--> يتعرض رئيس الوزراء التركي اردوغان لضغوط داخلية وخارجية، تمثلها حركة كولن الاجتماعية، والتي استطاعت خلال سنوات طويلة القبض بيديها على الشارع الاسلامي التركي، ولأنها انتهجت اسلوبا تربويا ومؤسساتيا، وخدميا، فقد استطاعت ان تصبح مصدر قوة، لم يتمكن اردوغان من مواجهتها، بل تصالح معها، خاصة وانها تقترت من التيار الصوفي التركي وتقترب من البيئة العلوية، ولأنها ذات جذور اجتماعية فقد انتجت مع الوقت رموزاً ونخباً لها في مختلف المؤسسات، فيما يقبع زعيمها بعيدا في امريكا. اليوم كما يقال يتجرع اردوغان من ذات الكأس، فعندما غضب مما جرى في مصر، وتدخل في الشأن الداخلي المصري، كان مبرر موقفه انه مضطر لرفض اي انقلاب عسكري، حتى يقطع الطريق على العسكر الاتراك، كما ان اردوغان وكما يبدو كان يتوقع سيطرة (الاخوان المسلمون) على السلطة في غالبية الدول العربية، وان تكون جسرا لعلاقة من نوع اخر مع تركيا، لكن اليوم اردوغان يواجه الشارع ويواجه حركة تكاد تفسد عليه مستقبله، وفقا لما توقعت تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية للعام 2014. فقد كان اردوغان يتأمل ارساء قواعد الاخوان في كل مكان؛ ليبني على اكتافهم بيت الخلافة، وبالمقاسات التركية والعثمانية الجديدة، فوزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو، أكد للصحافة الاجنبية، أن المقاس التركي اصبح واسعا اليوم، وان ملابسها القديمة لم تعد صالحة لها، وان الدول والامبراطوريات تبني علاقاتها مع العالم على اسس ثقافية وسياسية وان تركيا تبني علاقاتها على اسس ثقافية وتاريخية ما زال بعضها قائما، فيما ظل المشروع العثماني على صراع والمشروع الفارسي لكن وعلى ما يبدو ان هذه المشاريع لن تجد مكانا لائقا بها الا متحف التاريخ. كان الاجدر بأنقرة ان تدرك ان المتغيرات ليست حولها فقط، وانما قد تطالها ايضا، وان الدوران السياسي ليس محمود الجانب دائما، وان الديموقراطية في بعض مظاهرها التدخل الخارجي، وهو ما دفع برئيس الوزراء التركي للتأكيد ان هناك من يتدخلون في الشأن التركي، وكانت هناك رسالة موجهة للسفير الامريكي في انقرة، لكنه يحجم هذه المرة عن القول ان أيادي خفية اخرى لها ذات اليد وان كانت ذات ملمس ناعم. هناك احاديث في انقرة حول حالة من عدم الرضا الامريكي على سياسة رئيس الوزراء اردوغان، وهناك حديث عن اختلاف في وجهات النظر بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية عبد الله غل، وهناك حديث عن توافق امريكي ايراني على اضعاف مركزية انقرة واردوغان تحديدا، وان عدم الرضا الامريكي هذا، دفع بانقرة لفتح خطوط اتصال مع الصين وطلب التعاون العسكري معها، الامر الذي لاقى عدم الترحيب من البيت الابيض، والانفتاح السياسي والاقتصادي والامني على ايران، وطلب الانفتاح على العراق، وتأنيب الضمير عما حدث في علاقته مع سوريا، وطهران تدرك ان اردوغان ما استدار الا بعد ان استشعر الخطر، وقرر اجراء تحول استراتيجي في علاقاته، لمعادلة الضغوط الداخلية التي ترتفع اسهمها بعد وقت. رئيس الوزراء التركي يواجه عواصف داخلية، وبخاصة الحديث عن الفساد بين الوزراء ما قد يضطره لأجراء تعديل وزاري موسع خلال الايام