والعيد في الطائف وفي مخزون الذكريات وقبل أكثر من ستة عقود كان يمثل كرنفالا كبيرا من الفرحة والبهجة والمتعة الحقيقية التي ينتظرها الناس ويعدون لها العدة من قبل إطلالة شهر رمضان المبارك حيث يلتئم فيها شمل الأسر وتلتقي نفوسهم على المحبة والنقاء والأخوة والصفاء وفي ظلال تلك الأجواء الروحية السامية بالبشر والرضا والسكينة. ولعل أول مظاهر الاحتفال بالعيد السعيد تبدأ من ليلة العيد ومنذ إعلان ثبوت هلال شهر شوال وإطلاق مدافع العيد طلقاتها المدوية في الأجواء ترتفع الأكف بالدعاء مودعة شهر رمضان بغصة الفراق ولوعة التوديع بعد أن أضاء دواخل الناس بروحانيته لأيام معدودات ثم لا تلبث أن تعلو الفرحة والابتهاج في النفوس وتنطلق المفرقعات والطراطيع مرحبة بمقدم العيد السعيد ويتم تبادل التهاني باستخدام التلفون ثم تنتفض الأسر داخل المنازل لاستكمال التنظيفات ووضع التجهيزات والترتيبات الأخيرة لاستقبال المهنئين بالعيد وتزيين الركن الخاص بحلويات العيد في مجلس الضيوف، فيما تشهد أسواق وسط البلد كثافة غير معهودة بتدفق أرتال المتسوقين لإخراج الزكاة أو لشراء بقايا احتياجات ومتطلبات العيد البسيطة من ملابس وشماغات أو أكوات خصوصاً إذا كانت الأجواء باردة في الطائف، ويزدحم خان القاضي الذي تتواجد به أغلب محلات بيع عطر الورد وماء الورد بالمئات ممن يقدمون لشراء عطر الورد الطائفي المميز، كما أن البعض لا يفوت هذه الليلة ويشارك المتسوقين التسوق بوسط البلد حتى ولو لم يكن لديه حاجة للشراء وإنما للاستمتاع بمظاهر العيد وهو يرى البهجة والبشاشة ترتسم على وجوه الناس في كل مكان وزاوية ويشاهد ازدحام الناس وانشغالهم في سرعة قضاء حاجاتهم والعودة لاستكمال تجهيزاتهم لصلاة العيد وحركة الأسواق وعشرات البسطات المخصصة لبيع الحلويات والمزركشة بالأوراق اللامعة والاضاءات الملونة وصيحات البائعين المتعالية (يا الله العودة يا رمضان) - (عيدوا يا معيدة) - (يا حلاوة العيد يا حلاوة). وثاني مظاهر الفرح بالعيد تبدأ من الاستعداد للخروج لصلاة العيد وكان مصلى العيد الرئيسي والوحيد بالطائف يقع في موقع جامع الملك فهد الحالي الذي كان وقبل أكثر من نصف قرن فضاء مفتوحاً ومسوراً بقضبان حديدية وله عدة ابواب من كل الاتجاهات الأربع، وإذا كان الملك فيصل رحمه الله بالطائف فهو يتقدم المصلين لصلاة العيد في هذا المصلى الذي كان يكتظ بالمصلين من أهالي الطائف وقبل السماح لإقامة صلاة العيد فيما بعد في مصلى الخالدية ومصلى الردف وعدد آخر من المصليات بعد تزايد أعداد سكان الطائف الذين لم تعد تستوعبهم هذه المصليات ثم السماح بإقامة الصلاة ايضاً في عدد من الجوامع والمصليات الكبيرة التي تتوزع في أحياء الطائف التي هي الأخرى اتسعت اتساعاً كبيراً عما قبل ذلك التاريخ. وفي أيام عيد الطائف تقام العديد من المظاهر الاحتفالية التي تحمل كل معاني البساطة والعفوية والتنوع وتلبي كافة الرغبات والاعمار ففي ايام ونهارالعيد تتعدد ألعاب الأطفال من المراجيح (المدريهه) المعلقة بالحبال في الهواء الطلق، وكانت ساحتها الرئيسية بحي السليمانية بجوار حمام البخار حيث تتواجد بجانبها أيضاً المراجيح الصندوقية وغيرها من الألعاب الأخرى. وأما الكبار فقد كانت تقام لهم حفلات مسائية تتوزع في أحياء المدينة حيث تضاء الشوارع وتقام السرادقات لهذه الحفلات وترفع فيها أقواس النصر والأعلام والزينات الملونة، وتتميز كل حارة بلون مختلف من الوان الفنون الشعبية ففي قروى مثلاً تقام كل يوم في العصر والليل لعبة المجرور، وفي حي الشرقية تقام حفلات الطرب التي كان يحييها كل من الفنان عبدالله محمد وعبدالله المرشدي ومسفر القثامي وغيرهم، وفي حارة الشهداء الجنوبية والشمالية تقام حفلات القبائل والعابهم الشعبية كعرضة غامد وزهران وبني مالك ولعبة الزير لبني سعد وبني الحارث والرزفة لمناطق عسير وبني شهر إلى جانب مشاركة فرق الجاليات المقيمة بالطائف كالجالية اليمنية والفلسطينية والهندية والباكستانية وغيرهم. وكان يزيد هذه الاحتفالات بهجة وجمالاً تشريف اصحاب السمو الملكي الأمراء كأمير منطقة مكة المكرمة الاسبق الأمير مشعل بن عبدالعزيز رحمه الله، والأمير فواز بن عبدالعزيز رحمه الله، والأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب امير المنطقة سابقاً، وأمير الطائف وكبار المسؤولين، وجولاتهم على مختلف هذه الحفلات، وقد شاهدت شخصياً تشريف الأمير أحمد بن عبدالعزيز لإحدى هذه الحفلات وكنت برفقة الوالد رحمه الله وذلك في عام 1391هـ وكان سرادق الحفل مقام في مواقف السيارات أمام منشية سعيد بافيل بالشهداء الجنوبية والقى كلمة الأهالي المربي القدير الأستاذ سعد بن سراج العمراني الحارثي رحمه الله مدير مدرسة موسى بن نصير بالطائف، ثم أقيمت عرضة بني الحارث وبني مالك وبني سعد وشاركهم فيها سموه بهذه المناسبة. هكذا قالت لنا فرحة العيد قديماً بالطائف المأنوس بما تحمله من صور منقوشة في الذاكرة وتلك المظاهر المشبعة بالفرح والسرور والالفة والتقارب ومقارنتها بأعيادنا الحالية التي أصبح الفرح فيها مسروقاً والبسمة شبه محنطة وغابت وتلاشت اغلب هذه المظاهر وأصبحت في عداد الذكريات، ولم يتبق من مظاهر هذه الفرحة سوى صلاة العيد التي يعود منها الناس ليغطوا في نوم عميق ربما لا يقطعه إلا العودة للمدارس وبدء الدوام الرسمي، ومع ذلك كله فلا زلنا ولله الحمد نحتفظ بالطابع الروحي الإسلامي لهذه المناسبة السعيدة التي نتمنى أن تعود لها روح البهجة والسعادة الحقيقية وذكريات الماضي الجميل تقبل الله صيامكم وأسعد أيامكم ودامت ابتسامتكم دوماً مشرقة وكل عام وأنتم بألف خير.
مشاركة :