المنامة - ياسر ابراهيم - يثير الصراع الدائر في السودان قلق الدول المجاورة والولايات المتحدة وبلدان أخرى، سواءً على صعيد مياه النيل المشتركة وخطوط أنابيب النفط، أو بسبب شكل الحكومة الجديدة وأزمة إنسانية قد تكون تلوح في الأفق. والصراعات ليست وافداً جديداً على السودان الذي يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، لكن القتال هذه المرة يمزق عاصمة الدولة الواقعة في منطقة غير مستقرة على تخوم البحر الأحمر ومنطقتي الساحل والقرن الأفريقي. وشهدت خمس من سبع دول مجاورة للسودان، وهي إثيوبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان، اضطرابات سياسية أو صراعات في السنوات القليلة الماضية. وأدى القتال الذي اندلع في الخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في 15 أبريل/ نيسان إلى تقويض خطة مدعومة دولياً للانتقال إلى الحكم المدني بعد الإطاحة في عام 2019 بالرئيس عمر البشير، الذي تولى هو نفسه السلطة في انقلاب عام 1989. ويدور الصراع بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وبين القائد الثري لقوات الدعم السريع غير النظامية الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو أيضاً نائب البرهان في مجلس السيادة. هنا، أبرز الدول الإقليمية والقوى الدولية التي قد تتأثر بالصراع في السودان مصر الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان والتي تمتلك جيشاً قوياً لها تاريخ مشترك مع السودان في السياسة والتجارة والثقافة ومياه النيل المشتركة. وتشعر القاهرة بالقلق من الاضطرابات السياسية في الدولة الواقعة على حدودها الجنوبية منذ انتفاضة 2019 التي أطاحت البشير. والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تولّى هو أيضاً السلطة بعد سيطرة الجيش على البلاد مقرّب من البرهان. والسودانيون هم أكبر جالية أجنبية في مصر وبفارق كبير، ويقدر عددهم بنحو أربعة ملايين نسمة، من بينهم نحو 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وتشعر مصر والسودان اللذان يعتمدان على نهر النيل كمصدر للمياه العذبة بالقلق من التهديدات التي تتعرض لها إمداداتهما من مشروع سد النهضة الإثيوبي عند منبع النهر على النيل الأزرق. وتدفع الدولتان باتجاه تنظيم عمل السد الإثيوبي، وأي توتر في العلاقات بين الخرطوم والقاهرة قد يعرقل جهودهما للتوصل إلى اتفاق بشأن السد. ليبيا تلعب المرتزقة ومقاتلو المليشيات السودانيون دوراً نشطاً في طرفي الصراع الداخلي الذي قسّم ليبيا بعد عام 2011. وعاد كثيرون من المقاتلين السودانيين إلى السودان في السنوات الأخيرة، مما ساهم في تأجيج التوترات في إقليم دارفور بغرب السودان، حيث احتدم صراع آخر منذ سنوات واستمر القتال حتى بعد التوصل إلى اتفاق مع بعض الجماعات المتمردة في عام 2020. وأصبح السودان نقطة انطلاق وطريق عبور للمهاجرين الذين يسعون للتوجه إلى أوروبا عبر ليبيا، حيث استغل المهربون الصراع والاضطرابات السياسية لمصلحتهم. تشاد تقول الأمم المتحدة إنّه منذ بدء أحدث القتال وصل نحو 20 ألف لاجئ سوداني إلى تشاد. وهي ذاتها الدولة الفقيرة جارة السودان الغربية التي وصل إليها في صراعات سابقة نحو 400 ألف نازح سوداني. وتشعر تشاد بالقلق من امتداد الأزمة عبر الحدود إلى المناطق التي تستضيف فيها اللاجئين ومعظمهم من دارفور. وأثناء الصراع في دارفور، تعرضت تشاد لغارات عبر الحدود من المليشيات العربية في السودان التي تعرف باسم الجنجويد، والتي أصبحت قوات الدعم السريع. وهاجم أفراد هذه المليشيات اللاجئين من دارفور والقرويين التشاديين واستولوا على الماشية وقتلوا من قاومهم. وقالت الحكومة التشادية إنها نزعت سلاح كتيبة قوامها 320 جندياً تابعة للقوات شبه العسكرية كانت قد دخلت أراضيها يوم الإثنين. وتشعر تشاد بالقلق من احتمال أنّ يجد المتمردون التشاديون الذين يهددون الحكومة دعماً من مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة الموجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، والتي يعتقد أنّ علاقتها وطيدة بقوات الدعم السريع. وتنفي "فاغنر" أي تورط في السودان. دول الخليج العربية تسعى السعودية