وما بين ذكرى رائعة وتاريخية مشرقة وبين ذكرى مشؤومة جرت في بحرنا مياه كثيرة أحدثت في الآونة الأخيرة شروخًا وصدعت وحدة جدارنا الوطني الصلب الذي شيده ميثاقنا الوطني يوم صوت عليه الشعب بـ نعم كبيرة غير مسبوقة كانت اعلانًا للتوافق بين القيادة الملك حفظه الله والشعب على الدخول للقرن الجديد من أوسع وأهم بواباته الزاهية، فلماذا أراد من سعوا للانقلاب على الميثاق اغلاقها واعادتنا الى عصر الاحتراب الاهلي والتمزقات الطائفية والمذهبية التي لم يعرفها شعبنا طوال تاريخه المديد؟ لماذا كبيرة ستظل معلقة بقسوة وقوة السؤال على أبواب كل الجماعات وحتى الافراد الذين شاركوا في الانقلاب على ميثاقنا الوطني بغض النظر عن نوع او شكل هذه المشاركة، حتى الصمت عمّا كان يجري هو نوع من أنواع المشاركة في الانقلاب ناهيك عن الحضور في ليالي الدوار واحيائها بلغة الدوار. نقول لغة الدوار ونستخدمها مصطلحًا لاول مرة لان للدوار يوم ذاك لغة معينة ومفردات معينة وخطابات معينة عرفناها وخبرناها عن قرب قريب وهي تطرق آذاننا مبشرة بشيء آخر قادم في تلاليف وثنايا وخبايا ما كان يحدث. واليوم يروج ويمرّر بعض المتثاقفين مقولة مفادها ليس كل من حضر او ذهب الى الدوار تلك الايام كان يسعى للانقلاب على الميثاق والاصلاح والنظام وليس كل من ذهب الى الدوار يومذاك كان مؤيدًا او منحازًا للانقلاب على النظام وعلى الميثاق. وكأنهم بهذه التخريجة الغريبة البائسة واليائسة يشبهون الدوار باستاد رياضي وكأن ما كان يجري فيه مهرجان رياضي او شبابي مفتوح للمشاركة او الفرجة..!! وباختصار حاسم نقول الذهاب الى الدوار تلك الايام كان تسجيل موقف بل هو موقف مما كان يجري وقتها. فمن ذهب هو مع ومن لم يذهب هو ضد الانقلاب على الميثاق والاصلاح والنظام ولا ثالث لهذا الموقف ولا يمكن الآن بقبول تفسير آخر او الاقتناع بتخريجة يائسة تتسول التبرير هربًا من اعلان الخطأ ومن الاعتذار للوطن وللشعب وللميثاق بالدرحة الاولى، وهو الميثاق الذي شكل الحلم والأمل. ما بين الميثاق أملاً وحلمًا ومشروعًا وطنيًا بامتياز متقدم وحضاري وبين محاولة الانقلاب عليه والعودة الى كهوف التمذهب والطأفنة دوار من ذهب إليه يعرف لماذا ذهب ومن لم يذهب يعرف أيضًا لماذا لم يذهب، فهل يأتون الآن ليفسّروا ما لا يحتاج الى تفسير كتفسيرهم المتلعثم. لا يحتاج الموضوع الى تفسير أو تأويل فلم يكن الدوار حلمًا جاءنا في النوم وان كان قد ترك كوابيس مخيفة في وجدان أطفالنا. فالدوار واقعة حقيقية مازلنا نحتفظ بتفاصيلها. الدوار باختصار مكثف طعنة خنجر في خاصرة مشروع وطني تقدمي عنوانه الميثاق وتفاصيله الاصلاح. وكثيرون خبؤوا خناجرهم تحت العباءات الفضفاضة وما بين ثنايا قمصانهم وأثوابهم وقصدوا الدوار وهناك شاركوا في واقعة الطعنة حتى يضيع دم ميثاقنا الوطني وتضيع ذكراه يوم اختاروا عمدًا وقصدًا 14 فبراير لتسديد الطعنة الجماعية، ورأينا وجوهًا حتى صرخنا كما ــ صرخ بطل شكبير قبل مئات السنين حتى أنت يا بروتس. وبروتس الذي جاء متأخرًا عن موعد الحضور والعودة يحاول الآن تبرير التأخير والغياب.. ولم نعد نحتاج تبريرًا أو عذرًا للغياب ولكننا بل هو الوطن يحتاج اعتذرًا واعترافًا بالخطيئة. في الدوار من وقف ومن رفع قبضته ومن شابك يده في يد انقلابيين آخرين ومن غنّى ومن أنشد ومن حاضر وناظر.. ومن ومن.. يعجز الآن لساننا عن تبرير واقعة لم يطلب منه أحد أن يبرر لها وهو واقعًا وحقيقة يبرر لنفسه ويبحث لها عن مهرب. ذكرى الميثاق الوطني باقية نابضة ما دام هذا الشعب والوطن باقيا وذكراه ستبقى متسامية على كل طعنة وفوق كل خنجر وبروتس سيغيب في الزحام كوجوه اخرى كثيرة غابت، ولكن سيظل خارج ذاكرة الوطن مهما فعل ومهما حاضر ونظر وكثيرون سقطوا حتى من ذاكرة ربعهم قبل ان يسقطوا من ذاكرة الشعب، وهي ذاكرة من المستحيل العودة إليها. فلا تبرروا ولا تفسروا فقط اعتذروا للوطن ولذاكرة ميثاقٍ وطني عظيم وذكراه محفورة ومنقوشة في قلب الوطن.
مشاركة :