الشعر وعوالم «التواصل الاجتماعي» بين فضاءات الإبداع الحق والهواية المطلقة

  • 4/21/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هيمنت وسائل التواصل الاجتماعي على الجميع، ومن هؤلاء المبدعون في مختلف المجالات، وخاصة الشعر، إذ وظف العديد من الشعراء حساباتهم في هذه المواقع لنقل تجربتهم ونتاجهم الشعري والأدبي إلى متابعيهم، وعمد الكثيرون منهم إلى نشر ما تجود به أقلامهم في شكل منشورات، سواء في هيئة قصائد أو نصوص أو فيديوهات. وفي الواقع، وجد الشاعر والهاوي نفسيهما، على قدم المساواة في هذه المنصات، لا يميز بينهما شيء من جهة الحق وإمكان التقدم إلى القارئ وعرض إبداعهما عليه؛ فإن كان الشاعر يرغب في التفاعل مع متابعيه وكسب جمهور جديد لنصه، فإن هناك الكثير سواهم ممن هم مجرد هواة، يقفون إلى جواره، يزاحمونه في المنصة نفسها. وبعض هؤلاء يطمح إلى اختبار قصيده ونصه، وهو أمر يبدو مشروعاً، إلا أن هناك الكثيرين من هؤلاء يسعون إلى كسب الشهرة بأي ثمن، من دون مراعاة ضوابط كتابة النص الشعري من وزن وقافية وغيرهما. في هذا الظرف الملتبس، الذي يجد فيه القارئ نفسه أمام الجميع دفعة واحدة، لا يندر أن ينساق المتلقي إلى خيارات لا تستوفي الشروط الأدبية، ولا تستجيب إلى المعايير الشعرية، علاوة على أنها تمثل، في غالب الأحيان، حالة من الاعتداء على الذوق العام، عبر نصوص لا علاقة لها بالشعر، لا من قريب ولا بعيد. في هذا التحقيق نسلط الضوء على هذه الإشكالية، ونستطلع آراء نخبة متميزة من الشعراء، في شأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في القصيدة وجودة النص الشعري. زمن سريع يقول الشاعر عتيق خلفان الكعبي: في زمن سريع وحافل بالتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي اتجه الناس بكل ميولهم وهواياتهم يحاولون سبر أغوار هذا العالم الجديد واستكشاف عوالمه. ويشترك في هذا الشعراء وغيرهم من الأدباء والفنانين، إذ إن الشعر حاله كحال أي إبداع يحتاج إلى مجاراة العصر، وهذه التقنيات الحديثة والسهلة في وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الشاعر يختصر المسافات، وجلبت له الجمهور بدلاً من أن يذهب إليه، وأصبح الشاعر بعد زمن المطبوعات الشعبية يجد ضالته في هذه المواقع. حيث لا توجد قيود ولا فرض وصاية. والواقع فإن الشاعر الحقيقي يستطيع أن يظهر بإبداعه في أسرع وقت، ولا يحتاج إلى دعوة أو إلى رقيب على نصه الشعري. وسائل التواصل الاجتماعي دعاية مجانية للشاعر المُجيد، فيستطيع إيجاد مساحة يتحرك فيها، والتعرف إلى عدد متابعيه وصدى ما يقدمه من نصوص. وبلا شك، لقد خدمت الشبكات الإلكترونية الشعر والشعراء، وقربت المسافات، وفتحت الأبواب للجميع، والجيد يفرض نفسه. وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للشعراء فضاء مفتوح يتيح لهم اختصار وقت صعود سلم الشهرة والنجاح. ولكن يبقى لشعراء المطبوعات الشعبية تاريخ لا يُنسى، ومعظم ما كان يُنشر من قصائد كان لشعراء كبار والقصيدة المكتوبة والمطبوعة في مجلات أو في الصحافة الشعبية لها رونقها وقيمتها من ناحية التدقيق والتمحيص، وذلك يجعل القصائد التي تصل إلى الجمهور قمة في الإتقان والروعة. أهم المواقع وتحدثت مريم النقبي، الشاعرة والإعلامية ومسؤولة منتدى شاعرات الإمارات، عن أثر هذه المواقع فقالت: بالتأكيد، أثرت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في النص الشعري، وجودته ونوع الموضوعات المطروقة في القصيدة. كذلك؛ فهذا الفضاء الواسع، متاح للجميع من دون شروط أو قيود، وأصبح فيه الشاعر يقاس بكثرة متابعيه، ثم يأتي تالياً مستوى النص وجودته وقوته، فاختلط الجيد بالرديء. وهذا للأسف يضر بالشعر. ولكن لا بد من النظر إلى الجانب الجيد والإيجابي لمواقع التواصل، لأنها فتحت أبواباً واسعة لانتشار الشاعر والقصيدة، في الوقت الذي قلت فيه الصفحات الشعرية والمنابر الورقية، والإعلامية المهتمة بالشعر والثقافة والأدب. وأنا شخصياً أشجع على طرق أبواب مواقع التواصل الاجتماعي، لنشر النتاج الشعري وتشجيع الشعراء الحقيقيين على الانطلاق في هذا الفضاء. تأثير تناول