كان ولا يزال (الرجل) مادة خصبة لمعظم الروايات التي تبدعها (المرأة)، فهن حين يمسكن القلم يكون (الرجل) تحت رحمة هذه الأقلام، فمنهن ما جعلناه يخرج للقارئ في صورة قاتمة وذات مواقف مزرية فينلن منه عبر إبداعهن الروائي وقد يصل إلى التشفي، وهناك أخريات أخرجنه في صورة مشرقة يحفها الوفاء والمحبة وليلمسن له العذر حينما لم يوفق في تحقيق آمالهن. بين هاتين الرؤيتين ومن خلال الصورتين المتباينتين تكون هذه الطروحات لهؤلاء الروائيات. في مطلع هذا الاستطلاع تأتي الروائية والقاصة قماشة العليان والتي تكون صورة الرجل لديها نتيجة للحالات التي يشهدها المجتمع من تعسف في طباع الرجل حيث تقول: صورة الرجل في رواياتي وقصصي قد يكون الأب القاسي الذي يتسبب في تعريض ابنه للانتحار مرات بسبب قسوته وسوء تربيته ورفضه التعاون في علاجه (بكاء تحت المطر) وهو أيضًا الأب اللعوب الذي يتسبب في وفاة زوجته وعدم اكتراثه بوفاة ابنته، ويدفع ابنته الأخرى للزواج بشيخ طاعن في السن، وهو أيضاً الشاب العابث الذي يصاب بمرض الإيدز نتيجة علاقاته المحرمة، وهو ابن الشيخ الكبير الذي يطرد زوجة أبيه ويحرمها من حقوقها (بيت من زجاج) وهو أيضاً الأب الذي يدفع ابنته لتكون زوجة أخرى لرجل آخر بسبب ثرائه، والرجل المزواج الذي يترك زوجته وأبناءه (عيون على السماء).. وغيرها من الصور التي كانت تحاكم الرجل رغم أن بعض الافعال قد تكون واقعية ولا تستحق أن ينظر لمرتكبها نظرة خاطئة، كزواج الأب بعد رحيل زوجته بشهرين، وغيرها، هذه النظرة للرجل والتي قد ينظر لها الكثير من القراء نظرة اتهام أو يفهم منها إنها قد تكون نتيجة للصورة الماثلة في بعض الحالات التي يشهدها المجتمع هنا وهناك، ومن تعسف في طباع الرجل، وقسوة في تعامله مع المرأة، ولكنها تظل صورة غير غالبة بمعنى أن تبقى صور أخرى ناصعة للرجل فهو الأب الحنون والأخ النصوح والزوج المحب والأبن البار. وحسب سياق القصة أو الرواية يكون رسم صورة الرجل فيها وهذا يعني انني لست معقدة من الرجل وانظر له نظرة تقدير واحترام لكن دوره في القصة هو الذي يفرض رسم صورة له متناغمة مع جو القصة أو الرواية. من جهتها ترى الأديبة والروائية الدكتور أمل شطا: أنها حين تصور الرجل في أعمالها الروائية تتخذ من الرجل المثالي وحيث أن القلم يفصح عن فكر الأديب ومبادئه وكنه مشاعره ومخزون ذكرياته، فأنا لا أكتب ولكن قلمي يكتبني! وفي رواياتي عندما أصور الرجل المثالي أياً كان موقعه في الحياة فإنما أصوره الرجل المثالي من خيالي ووجهة نظري البحتة وتجاربي في الحياة، وكيف أرجو له أن يكون، فأنا أعتقد أن الرجولة شيء عظيم وقد رسمتها وتوسمتها في أغلب أبطال رواياتي مثل (زياد) في "لا عاش قلبي" و(الرائد حمزة) في "آدم يا سيدي" و(فلاح) الرجل البدوي في "رجل من الزمن الآخر" والشيخ (زاهد) في "الحب دائماً" وكذلك (عمر) في "أنثى الأبنوس" وغيرهم، كل أولئك لو قرأت عنهم لعرفت تماماً رأيي، بل لرأيت صورة الرجل المثالي ماثلة أمام عينيك. لكن الأديبة والروائية الدكتورة رحاب أبو زيد تقدم في مطلع حديثها رؤية شاملة عن جملة من الروايات التي تناولت الرجل بين الانغلاق والسيطرة إلى العاشق المحب بعد ذلك تتحدث عن صورة الرجال في أعمالها قائلة: لا أستطيع الزعم أني قرأت كافة الأعمال الأدبية للروائيات السعوديات، ولكنه محور مهم يمكن التركيز عليه بشكل دقيق وتفصيلي من خلال دراسة مكتملة الجوانب تشمل الأعمال الأدبية للجنسين، وليس فقط التركيز على صورة الرجل في الأعمال النسائية، بل يجب أن نتعرف على تصور الرجل لنفسه، وكيف يرى وجوده وكيانه ودوره في العلاقة مع الآخر ومع مجتمع كبير باختلافه وتناقضاته، وكيف يقيّم هذا