لم يحظ المخرج ريدلي سكوت بأية جائزة أوسكار حتى الآن، وإن كان رُشح أربع مرات أولاها سنة 1991عن فيلمه الجيد ثلما ولويس، وأحدثها هذا العام عن فيلمه الخيالي- العلمي المريخي. ورغم ذلك، فإن حياته لا تخلو من الجوائز الأخرى، إذ نال نحو 30 جائزة متنوعة من أكاديميات أخرى، بينها أكاديمية فنون السينما والتلفزيون البريطانية المسماة ب بافتا، وأكاديمية أفلام الخيال العلمي في أمريكا، والعديد من جوائز النقاد، وذلك منذ أن بدأ العمل مع شقيقه الراحل توني سكوت في الولايات المتحدة وهو الآتي مهاجراً من بريطانيا. وُلد ريدلي سكوت في ساوث شيلدز في بريطانيا بتاريخ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1937. منذ طفولته، كما يقول من كتب عن سيرته، أبدى اهتماماً بالفنون. في سن الحادية عشرة كان ملازماً لوالدته التي كانت تحب الأفلام. كانت تصحبه معها إلى كل فيلم تريد مشاهدته، في حين أن والده العسكري كان منصرفاً لشؤون الخدمة وقليلاً ما وجد الوقت للاشتراك معهما في ارتياد صالات السينما. على الرغم من ذلك، فإنه عندما حان الوقت لاختيار الوجهة التي سيقصدها ريدلي، وقد بات شاباً في التاسعة عشرة من العمر، اقترح عليه والده الذي نصحه بعدم الانضمام إلى الجندية أو البحرية، كما كان ريدلي ينوي، الالتحاق بمعهد فني. بناء على هذا التوجيه، التحق ريدلي سكوت بمعهدين متوالين ليدرس فن التصميم الغرافيكي وكان أول عمل له في مؤسسة بي بي سي كمصمم حالما تخرج فيالمعهد الملكي للفنون. طموح ريدلي سكوت لم يكن في التصميم، بل في الإخراج وأقنع المؤسسة العريقة بإتاحة المجال له ليدرس الإخراج، ثم، بعد تخرجه، العمل في محطتها التلفزيونية على عدة مسلسلات وبرامج كان أشهرها برنامج من الستينات من القرن الماضي بعنوان Z Cars وكان من النوع البوليسي. حين هاجر سكوت إلى هوليوود محملاً بالطموحات جاء دارساً لما يستطيع أن يقوم به وسريعاً ما اشترك وأخاه بتأسيس إمبراطورية صغيرة لصنع الأفلام شملت تحقيق مئات أفلام الإعلانات وإنتاج وإخراج مئات أخرى من الأفلام الروائية الطويلة. تحت إبطه الآن 154 فيلماً كمنتج و40 فيلماً كمخرج، والمريخي الذي تقع معظم أحداثه على سطح ذلك الكوكب، أحدثها. عن الأوسكار وأعماله وأبرز محطاته ورؤاه الفنية يدور هذا الحوار مع ريدلي سكوت. } ماذا يعني الأوسكار بالنسبة إليك؟ - الأوسكار تقدير لجهد يراه المانحون مميزاً ويستحق التكريم، لكن هذا أيضاً حال كل الجوائز، لأنها تتويج لتقييم المخرج أو عمله الماثل أمام المقترعين. الأوسكار، كما تعلم، أكبر هذه الجوائز من حيث أهميتها وحجمها المعنوي، لذلك ترشيح المخرج لها مدعاة لاعتزازه. وأنا رُشحت عدة مرات وفي كل مرة كان ذلك يجلب السرور لي. طبعاً سيكون السرور مضاعفاً هذا العام إذا ما فزت. } وإذا لم تفز؟ - أبارك لمن يفوز بها. هذه ليست مشكلة كبيرة. أنت لا تفوز بأي من هذه الجوائز، لأن الفوز بها يعني الاستمرار، بل أنت مستمر، لأن هذا قرارك وعملك الذي تزاوله. كثير من الذين فازوا ب الأوسكار نجدهم غائبين اليوم عن العمل. آخرون يواصلون وهناك من لا يفز على كثرة المرات التي رشح فيها : خمس أو ست مرات أو أكثر. هذا لا يشغلني. } هل تعتبر المريخي من بين أصعب ما أنجزت؟ - لا. كل فيلم هو صعب وربما بروميثيوس قبل أربعة أعوام كان أصعب في بعض جوانبه، ففيه عمدنا إلى تأسيس مخلوقات خيالية، لكن المريخي يختلف، هذا ليس فيلم رعب ضمن النوع الخيالي- العلمي، بل فيلم خيالي- علمي صاف. رجل يجد نفسه وحيداً فوق سطح المريخ وعليه أن يتكيف ليعيش. } فكرة هذا الفيلم مثيرة. رجل وحده فوق سطح المريخ. قرأت أنك عملت مع وكالة ناسا على نحو وثيق. - كان لابد من ذلك. الفيلم يعتمد على الكثير من الحقائق العلمية ولم يكن مستساغاً لي أن أعمد إلى الخيال أكثر مما فعلت. أقصد أن مجرد وجود رجل حي فوق سطح المريخ ينتظر إنقاذه هو خيال. كيف يمكن أن تجعل هذا الخيال احتمالاً ممكناً؟ هنا تدخل أهمية العلاقة مع العلم الذي وفرته وكالة ناسا. أعتقد أن المريخي نموذج جيد جداً لعمل متجانس بين الخيال والعلم. ليس مجرد رحلة إلى الفضاء ومغامرة تشويقية. هو أكثر من ذلك. } ذكرت لي، في لقاء سابق، أنك لا تحبذ وضعك في خانة مخرج لأفلام معينة، لكن هل هناك مهرب من ذلك مع تعدد أفلام الخيال العلمي التي تحققها؟ - أحب الأفلام بصرف النظر عن اتجاهاتها بقدر ما أستاء من التصنيف الذي يتضمنه مثل هذا السؤال. نعم هناك مخرجون كثيرون تخصصوا بنجاح: جون فورد في سينما ال وسترن، هيتشكوك في سينما التشويق، لكني من الذين ينجزون أفلاماً مختلفة. نعم طابعها الجامع تشويقي وحركة، لكنها جميعاً سينما مفتوحة على أنواع مختلفة لا حدود لها. هذا اختياري الخاص. وأنت حر في تصنيفي كمخرج أفلام خيال علمي لكن بذلك تخرج عن الواقع لأني حققت أفلاماً من أنواع مختلفة. } لكن أفلامك الأعلى شهرة من سواها قد تكون من هذا النوع، بلايد رانر وغريب وبروميثيوس والآن المريخي. - صحيح. ما قلته لا يتناقض مع ما تقوله، إنما هو محاولة مني للابتعاد عن التصنيف على أساس النوع الواحد. } أفلامك، وأقصد كل أفلامك، عادة من بطولة رجالية، لكنك منحت المرأة بطولات متعددة في أفلام تشويقية بدءاً بفيلم ثلما ولويس مع جودي ديفيز وسوزان ساراندون ولاحقاً قيل إن سيناريو فيلم غريب (Alien) كان كتب لبطولة رجالية لكنك حولته إلى بطولة نسائية، هل هذا صحيح؟ - نعم صحيح. الذي حدث هو أن السيناريو الأول تضمن أسماء مثل دالاس وريبلي وباركر، وهذه وحدها لا تشير إلى على جنس الممثل، ذكر أو أنثى. الدور الذي لعبته سيغورني ويفر كان مكتوباً على أساس أنه رجل. اخترت أن أعطيه لامرأة من دون تغيير الاسم لأنه لم يكن متوفراً في سينما هذا النوع أفلام من بطولة نسائية. بدا لنا ذلك منطقياً أكثر وجديداً. } هل تجد المرأة القوية عنصر جذب للمشاهدين؟ - أعتقد ذلك. على الأقل في الأحوال التي أشرفت فيها على منح المرأة قدرتها على الصمود في وجه التحديات. } فيلم بلايد رانر الذي قام هاريسون فورد ببطولته تعرض لمشاكل كثيرة خلال التصوير، لكنه أحد أفضل أفلامك إلى اليوم. - كانت هناك خلافات في العمل. هاريسون لم يكن مرتاحاً خلال التصوير. أعتقد أنه كان يطمح لتقديم شخصية كثيرة المغامرات، شيء مثل إنديانا جونز مثلاً (يضحك) لكني كنت أريد له، أو لأي ممثل يلعب هذا الدور، أن يجسد شخصية أكثر واقعية ولو أن الفيلم خيالي بالطبع. كانت له وجهة نظر لم أستطع الانسجام معها. في النهاية أنا المخرج. لكني أعتقد أنه غير رأيه فيما بعد. لم يعد يقول إن بلايد رانر هو أسوأ تجربة مر بها. } كيف تنظر إلى ما يمر به العالم من أحداث اليوم؟ - أنظر بأسف طبعاً، لكن ما يمر به اليوم هو أيضاً ما مر به بالأمس. أقصد أن أقول إننا اليوم هنا، وهنا هي أي مكان وأي ظرف تريد، لأننا سرنا في دروب أوصلتنا إلى هذا الحاضر. ما يقع في منطقتكم الآن هو جزء من رحلة طويلة اشترك بها الجميع. العالم بأسره متورط بكل رحلة تؤدي إلى قلاقل وحروب، لأن هناك رغبات كثيرة تتوالد عند الكثير من الأطراف وعندما تقع حرب ما أينما كانت يكثر الذين يريدون الاستفادة منها على نحو أو آخر. } من هو أعنف من الآخر؟ الواقع أو السينما؟ - الواقع بلا جدال. لا مجال للمقارنة. ما تراه على الشاشة تعرف أنه خيالي لا يقع. تستطيع أن تترك الفيلم وتخرج منه وتستقبل حياتك الحقيقية. العنف الذي يقع في تلك الحياة لا يمكن الخروج منه. في السينما هناك ممثل يسقط قتيلاً. ينهض بعد التصوير ويكمل حياته. في الواقع من يسقط قتيلاً لا ينهض بعد ذلك مطلقاً. } الأفلام التي حققتها منذ بلاك هوك داون تتناول قضايا سياسية، هو مثلاً عن أحداث حقيقية وقعت في الصومال. مملكة السماء حول الحملة الصليبية، وبعده كيان من الأكاذيب حول ال سي آي إيه وملاحقة الإرهابيين وأخيراً هجرة: آلهة وملوك حول الدين والصراع بين طائفتين. ما هو عنصر الجذب هنا؟ - ما تذكره صحيح، لكنه حالات لا يمكن جمعها تحت عنوان واحد. ذكرت هجرة: آلهة وملوك، وهذا أمر جيد، لأن السائد بين النقاد أنه فيلم ديني وهو أكثر من ذلك. إنه فيلم يلقي نظرة على أسباب أخرى للصراع باسم الدين. لقد كتب كثيرون أنه فيلم ديني لكني لا أعتقد ذلك. } هل تعتبره فيلماً سياسياً إذاً؟ - هذا أقرب إلى الفيلم من القول إنه فيلم ديني. لم أكن في وارد تحقيق فيلم عن النبي موسى ولا أن أتحدث عن رسالته الدينية، ولا أعتقد أنني فعلت ذلك. ما قررت القيام به هو استخدام ذلك الصراع بين طرفين متحاربين للإيعاز بأن الحروب كلها تتمحور حول أسباب أخرى غير الدين ولو أنها تتمسح بالأديان كثيراً.
مشاركة :