ أَوْ يَنْهَى عَنِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعاً. أهمية العلم ودلل الشيخ السادة على أهمية العلم عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما أخرجه أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ! فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: (قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ). والْعِيُّ: هُوَ الْجَهْلُ. ونبّه الشيخ السادة إلى أهمية الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْمَأْمُورِ حَقِيقَةً، مؤكداً أن هذا أَمْرٌ شديد الأهمية ويَغْفَلُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَرُومُ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ما يجعل النَّتِيجَة عَلَى نَقِيضِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ تَمَاماً. وضرب مثلاً بمن يَرَى أَحَداً فِي رَمَضَانَ وَقَدْ نَأَى عَنِ النَّاسِ يَأْكُلُ فِي النَّهَارِ، فَيَتَبَادَرُ إِلَى ذِهْنِهِ أَنَّهُ بِفِعْلِهِ هَذَا مُجْتَرِحٌ لِمُوبِقَةٍ مِنَ الْمُوبِقَاتِ، مُبَارِزٌ لِرَبِّهِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَهُمُّ بِنَهْيِهِ لإِزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ بِإِيذَائِهِ وَرُبَّمَا بِضَرْبِهِ، فَإِذَا بِهِ يَتَبَيَّنُ فِي آخِرِ الْمَطَافِ أَنَّ هَذَا الآكِلَ لَهُ رُخْصَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْفِطْرِ بِسَبَبِ مَرَضٍ مَثَلاً أَوْ سَفَرٍ. ومضى خطيب مسجد مريم بنت عبدالله في استعراض شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشيراً إلى أن من هذه الشروط: الْقُدْرَة عَلَى التَّغْيِيرِ، مستشهداً بقوله تَعَالَى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، وَكذلك الحديث الذي ورد فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ. وشدد الخطيب على أن شَرْعنَا الْحَنِيف لَمْ يُكَلِّفْنَا أَبَداً بِفِعْلِ مَا لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ طَاقَتِنَا؛ ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِمَقْدُورٍ، وَلاَ وَاجِبَ مَعَ عَجْزٍ. وبيّن أن نَبِيّنَا صلى الله عليه وسلم أَكْرَم الْخْلَقِ أَجْمَعِينَ، وَسَيِّد الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ كَانَ يُؤْذَى فِي مَكَّةَ، فَيُجَاءُ بِسَلَى الْجَزُورِ فَيُوضَعُ عَلَى ظَهْرِهِ إِذَا سَجَدَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُود رضي الله عنه ينظر إليه من غير قدرة عَلَى نُصْرَتِهِ، فَيَقُولُ: وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئاً، لَوْ كَانَ لِي مَنْعَةٌ. الرِّفْقُ فِي الأَمْرِ وتابع الشيخ السادة: رَابِعُ شُّرُوطِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الرِّفْقُ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ، مشيراً إلى أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَأْمُورٌ بِالإِحْسَانِ إِلَى عِبَادِ اللهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَمُلْزَمٌ بِالرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَالتَّلَطُّفِ بِهِمْ؛ لِمَا عُلِمَ بِالْفِطْرَةِ وَضَرُورَةِ الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ: أَنَّ النَّاسَ مَجْبُولُونَ عَلَى مَحَبَّةِ مَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ. واستشهد الخطيب بقوله عَزَّ وَجَلَّ في محكم التنزيل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وَكذلك قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ). وَقَوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شِيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ (أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ). كما استشهد الشيخ السادة بقصة الأَعْرَابِيِّ الذِي بَالَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ النَّاسُ لِيَقَعُوا فَيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: (لاَ تَزْرِمُوهُ!) - أَيْ: لاَ تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ - ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْه. وقال الشيخ السادة إن َخَامِس الشروط: أَنْ لاَّ يَأْتِيَ بِمُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ، موضحاً أن الْمَقْصُودَ مِنْ إِيجَابِ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ إِنَّمُا هُوَ نَيْلُ مَرْضَاةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَحُصُولُ الأَمْنِ وَالاِسْتِقْرَارِ فِي الْمُجْتَمَعِ. ونوه إلى أنه إِذَا كَانَ إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ وَأَبْغَضُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسُوغُ إِنْكَارُهُ، مؤكداً أن إنكاره وَالْحَالُ هَذِهِ هُوَ عَيْنُ الْمُنْكَرِ؛ لافتاً إلى قوله تَعَالَى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ). آلِهَة الْكُفَّارِ وبيّن الشيخ السادة أن سَبّ آلِهَةِ الْكُفَّارِ الْبَاطِلَةِ وَتَسْفِيهها مَشْرُوعٌ فِي الأَصْلِ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى سَبِّ الْكُفَّارِ لإِلَهِنَا الْحَقِّ، أُمِرْنَا بِتَرْكِهِ، مِنْ بَابِ أَنَّ مَا كَانَ وَسِيلَةً إِلَى الْحَرَامِ فَهُوَ أَيْضاً حَرَامٌ. وَذكر خطيب مسجد مريم بنت عبدالله شرطاً سَادِساً من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الْحِلْمُ وَالصَّبْرُ عَلَى الأَذَى، مشيراً إلى أنه يُشْتَرَطُ فِي الْقَائِمِ بِهَذَا الأَصْلِ الْعَظِيمِ أَنْ يَكْونَ قَوِيَّ الْقَلْبِ، صَبُوراً عَلَى الأَذَى، غَيْرَ جَزُوعٍ لِمَا يُصِيبُهُ مِنْ أَذًى فِي اللهِ؛ وَمِصْدَاقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

مشاركة :