لطالما اشتهرت بحيرة بريسبا الموجودة منذ آلاف الأعوام في جنوب شرق أوروبا بمياهها النقية العذبة، لكنها اليوم تتقلص على نحو منذر تحت وطأة تغير المناخ والتلوث والاستخدام الجائر. تقع بحيرة بريسبا على الحدود بين ألبانيا ومقدونيا الشمالية واليونان، وهي من أقدم بحيرات أوروبا وتعد موئلا لآلاف الأنواع النباتية والحيوانية التي تعتمد على مياهها ونظامها البيئي. لكن ارتفاع درجات حرارة الأرض أدى إلى انخفاض معدل المتساقطات، ما تسبب في جفاف الأنهار والجداول التي تصب فيها، وفقا لـ"الفرنسية". وتسبب انخفاض معدل هطول الأمطار وتساقط الثلوج في تقلص البحيرة التي انحسرت ضفافها في بعض الأماكن حتى مسافة ثلاثة كيلومترات، وفقا لحراس مسؤولين عن مراقبة منطقة محمية أنشأتها مقدونيا الشمالية. وقال جوران ستويانوفسكي أحد الحراس "38 عاما" الذي يمارس عمله منذ عشرة أعوام "في السابق، كان يتساقط كثير من الثلوج ويصل ارتفاعها إلى متر أو متر ونصف، لكن في الأعوام الأخيرة، أصبح تساقطها شبه معدوم". ويؤكد المختصون الاتجاه الذي يلاحظه السكان من جيل إلى آخر ويوضحون بالتفصيل الطرق المتعددة التي يؤدي بها تغير المناخ إلى تقلص البحيرة. وبحسب دراسة استشهدت بها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، فقدت بحيرة بريسبا 7 في المائة من مساحتها ونصف حجمها بين عامي 1984 و2020، أي في نحو 38 عاما. وأوضح سباسي شومكا الأستاذ في جامعة تيرانا الزراعية في ألبانيا أن "التغيرات في مستويات البحيرة مرتبطة بالتغير المناخي". ومن بين أمور أخرى، يذكر ارتفاع درجات الحرارة الذي يزيد من تبخر المياه وانخفاض معدل المتساقطات السنوية واستخدام المياه في الزراعة. وقال شومكا "نظرا إلى موقع البحيرة، فإن الحل الوحيد هو العمل المشترك بين سلطات مقدونيا الشمالية وألبانيا واليونان". ويؤدي التلوث في الجريان السطحي الزراعي من البساتين المجاورة إلى تفاقم المشكلة، من خلال ظاهرة التخثث التي تعزز نمو الطحالب وتؤدي إلى إفقار النظام البيئي المائي. وأوضح زلاتكو ليفكوف عالم الأحياء الجامعي في سكوبيي أن "البحيرة تعاني التلوث الكثيف منذ عقود، بكل بساطة قد يتغير موطن عديد من الأنواع وينخفض عددها ومن المحتمل أن تنقرض". وتختلف الدراسات حول عمر البحيرة، إذ يقول بعض العلماء "إنها تشكلت قبل مليون عام"، فيما يقول آخرون "إنها تعود إلى خمسة ملايين عام". وتعد هذه البحيرة مع محيطها موطنا لنحو ألفي نوع من الأسماك والطيور والثدييات والنباتات. يدعو الناشطون البيئيون المزارعين إلى بدء الزراعة العضوية، فيما يطالبون السلطات بالاستثمار في السياحة المستدامة. وقالت ماريا إفتيموفسكا عالمة البيئة "42 عاما"، "نريد الحفاظ على جمال بريسبا مع الاستمرار في الاستفادة منها". ويحذر الخبراء من أن تدهورا إضافيا لبريسبا قد يكون كارثيا على النظام البيئي المحلي، لكن أيضا على بحيرة أوهريد المجاورة التي تقع على مسافة عشرة كيلومترات إلى الغرب، إذا نظرنا إلى موقعها على ارتفاع منخفض، تعتمد هذه البحيرة جزئيا على المياه الجوفية لبحيرة بريسبا للحفاظ على مستوياتها. وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يستخدم المزارعون المحليون نحو 65 طنا من المبيدات الحشرية كل عام، وتتأثر بريسبا مباشرة بالجريان السطحي للمواد الكيميائية. وتستخدم هذه المبيدات والأسمدة على نطاق واسع في بساتين التفاح الموجودة بكثرة في المنطقة الواقعة في مقدونيا الشمالية التي تمثل نحو 70 في المائة من النشاط الاقتصادي المحلي. وأوضح تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن "التخلص من النفايات القابلة للتحلل والإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية في المنطقة يتسبب في النمو السريع للطحالب والنباتات الغازية الأخرى التي تعرض الأنواع المتوطنة للخطر". وأطلقت عديد من المبادرات من أجل تحسين إدارة القطاع الزراعي، إذ تم بناء ثماني محطات أرصاد جوية تجمع بيانات من شأنها تزويد المزارعين بمعلومات أفضل حول وقت رش المبيدات، ما أسهم في تقليل استخدامها بنسبة 30 في المائة. وقالت فروسينا جيورجييفسكا، وهي مزارعة تبلغ 56 عاما وتعيش في بلدة ريسين في مقدونيا الشمالية "مع خفض استخدامنا للمبيدات نحصل على فوائد اقتصادية أكثر ونحسن حماية البيئة". لكن المختصين يعتقدون أنه يجب بذل مزيد من الجهود لحماية البحيرة وبدء تنفيذ اتفاقات وقعتها مقدونيا الشمالية واليونان وألبانيا في 2012 بشكل أفضل.
مشاركة :