مفهوم القدوة في ظل متغيرات التقنية

  • 4/18/2023
  • 22:50
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لو تفحصنا سير العباقرة والعظماء وتأملنا حياة الناجحين والمتميزين لوجدنا أن القدوة التي استلهموا من خلالها دروبهم نحو التفوق والريادة من أهم العوامل التي ساعدتهم على تخطي العقبات، وتجاوز الكوابح التي واجهتهم في مسيرتهم، ولذا تظل صفحات السير الذاتية من ألذ وأمتع الكتب التي لا يمل المرء من قراءتها، لا سيما حكايا العظماء وكفاح العصاميين منهم، بيد أن الأثر السلبي المتسارع الذي أحدثته برامج وتطبيقات التواصل الاجتماعي يدق نواقيس الخطر تجاه مفهوم القدوة وما يتعلق بها، لا سيما أن متابعة المحتوى التافه أصبحت ظاهرة عامة تشكو منها أغلب المجتمعات، وهذا ينعكس بالطبع على مفهوم القدوة!!لعل القارئ الكريم استوحى من المقدمة ما أعنيه، وهو ثنائية (المشاهير/ القدوة)، ولو تطرقنا إلى مفهوم الترفيه لدى الأطفال مثلا، لوجدنا التحول النوعي في طبيعة الترفيه من اللهو بالرمل أو الركض أمام المنزل كحالة اعتيادية لطبيعة الطفولة التي تحتاج إلى الحركة والنمو وتغيرها إلى حالة ترفيهية غريبة بحيث يكتفي الطفل بلمس شاشة الآي باد من أجل مشاهدة أحد المشاهير وهو يؤدي لعبة الكترونية معينة، ومن زاوية أخرى يجني ذلك المشهور على آلاف الدولارات بينما يحصل الطفل على محتوى لفظي تافه لا يمنحه أي قيمة تربوية أو فائدة سلوكية، هذا التغير الحاد في مفهوم الترفيه الطفولي جعل العديد من المربين يحذرون من مغبة تلك الأجهزة الالكترونية وخطرها على مستقبل الناشئة والتي بدت آثارها اليوم من خلال سمنة الأطفال وخمولهم عن أداء الحركة، والأخطر من ذلك كله أن هؤلاء المشاهير تحولوا إلى قدوة في نظر هؤلاء الأطفال!الأمر الآخر يتعلق بقدوة الثراء والتكسب، وهنا نستدعي ثنائية أخرى (الثراء/ الزمن)، فالذاكرة الجمعية الإنسانية تستلهم الثراء من قصص الكفاح لرجال المال والأعمال، والذين ابتدأت مسيرة صبرهم من أدقاع الفقر إلى عالم الثراء عبر عقود وسنوات طويلة من العصامية بينما أوجدت منصات التواصل الاجتماعي وللأسف الشديد مجالات يسيرة للثراء، فقد تظهر امرأة تستعرض مفاتن جسدها أمام متابعيها لتنهال عليها عروض الإعلانات فتتحول مباشرة إلى عالم الثراء، وهنا تظهر خطورة هذه القدوة السيئة على فكر وثقافة الأجيال الناشئة تجاه مفهوم الثراء.الأمر الثالث يتعلق بقدوة النجاح والشهرة، ففي الماضي كان المعلم يسأل تلاميذه عن مخترع المصباح الكهربائي أو الرجل الذي أضاء العالم، لأن هذا الاختراع العظيم كفيل بأن يخلد اسم توماس أديسون في قائمة مشاهير التاريخ، بيد أن مفهوم الشهرة لم يعد يأخذ تلك الأبعاد العلمية والثقافية والفكرية، بل أصبح يرتبط بالتفاهة، وهذه نكسة أخلاقية أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي، فالإشكالية هنا أن من يسمون أنفسهم بالمشاهير يهيؤون المجتمع إلى تقبل رداءة المحتوى، والتكيف مع الإسفاف وضحالة القيم، وبالتالي برمجة العقل الجمعي على التأقلم مع تلك السلوكيات الرديئة.يرى الباحث الكندي آلان دونو في كتابه نظام التفاهة أن مواقع التواصل الاجتماعي قد نجحت في ترميز التافهين، بمعنى أنها حولتهم إلى رموز ومشاهير في المجتمع، وهنا مكمن الخطر الحقيقي، لأنهم مع عامل الزمن سيتلبسون رداء القدوة، وسيظهر بعضهم بمظهر النجاح، كما سيبدو آخرون بصورة الكفاح والبطولة، بينما هم يشتركون جميعا في صناعة التفاهة!!.albakry1814@

مشاركة :