والإمارات منذ فترة طويلة إلى التدخل في السودان، واعتبرتا الانتقال من حكم البشير سبيلاً لدحر نفوذ الإسلاميين وتحقيق الاستقرار في المنطقة. وأبرم مستثمرون من البلدين صفقات للاستثمار في مجموعة من المشروعات في مجالات تمتد من مشروعات الزراعة، التي يتمتع فيها السودان بقدرات كامنة هائلة تعتمد على مساحات كبيرة من أراضي الري، إلى مجال مشروعات الطيران والموانئ الاستراتيجية على ساحل البحر الأحمر. جنوب السودان الدولة التي انفصلت عن السودان في عام 2011 بعد حرب أهلية استمرت عقوداً، وتصدر إنتاجها النفطي البالغ 170 ألف برميل يومياً عبر خط أنابيب يمر عبر جارتها الشمالية. ويقول محللون إنّه ليس من مصلحة أي من طرفي الصراع في السودان تعطيل تلك التدفقات، لكن حكومة جنوب السودان قالت هذا الأسبوع إنّ القتال أعاق بالفعل الروابط اللوجستية والنقل بين حقول النفط وبورتسودان. ويستضيف السودان 800 ألف لاجئ من جنوب السودان. وأي عودة جماعية يمكن أنّ تفاقم الضغوط على الجهود المبذولة لتوفير المساعدات الأساسية لأكثر من مليوني نازح في جنوب السودان ممن فروا من ديارهم داخل البلاد بسبب الحرب الأهلية. إثيوبيا هي الدولة ذاتها التي تندلع معها مناوشات على طول المناطق الحدودية المتنازع عليها مع السودان. ويقول محللون إنّ أياً من الجانبين ربما يستغل الاضطرابات في السودان للضغط من أجل تحقيق هدفه. وبعد اندلاع الحرب في منطقة تيغراي بشمال إثيوبيا عام 2020، ثارت توترات بشأن منطقة الفشقة الخصبة المتنازع عليها على الحدود، ودفعت أكثر من 50 ألف لاجئ إثيوبي إلى مناطق فقيرة بالفعل في شرق السودان. وستراقب إثيوبيا أيضاً التطورات في ظلّ التوترات بشأن سد النهضة الذي تبلغ كلفته أربعة مليارات دولار، ويقول السودان إنّه قد يمثل تهديداً لسدوده القائمة على النيل ومواطنيه. إريتريايستضيف السودان أكثر من 134 ألف لاجئ وطالب لجوء من دولة إرتيريا، وهو السبيل الرئيسي للإريتريين الفارين من التجنيد الإجباري في البلاد. وفرّ كثيرون من اللاجئين الإريتريين في شمال إثيوبيا من مخيماتهم أثناء القتال في تيغراي بين عامي 2020 و2022. وقد يتعرض اللاجئون الإريتريون في السودان لمحنة مماثلة إذا تفاقم أي صراع خارج الخرطوم. روسيا القوة التي تسعى منذ فترة طويلة إلى توفير موانئ في مياه دافئة لقواتها البحرية، وهي ذاتها التي أبرمت اتفاقاً مع البشير على أنّ يستضيف السودان قاعدة بحرية لها، وقال قادة عسكريون سودانيون إنّ هذا ما زال قيد المراجعة. ووافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عام 2020 على إقامة منشأة بحرية روسية في السودان تكون قادرة على رسو سفن تعمل بالطاقة النووية. وقال دبلوماسيون غربيون في الخرطوم عام 2022 إنّ مجموعة "فاغنر" الروسية متورطة في أنشطة غير قانونية لتعدين الذهب في السودان، كما أنها تنشر معلومات مضللة. وقبل ذلك بعامين، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركتين تعملان في السودان قالت إنّهما على صلة برئيس المجموعة يفغيني بريغوجن. ونفت المجموعة في بيان يوم 19 إبريل/ نيسان الحالي أنّها تعمل في السودان، وقالت إنّ موظفيها ليسوا هناك منذ أكثر من عامين، وإنّه ليس لها دور في أحدث نوبات القتال. وذكرت أنها ترد على استفسارات وسائل الإعلام الأجنبية التي كان "معظمها مستفز". وفي فبراير/ شباط 2023، اجتمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع مسؤولين في السودان خلال جولة أفريقية أراد بها توسيع نفوذ موسكو، في وقت حاولت فيه الدول الغربية عزل موسكو عن طريق فرض عقوبات عليها بسبب غزوها لأوكرانيا. محور الولايات المتحدة والغرب وهي قوة عبرت عن سعادتها في أكثر من مرة نتيجة التخلص من البشير الذي تتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب أثناء الصراع في دارفور. لكن منتقدين يقولون إنّ واشنطن تلكّأت في دعم الانتقال نحو إجراء انتخابات. وخابت آمال السودانيين في تحقيق الديمقراطية حين قام البرهان وحميدتي بانقلاب في عام 2021. ومن المتوقع أنّ تعرقل أحدث نوبات القتال أي عودة سريعة للحكم المدني مع غياب إبداء أي من الخصمين في الخرطوم أي استعداد للتسوية. (رويترز)
مشاركة :