ظهرت دمية جديدة وفريدة في أشهر برنامج أطفال في العالم «عالم سمسم»، أو ما نسميه بالوطن العربي «افتح يا سمسم». فهذه الدمية «جوليا» هي فتاة صغيرة تعاني من مرض التوحّد، وتمتاز بشعر برتقالي اللون. يحاول منتجو البرنامج الشهير، الذي ذاع صيته لعقود، تجسيد مرض التوحد للمشاهدين الأطفال بطريقة احترافية وغير مباشرة، حيث تظهر على جوليا صفات مشتركة بين المصابين بالمرض؛ منها مثلاً ألا تستجيب أحياناً لمناداة اسمها، وعدم إكثارها من الاتصال البصري المباشر eye-contact، ولا يشعر محدثها بأنها تنصت له في بعض الأحيان، وهو سلوك يعاني منه المصابون بالتوحد، وقد يدخلهم بمعارك أو إحراجات كثيرة مع من لا يعرفهم جيداً. وأنا أتأمل قصة الدمية جوليا أتذكر كم من فرد تدمرت شخصيته في المدرسة، والشارع، وبين أهله وأقرانه، بسبب مظاهر التوحد أو طيفه التي لا دخل له بها. فما ذنب الفرد إذا كان لا يدرك مشاعر وأحاسيس من حوله، ويميل نحو اللعب بمفرده بسبب توحده. لماذا لا نكثف التدريب والتأهيل اللازم للمعلمين للاكتشاف المبكر لهذه الأعراض، والأهم معرفة كيفية التعامل معها حتى ينخرط الفرد مع المجتمع بأقل الأضرار الممكنة. فهناك أفراد يعيشون بيننا انهالت عليهم سيول من التندر والتهكم أو ما يسمى بلغة العصر «التنمر». فهم في الواقع نمور من ورق وجدوا ضالتهم في الضعفاء ممن يعانون من أزمة نفسية أو متلازمة معينة أو مرض ما كالتوحد. لا بد من تغليظ العقوبات في شتى الميادين على من ينال من المغلوب على أمرهم بالمجتمع، لنضبط الأمور ونحسم مسألة التعدي على الناس. ومن هذا المنطلق سعدت عندما قرأت عن هذا القرار الذي أقدم عليه منتجو برنامج عالم سمسم بإضافة دمية مصابة بالتوحد لكونه ينم عن تحضر وشعور بالمسؤولية بعد تزايد أعداد من يعانون من التوحد بحسب منظمة الصحة العالمية. حيث يبلغ معدله نحو شخص أو شخصين في كل ألف شخص. ويصيب التوحد الذكور أكثر من معشر الإناث! ويعاني أكثر من 80 في المئة منهم من عدم الحصول على وظيفة علماً بأن هناك فرصاً عديدة يمكن أن يشغلها المصابون بهذا المرض. وتصف وزارة الصحة السعودية في موقعها من يعاني من «طيف التوحد» بأنه عادة ما «يتحدث في الموضوع المفضل لديه دون أن يعطي الآخرين فرصة للرد». ويلاحظ أن لديه «نبرة غير عادية في الصوت، وقد تظهر أحياناً وكأنها صوت رتيب أو آلي، وقد يكرر الكلمات أو العبارات التي يسمعها.. مع وجود تعابير غريبة على الوجه لا تتناسب مع سياق الحديث». ليس ذلك فحسب، بل إن المصاب بطيف التوحد يجد «صعوبة في التعبير عن عواطفه ومشاعره، ويظهر وكأنه غير مدرك لمشاعر الآخرين» وربما الأكثر تحدياً مسألة «صعوبة في التعرف على الإشارات غير اللفظية للجسد مثل تعابير الوجه للآخرين، وتظهر استجاباته بطريقة غير معتادة» بحسب الموقع. ومنها أيضاً فرط حركة وعدم مقدرة على التركيز. صحيح أن سبب التوحد ما زال غير محسوم علمياً، إلا أن العلماء تمكنوا من تعريفه بأنه «اضطراب نمائي، يحدث في مرحلة مبكرة من الطفولة، يؤثر في كيفية التواصل والتفاعل الاجتماعي، ويتضمن أنماطاً محددةً ومتكررةً من السلوك، أُضيف مصطلح طيف التوحد للإشارة إلى وجود مجموعة متعددة من الأعراض والعلامات وعلى مستويات مختلفة من الشدة» بحسب وزارة الصحة. خلاصة الأمر أننا بحاجة كمجتمع وأفراد إلى الالتفات إلى شتى الأمراض النفسية والسلوكية، فضلاً عن التوحد عبر رفع الوعي المجتمعي في وسائل الإعلام، والمدارس، وبيئات العمل، حتى يمكن أن ينصهر البشر والمبدعون في بوتقة إنتاجية واحدة ويبتعدون عن كل سلوك يحط من قدر الإنسان أياً كانت درجة أو طيف إصابته. * كاتب كويتي متخصص في الإدارة طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :