تستقبل الساحة الثقافية مكسباً جديداً -خصوصاً مجال أدب الرحلات-، حيث قدم الأستاذ احمد محمد محمود إصدارات جديدة لمؤلفه "جمهرة الرحلات": الجزء الثامن والتاسع ل"رحلات الحج" و"رحلات ورحالة إلى أرجاء المملكة العربية السعودية" و"الرحالة الأجانب إلى الجزيرة العربية". ويقدم الأستاذ محمد في الجزء 13 من سلسلة "جمهرة الرحلات" والمخصصة لرحلات الحج (الجزء الثامن)، عدداً من رحلات الحج، معظمها سبقت طباعته في مراحل متفاوته قديماً وحديثاً، وأصحابها من مختلف الأقطار الإسلامية: الأندلس، السنغال، تركيا، اليمن، الهند، المغرب، فارس، العراق، حضرموت، الشام وفلسطين، انجلترا، الكويت، استراليا، إيطاليا.. وهم يكتبون من معين متفاوت، ففيهم الفقيه، والصوفي والأديب، وغربيون ممن أسلموا حديثاً، وبعض هذه الرحلات يغلب عليها السرد التقريري، وبعضها يعنى بالنوازل التي تمر بمؤلفها وحكمها في الفقه. فيما خصص المؤلف الجزء 14 من "جمهرة الرحلات" أيضاً ليكون (الجزء التاسع) لرحلات الحج، واحتوى على عدد وافر من مخطوطات رحلات الحج، وقد جمعت أكثرها من "مركز الماجد للمخطوطات في دبي"، منها مخطوطات لرحالة مغاربة، كان من بين أشهر رحلاتهم: الرحلة الناصرية الكبرى لعالم المغرب الكبير أبو عبدالله محمد بن عبدالسلام الناصري الدرعي، والذي حج مرتين عام 1196ه وعام 1211ه، والتي كانت مخطوطة إلى وقت قريب، وفيها اعتنى الرحالة بتفصيل رحلته وعرض ما وقع له خلالها من إنعدام الأمن في الطريق من المغرب إلى بلاد الحرمين، وحتى انعدامه بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وجاء الجزء 15 من السلسلة بعنوان "رحلات ورحالة إلى أرجاء المملكة العربية السعودية"، حيث حظيت الجزيرة العربية باهتمام كبير من الرحالة وكتب الرحلات منذ القدم، ومن الطبيعي أن يكون الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة المسجد النبوي الشريف، الباعث الأول لتلك الرحلات التي احتلت حيزاً كبيراً في الأدب العربي والإسلامي والعالمي، وهذا الجزء خاص بتقديم طائفة من الرحلات التي قام بها علماء وأدباء ودبلوماسيون ومؤرخون وآثاريون إلى -المملكة- قبل وبعد توحيدها، على يد مؤسسها الملكة عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله-، ومما يزيد من قيمة هذه الرحلات أنّ أصحابها هم مجموعة مرموقة من مختلف الجنسيات، والمستويات الثقافية، والمكانة العلمية والاجتماعية، والوظائف السياسية. وبعد أن اختار المؤلف الجزء 12 ليكون عن "رحلات العرب شرقاً وغرباً"، حيث استعرض نماذج لاهتمامات "البلدانيين" والرحالة العرب المسلمين بالجزيرة العربية، اختار تخصيص الجزء 16 من "جمهرة الرحلات" عن "الرحالة الأجانب إلى الجزيرة العربية"، مقدماً عدداً من الرحالة -معظمهم من غير العرب والمسلمين- سبق وأن زاروا الجزيرة العربية لشتى الأغراض المعلنة وغير المعلنة، وقدموا في كتب رحلاتهم وصفاً بديعاً لما شاهدوه من طبيعة الجزيرة العربية، معمورها وصحاريها على حد سواء، إلى جانب ما لمسوه من أخلاق العرب الجميلة في التعامل مع "الأجنبي" مما يفرضه خلق المسلم، ومن ذلك ما كتبه "عرام بن الأصبغ السلمي" في الثالث الهجري عن رحلاته في جزء من أرض الحجاز بعد ترحاله في أرجائها، ويجد القارئ فيما كتبه -عرام- تتبعاً للمواقع المختلفة لما زاره، وما قيل في مواقعها من شعر. إلى جانب السجال بين رحّالين انجليزيين (وليام جيفورد بلجريف، وسنت فليبي جون) حول مشاهداتهما في "نجد"، حيث حاول الأخير أن يثبت أن "بلجريف" لم يقم بزيارة نجد، رغم ما قدمه من وصف صادق في معظمه لمشاهداته وملاحظاته عن أئمتها، ومن إعجابه بحكمهم، وقد وجد "فليبي" في رواية "بلجريف" لرحلته ثغرات في وصفه للطريق بين "الرياض" و"الأفلاج"، نفذ منها "فيلبي" محاولاً نسف حقيقة رحلة "بلجريف" إلى نجد كلها، واعتبار أنّ وصفه لها كان من نسج خياله. وختم المؤلف هذا الجزء من "جمهرة الرحلات" برحلة "محمد بهجة الطيار" سنة 1338ه الموافق 1920م إلى الجزيرة العربية، يصف فيها ما شهدته من مظاهر التطرف الديني آنذاك وأسبابه ونتائجه السلبية. وقد أفرد المؤلف أحمد محمود في نهاية كل جزء من هذه الأجزاء فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمساجد والأعلام والبلدان والأماكن والقبائل والشعوب والشعر والخرائط والرسومات والصور وفهارس لمواضيع لأجزاء سابقة من "جمهرة الرحلات". وقد عرف القارئ الأستاذ أحمد محمد محمود منذ سنوات طويلة كاتباً صحفياً مرموقاً ولمس كل متابع للصحافة السعودية دوره في القيادة الصحفية، حيث عمل مدرساً لعام بعد أن تخرج من كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1384ه الموافق 1964م، ثم انتقل للعمل بوزارة الإعلام لمدة سبعة أعوام. أما عمله في جريدة المدينة فقد تدرج فيهاً متدربًا ثم صحفيًا متعاونًا ليصل إلى التفرغ الكامل في العام 1382ه الموافق 1962م، وقد عمل رئيس تحرير أول جريدة إنجليزية يومية (عرب نيوز)، ثم رئيس تحرير لجريدة المدينة عام 1396ه الموافق 1976م، ثم مديرًا لمطابع العلم عام 1404ه الموافق 1983م، ومديرًا عامًا لشركة تهامة عام 1407ه الموافق 1986م، ليتولى من بعد ذلك رئاسة تحرير جريدة المسلمون الأسبوعية، ثم مستشارًا ومديرًا عامًا للشركة السعودية للأبحاث والنشر حتى عام 1422ه الموافق 2001م، ليتولى منصب مدير مؤسسة المدينة للصحافة لمدة ستة أشهر، وكانت تلك آخر محطة له في العمل العام حيث تقاعد بعدها وتفرغ لمؤلفاته العديدة.
مشاركة :