يطل العيد من جديد بأريجه الذي يسبق مقدمه، بأثوابه القشيبة ومحياه السعيد، بمسراته وإشراقاته التي تمتد برحابة الأماكن والقلوب، يتخيله الأطفال زائرا يتجول بينهم لأيام ثم يتركهم للانتظار حتى مقدم عيد آخر، ومع ما ينشره من فرح وسرور، يأبى إلا أن يشعل الحنين ويحرك وهج الذكريات، ويسيطر على المشاعر لتعود أطياف الراحلين متشحة بالطهر والنقاء، فتشتعل جذوة الشوق مجددا مع الهلال المنتظر، حكايات وقصص تنهال سريعا وتقلب صفحات طواها الزمن، وتقاليد وعادات ثرية وغنية ومتنوعة طالها النسيان واندثر الكثير منها. أطياف الراحلين يستثير العيد مع ارتباطه الوثيق بالفرح كوامن الحزن في النفوس لكل من فقدوا أعزاء لهم، فالوفاء والمحبة لا تنتهي بغياب الأعزاء، بل هم حاضرون في القلب والوجدان باقون حتى الملتقى الأخير، لذلك يعمد البعض إلى زيارة أحبتهم في بقيع الغرقد لإلقاء السلام والدعاء بالرحمة لأحبة قاسموهم أفراح الأعياد زمنا، فتهطل الذكريات الحزينة بغزارة من غيوم ملبدة بالأشواق إلى أم حنون وأب رحيم وأخ محب، وصديق وفي، فتختلط المشاعر وتمضي بهم بعيدا حتى يستدركهم الإيمان واليقين بأن الفرقة العابرة سيتبعها اجتماع أبدي، تتبعها دعوات ضارعة إلى الله سبحانه وتعالى بأن تكون مراقدهم رياضا من الجنة تسكنها أرواحهم الطيبة. تجمعات وأهازيج وذكر المؤرخ د. تنيضب الفايدي أن عيد المدينة المنورة قديما تعلنه أصوات المدافع، فتعم الفرحة والسرور الجميع ولا سيما إذا تم الإعلان في وقت قبل تمام الشهر ثلاثين يوماً، فيخرج الجميع وخاصة الأطفال مرددين الأناشيد وكلمات الترحيب بالعيد السعيد، وتحرص العوائل ليلة العيد إلى الإعداد للمناسبة السعيدة ولا سيما الملابس، وأنواع الحلوى والعطور، وما يقدم للزوار ولا سيما أن بيوت المدينة المنورة تكون مفتوحة لكل زائر، بل قد لا يوجد من يستقبلهم لأن "الصالون" مفتوح للجميع، وتجمعات العيد لها نظام، حيث مهرجان العيد، وكان قبل عدة عقود يقام بباب الكومة، حيث توجد المراجيح باختلاف أنواعها وتصلح لمختلف الأعمار بدءاً بالمراجيح الكبيرة وانتهاء "بهزي مركب"، إضافة إلى العربات المزينة والمزركشة التي تجرها الأحصنة والبغال والحمير. ألعاب شعبية وأضاف: على هامش المهرجان هناك ألعاب شعبية يمارس بعضها وإن لم تكن له علاقة بالعيد ومنها: المزمار: وهي لعبة رجولية خطرة لها قوانين وقواعد وتتم ممارستها في العيد وبعض المناسبات الأخرى كالزواج، وتستخدم العصا والرقص على قرع الطبول حول النار وقد يتسبب الخطأ في هذه اللعبة إلى مشاجرات وإسالة الدماء ولا سيما بين "المشاكلة أو الفتوة"، وهناك مجموعة من الألعاب: وتكون إما على شكل مجموعات أو شخصين أو طفلين أو أكثر عند ممارستها ومنها: الكُبوش، الحجاج، طبطب، الدَّحل "البرجوة" المزويقة "المرصاع" الكبت، طيري "الغميمة" عُصفر ، اصطففت، الطاقية ، "طاق، طاق، طاقية" البِربِر، أم الخمسة، التزقير، شيخ الأرض، الطاب، الضاع، عظم وضاح "عظيم ضاح"، ومهرجان العيد وما يقدم فيه وإن كان أساساً للأطفال إلا أنه يجمع الناس على الحب والتآلف والتواصل والتراحم والتزاور