القادمة، خاصة بعد طرد مجموعة كبيرة من قيادة الشرطة على خلفية تهم بالفساد لأبناء الوزراء لكن الحقيقة تدور حول احد البنوك التركية الذي تعامل سرا مع ايران، وقام بعمليات نقل للأموال الايرانية وسط تحذيرات امريكية واوروبية، والملفت ان هذه الزوبعة تأتي في توقيت قاتل لحزب العدالة والتنمية ولأردوغان كونها تأتي قبل اربعة اشهر عن الانتخابات البلدية، في ظل اتهامات من قوى سياسية علمانية لأردوغان بانه نزح باتجاه اسلمة المجتمع والمؤسسات التركية، وقام بتعزيز سلطاته التي ستتعزز ايضا حال وصل سدة الرئاسة التركية. حكومة اردوغان دخلت في مواجهة كبيرة مع حركة كولن في المدارس الخاصة بها، وبيوت الطلاب واتهامها بالاختلاط، ولكن ذلك لم يردع الشرطة ولا الجهاز القضائي من ملاحقة اكثر من 25 شخصية من بينهم ابنا وزيري الداخلية عمر غولر والاقتصاد ظافر تشاغليان ورئيس مجلس ادارة مصرف (هالك بنكاسي) العام سليمان اصلان ورجل الاعمال المتحدر من اذربيجان رضا زراب. الدرس التركي يؤكد على ان القرارات العاجلة والمتسرعة قد تدفع اي حكومة ثمنا باهظا لها، وان الدوران السياسي قد يصيب بالدوار الداخلي، وان العلاقات المتوازنة مع الدول ضرورة استراتيجية، ومع ذلك تبقى المملكة تنظر لتركيا باعتبارها قامة استراتيجية واقليمية، وتتطلع لأن تغلب الحكمة على قراراتها، وان لا يؤدي ذلك الى ما توصلت اليه التقديرات الاسرائيلية من فوضى لا تخدم المنطقة، فتركيا مهمة للأمن والسلام الدولي والاقليمي، والمملكة حريصة كل الحرص على دعم مكانتها وتعزيز العلاقة معها. التعليم .. الرهان الحضاري حينما يقتطع التعليم ما يقارب من ربع الميزانية، وعلى مدى سنوات متتالية، فهذا لا يعني سوى شيء واحد، وهو أن التعليم ما عاد مجرد خدمة تقدمها الدولة لمواطنيها، وإنما هو ذلك الرهان الحضاري الذي قاد ولا يزال يقود به زعيم الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - وطنه وأمته إلى آفاق مستقبلها وغدها المشرق بإذن الله. نحن نرى أينما ولينا أنظارنا كيف تغدق الكثير من الدول على قضايا التسليح والعسكرة، وحجم ما تنفقه تلك الدول من مقدرات شعوبها على بناء ترساناتها وملء مخازنها بما تنتجه مصانع السلاح، وربما على حساب أبسط الحقوق من الخدمات، في الوقت الذي يواصل فيه قائد المسيرة - رعاه الله - تبني صناعة الإنسان مرة بنشر الجامعات لتشمل كافة أرجاء الوطن، وأخرى بتعزيز برامج الابتعاث المتتالية، وثالثة بدعم مسيرة التربية والتعليم، والعناية به كأهم صيغة حضارية لبناء الإنسان، وبناء الحضارة. وتخصيص ما يزيد على ربع ميزانية الدولة لصالح قطاع التربية والتعليم، ما هو إلا إشارة واضحة على هذا التوجه الحضاري الذي يريد أن يستثمر في بناء العقول، وفي بناء المستقبل الذي يؤسس للحضارة الحقيقية التي تستمد قوتها ليس من خلال ما تمتلكه من أدوات القتل والدمار، وإنما مما تمتلكه من أدوات الوعي والبناء، وصناعة السلام والأمن بمختلف حقوله ومسمياته. إنه الرهان الذي سيستعجل لهذا الوطن بمشيئة الله شروق شمس العلم والمعرفة، وسيضعنا في مصاف الدول التي تبني لأجيالها المتلاحقة أجمل غد يحلم به الإنسان. مقالات سابقة: كلمة اليوم القراءات: 4
مشاركة :