الدور ويصنفه.. أرجو بالفعل أن يشتغل النقاد على تتبع هذا الخط في الأعمال السعودية، من وجهة نظري أن الرجل أنصف نفسه وتناول بني جنسه بصورة أكثر اقناعاً من المرأة الكاتبة، ففي أعمال د. غازي القصيبي مثلاً نجد شخصية الرجل السعودي في "شقة الحرية" مجسدة بشفافية لشباب واعٍ مثقف، كما هي صورة الرجل العربي في أعمال عربية عريقة، أضفى عليه القصيبي زخم الصراعات النفسية والتأملات الروحانية، ومواجهة الأسئلة الكبرى، وتحديات القيم والأعراف، وللدرجة الملفتة التي بلغها من الإبداع اتهم حينذاك أن روايته نسخة مقلدة من "الحيّ اللاتيني" لسهيل إدريس، أو "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، لم يكن القراء والمبدعين العرب يعرفون الكثير عن المجتمع السعودي، ناهيك عن الرجل السعودي، في أعمال يوسف المحيميد، القارورة على سبيل المثال، قدّم صورة تقدمية لرجل يرفض العرف والسائد رغم أنه كغصن مائل لشجرة ضخمة متشعبة يمتد بعيداً عنها في محاولة لصنع شجرة مستقلة.. أما في أعمال نسائية، نجد الرجل السعودي بين الانغلاق والسيطرة إلى العاشق المحب، أثبتت بعض الأعمال الأدبية أن السعودي ليس صحراوي القلب متحجر الروح، إنما بالفعل يملك قدرة على الحب والعطاء، إلا أن المرأة الكاتبة هنا اضطرت لهذا التشويه حتى تمارس اسقاطاتها النفسية عليه ولتبقى متربعة على عرش "الضحية" دائماً، إّذا وجدت المرأة نفسها في وضع انهزامي، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال أن توقع اللوم على ضعفها أو على ترددها، إنما بطبيعة الحال على رجل ما في حياتها، له حق الوصاية وربما الولاية وربما تحديد المصير. في روايات رجاء عالم، الفائزة بجائزة البوكر عن روايتها طوق الحمام عام 2013م، تأتي صورة الرجل المكي مختلفة تماماً عن الشخصية الذكورية في مناطق أخرى، وفي هذا ذكاء وتمكن أن يتم توظيف البيئة والمكان ودورهما في خلق شرائح من التناقضات في الشخصية – حتى في العمل الواحد نفسه، لا تجد شخصية رجالية تشبه الأخرى، واستطعنا من خلالها الولوج إلى متاهة صغرى متشابكة داخل الشخصيات الذكورية إلى جانب المتاهة الكبرى في العمل ككل، مما أكّد على أن للرجل السعودي حضوره الفلسفي وانفعالاته المتراكبة، وكذلك بعض مظاهر مقاومته وإن لم تتجاوز هذه المقاومة أنحاء الجسد. وتواصل الروائية رحاب قائلة: المجال يضيق عن ذكر تفاصيل ممتعة ومهمة في هذا المحور، لكني أكرر أنه يستحق الاطلاع على كافة الأعمال السعودية أو على معظمها تقريباً، ومن ثم تحليل الصور الذكورية حسب مراحل بنائها وتغلغلها في النص وتغلغل الكاتب فيها، ثم تفكيكها بغية الوصول إلى صورة جزئية وموحدة عن الرجل السعودي في الرواية السعودية. في أعمالي، لا أستطيع أن أدّعي أني أنصفت الرجل تماما، كأعمال أولى كان تركيزي على مواقف المرأة وما يمثلني وما تندفع مشاعري باتجاهه أولاً، وأظن أن هذا أمر طبيعي. ظهرت صورة الرجل في الرقص على أسنة الرماح غير متشابهة مطلقاً، لم أصور الرجل الأوحد الذي يصبغ عالمي بعقدة ما لا فكاك منها ولا منه، بل كانت هناك عدة مستويات للوعي في تلقي الرجل في حياة امرأة مثل البتول، بين أبيها وعدة رجال مرّوا في حياتها، وكان لهم تأثيرهم بلا شك، حتى بلغت نقطة في النهاية وهي الانتفاض والتمرد على هذا التأثير. أما في كتاب "بجناح واحد"، فغدا الرجل متوارياً خلف رسائل عشق وعتب قصيرة، شرحت من خلالها العلاقة الثنائية بين رجل وامرأة يحاولان سبر أغوار نفسية الآخر للتقدم بهذه العلاقة أو التقهقر بها إلى حيث كان البدء، أتوقع يمكن قول الكثير من خلال دراسة حجم التوتر ونوبات الالتصاق والبعد في علاقة عاطفية محمومة من هذا النوع.
مشاركة :