والتقاء القلوب. مراجيح خشبية وقال المؤرخ د. فؤاد المغامسي إن أهالي الأحياء بالمدينة المنورة كانوا يخصصون يوما محددا تجد فيه جميع أبواب الحارة مفتوحة فيصف أحد سكان باب المجيدي ذلك بقوله: "تجد جميع الأبواب مفتوحة لا أحد يطرق الباب ولكن يأتي عند الباب ويسلم، ولا بد أن يدخل ويأخذ من الأطباق ودلة القهوة ومرش الورد ويردد كل عام وأنتم بخير"، وكانت الأحياء من المناخة وسكانها والأغوات وسكانها وأهل باب المجيدي وسكانها وأهل السيح وسكانها يجمعهم ذلك الميدان الفسيح بالمناخة حيث ألعاب للأطفال المراجيح الخشبية والبسطات التي تبيع المرطبات والمأكولات الشعبية، وأيضاً كانت تقام القيلات والعزائم طيلة أيام العيد وكان أهل الحوش أو الحارة هم عائلة واحدة يربطهم الإخاء والمحبة، وأما مع تباعد الزمن وتباعد الدور واتساع رقعة المدينة الجغرافية تلاشت بعض هذه السمات الاجتماعية وأيضاً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتقنية الاتصالات الحديثة تغير الكثير، مشيرا إلى أن العيد تسبقه استعدادات ولكل مجتمع من المجتمعات عادات لها في وجدانهم ذكرى وحنين بقي منها ما بقي، واختفى منها ما تأثر بمتغيرات العصر الحديث، ولكن ما زالت ذكريات الآباء تحمل في طياتها صورا جميلة لما كانت عليه الأعياد. حياكة الملابس وأضاف: نحن نشخص ما بقي منها ونوثق ما حملته الذكريات للأجيال، فلم يكن العيد في المدينة المنورة قد بدأ إلا انطلقت الاستعدادات، فجرت العادة أن يقوم الأهالي بتجهيز بيوتهم بتنظيفها، وتقوم ربات البيوت بفرد المفارش والمراتب والسجادات وضربها بالعصا والمقش لرفع الأتربة والغبار العالق، وغسل البيوت وترميم ما يحتاج إلى ترميم وطلاء الجدران ويظهر البيت بحلته الجديدة، وهذه من العادات التي تأثرت بمتغيرات العصر الحديث، ومن العادات القديمة تجهيز الملابس الجديدة للأطفال والكبار، وحمل هذا على ربت البيت فهي من تقوم بخياطة ملابس الأطفال "الكرتة وفستان العيد" للبنات، والثوب للأبناء وأيضاً كانوا يجودوا على نفسهم بهدايا الأقمشة التي سيتم تفصيلها بالعيد فلم تكن في تلك الفترة قد ظهرت محلات بيع الملابس الجاهزة بهذه الكثرة بل كان الاعتماد على الخياطة وأغلب النساء يجدن الخياطة وهذه من العادات التي تغيرت بمتغيرات العصر فكثرت الأسواق وملابس الماركات واختفى صوت مكينة الخياطة في البيت، أما الفتيات فدورهم مهم وذلك بإعداد "الحلى" و"الضيافة"، فالمطبخ المديني يتمتع بالتنوع والكم الهائل من الأصناف مثل"الفطير، وحيسة التمر، واللبنية، والبسبوسة، والغريبة، والمعمول، والدبيازة، والفتوت.. وغيرها الكثير، ولكن الجميل المفقود هو أنه كانت تأخذ الصواني التي يوضع فيها الحلى أو الخبز المعجون إلى الفرن ومشاهدة أهل الحارة أو الحوش كل مين ينتظر دوره عند الفران، وقد تغيرت هذه العادة بمتغيرات العصر الحديث وأصبحت محلات الشوكولاتة، ومحلات الحلويات والمخابز الإلكترونية تقوم بإعداد ذلك. مدفع العيد مهرجانات العيد تحافظ على الموروثات الشعبية لقاءات المعايدة قديماً الأطفال يستقبلون العيد بالأناشيد
مشاركة :