يقف الاقتصاد العالمي الآن على بعد خطوات من تهديد جديد قد يعصف باستقراره الهش. فنظرة سريعة على بيانات الديون السيادية العالمية كفيلة بأن تكشف عمق هذا التهديد وخطورة تداعياته المحتملة، فالديون السيادية الدولية لا تتفاقم كميًا فقط، رغم بلوغها أرقامًا فلكية وفق أحدث الإحصاءات الدولية المتاحة؛ إذ هناك تفاقم من نوع آخر يحدث حاليًا في نوعيتها وآجال استحقاقها وخريطة انتشارها عالميًا، لتضيف هذه الديون مزيدًا من الضعف إلى الاستقرار الاقتصادي العالمي الهش بطبيعته الراهنة. ولم تعد أزمة الديون السيادية مهددًا رئيسيًا للاقتصادات النامية المثقلة بالديون الداخلية والخارجية فحسب، كما كان الحال دائمًا في الماضي، لكن التهديد الأكثر إلحاحًا هذه الأيام يأتي من الديون السيادية للاقتصادات المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. ويكفي هنا فقط الإشارة إلى أنه رغم وصول الديون السيادية الأميركية لنحو 31.4 تريليون دولار حاليًا، فإن المداولات تجري حاليًا لرفع سقف هذه الديون بمقدار 1.5 تريليون دولار مع تخفيض الإنفاق الجاري الحكومي، في محاولة أخيرة لدرء خطر تخلف الولايات المتحدة عن خدمة ديونها. وحتى لو استطاع الاقتصاد الأميركي السيطرة على أزمة ديونه السيادية لمنع شبح أزمة دولية جديدة، وبافتراض قدرة الدول المتقدمة على التكيف المؤقت مع جبال شاهقة من الديون، كما هو المتوقع من الديون السيادية للاقتصاد الياباني البالغة 9.7 تريليون دولار؛ فإنه على الشاطئ الآخر من الأطلسي، تقف دول أفريقية وآسيوية عديدة بالقرب من الجزر اليابانية، في مهب الريح، لتطول بذلك قائمة الدول النامية المتعثرة في محيط واسع من الديون السيادية. ولعل توسع الصين في إقراض الدول النامية خلال العقود القليلة الماضية قد أضاف متغيرات جديدة لأزمة الديون السيادية الدولية؛ فمن ناحية، قلل التركز الجغرافي في هيكل مديونية الدول النامية لصالح الدول الغربية، ومن ناحية ثانية أدخل الصين كلاعب رئيسي في سوق الديون العالمية، لتزداد على أثر ذلك محفزات الهشاشة المالية العالمية، وتزداد في الوقت نفسه حدة الاستقطاب داخل سوق الديون العالمية بين الدول الغربية والمنظمات الدولية من ناحية والصين من ناحية أخرى. إن الخبر الجيد في هذا السياق هو تمكّن قطاع البنوك الدولي من استيعاب أزمة مفاجئة كادت تودي بالاستقرار العالمي وتصيبه في مقتل؛ وهو ما يعني مرونة إضافية اكتسبها النظام النقدي والمالي الدولي في مواجهة الأزمات الطارئة. لكن تظل المعضلة القائمة داخل هذا النظام متمثلة في كيفية التعامل مع أزمة ديون سيادية تتفاقم باستمرار ولا يتحمل شرورها سوى الدول الأثقل مديونية والأكثر حاجة إلى الدعم والمساندة. فهل ستنجح برامج المنظمات الدولية بقيادة البنك والصندوق الدوليين في حشد الجهود العالمية لتخفيف عبء الديون عن كاهل هذه الدول؟ فمن دون ذلك، سيظل الاتجاه الصعودي هو المهيمن على مؤشرات الديون السيادية؛ لتزداد معه مخاطر الهشاشة الاقتصادية العالمية. *باحثة اقتصادية- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.
مشاركة :