الشاعر عبيد الشاعر تأثير وسائل التواصل الاجتماعي السلبي والإيجابي في الشعر والأدب بشكل عام، فقال: وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدّين، لها تأثير سلبي في الأدب بشكل عام وفي القصيدة بشكل خاص لأنها أغرقت العالم بكميات هائلة من المحتوى ما تسبب بفوضى عارمة في الساحة الأدبية الافتراضية نتج عنها ضرر في سلامة الذوق الأدبي. الفضاء المفتوح أدى دوراً في طمس هوية القصيدة الحقيقية وزعزع قيمتها العريقة، إذ أصبحت غريبة وتائهة، حين تدير عينيها فترى أشباه النصوص كاللصوص يتهندمون بلباسها حتى تكاد لا تتميّز. وأما التأثير الإيجابي، فهي منحت جميع الشعراء الحقيقيين الفرصة لأن تحلّق قصائدهم برحابة وطلاقة في سماء أسماع الجمهور، وأن يتجرّدوا من القيود، وينقّحوا قصائدهم من شوائبها ويحافظوا على مكانتها في العالم الافتراضي كي لا تضمحل. جولة القصيدة أكد الشاعر أحمد عبيد شلشول، تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في جودة القصيدة، إذ أعطت هذه الوسائل جميع الشعراء مساحة، فيقول: أصبحنا نرى في هذه البرامج والتطبيقات شعراء لم نسمع بهم من قبل؛ ولذا نقول إن هذه المواقع والبرامج قدمت للكثير من الشعراء فرصة الظهور والإعلان عن أنفسهم ونصوصهم وخاصة ممن لم تسنح لهم فرص في الظهور الإعلامي رغم تميز تجاربهم الشعرية وجودة قصائدهم وتميزها. وأضاف: ربما أسهمت وسائل التواصل بادئ الأمر في تدني مستوى القصيدة، ولكن بمرور الوقت أصبح المستخدم لهذه الوسائل يمتلك الوعي التام والمعرفة الكاملة التي تتيح له التمييز بين القصيدة الجيدة والمتكاملة والقصيدة العادية، ولذا تنتشر القصائد الجيدة بشكل سريع، إذ تسهم المؤثرات الصوتية والتصوير في انتشار القصائد، ولكن الشاعر والمتذوق للشعر يدركان ويعيان جودة القصيدة من أول بيت أو شطر، وكذلك المستمع. ويتابع: طبعاً الفضاء المفتوح في هذه الوسائل أدى إلى عدم وجود الناقد الأدبي للقصائد، فالمبدأ العام في هذه الوسائل أن كل شخص يملك الحق في أن يكتب وله حرية أن ينشر ما يكتبه، سواء كان جيداً أو لا. في هذه الحالة، سوف نرى كثيراً من القصائد ذات المستوى العادي. ولكن تبقى القصائد ذات المستوى العالي هي ما يبقى ويتم تداوله من قبل الجميع ويحظى بالإشادة، بعكس ما نجد في الوسائل التقليدية، فلا يوجد ناقد أدبي هنا يقوم بمراجعة القصائد المطروحة للنشر والحكم عليها، وفق ما يرى. جودة النص وتقول الأديبة ماجدة الجراح: إذا أردنا أن نتكلم عن الفضاء المفتوح في عالم التواصل الاجتماعي وأثره في جودة النص الشعري، فيجب أن نأخذ في الحسبان أن جودة النص الشعري تعتمد بشكل أساسي على ثقافة الشاعر وخبرته بالدرجة الأولى. ولكن عالم التواصل الاجتماعي المفتوح الذي يخلو من الضوابط والرقابة المقننة، ساعد على انتشار الكثير من النصوص الشعرية التي هي دون المستوى وتفتقر إلى أساسيات الشعر؛ ولذلك نلاحظ تداول الكثير من النصوص الشعرية لدى مرتادي وسائل التواصل بشكل يومي وبصور مختلفة، وغالباً مع تصميم أو فيديو أو موسيقى تُجمّل وتخفي عيوب النص وتشوهاته. وتتابع: وهذا يمكن أن ينطلي على العامة ممن يفتقرون للمعرفة الواضحة بين الشعر وما يتداولونه من نصوص. وعلى الضفة الأخرى، وبكل أسف أيضاً، بدأنا نلاحظ انتشار وشهرة الكثير من حسابات وسائل التواصل التي يتابعها الآلاف وتُعنى بالشعر، إذ إن هدفها الضمني خدمة الشعر وإيصال النص وإشهاره على أوسع نطاق. ولكن للأسف، لا يختلف القائمون على معظم هذه الحسابات (ولا أعمم) عن سواهم من القراء المنقادين ممن يجهلون أبجديات بناء النص الشعري ثم تقوم هذه الحسابات بنشر النصوص على مدار الساعة، مع عدم مراعاة سلامة اللغة وجودة النص فاختلط الحابل بالنابل. علاوة على أن هذه الممارسات، شجعت عديمي الموهبة على ادعاء صفة الشعراء بل إن كثيرين منهم يظنون أنهم فعلاً كذلك، وأن ما يكتبونه بالفعل نصوص جديرة بالاهتمام وتستحق النشر ولكن لا ننسى أن فضاء التواصل الاجتماعي المفتوح خدم أيضاً النص الشعري الجيد، وساعد على نشره وإيصاله، وخدم كاتبه. طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

مشاركة :