تواجه أوكرانيا التي تجد صعوبة في مكافحة الفساد المستشري بشكل خطير، ضغوطا غير مسبوقة من قبل حلفائها الغربيين لمضاعفة جهودها والاستمرار في الحصول على دعمهم الذي لا بد منه لتجنب العودة إلى الفوضى السياسية والاقتصادية. وبحسب "الفرنسية"، فقد تلقت السلطات الموالية للغرب في كييف التي تواجه انقسامات متزايدة لمواجهة الفساد علنا، "إنذارا" يتسم بلهجة حازمة غير معهودة من صندوق النقد الدولي، الجهة الدائنة الأساسية لأوكرانيا، عندما هددت كريستين لاجارد مديرة الصندوق بقطع أموال هذه الهيئة ما لم تبذل كييف "جهودا جديدة كبيرة" في مجال الإصلاحات ومكافحة الفساد. وأضافت لاجارد أن أوكرانيا حققت تقدما بطيئا في محاربة الفساد وتقليل نفوذ أصحاب المصالح الراسخة على عملية صناعة السياسة، مشيدة في الوقت ذاته باستقالة وزير الاقتصاد الأوكراني قائلة: إنه أجرى بعض الإصلاحات الجيدة والقوية، بما في ذلك تبني إجراءات لتشجيع الاستثمار المباشر في البلاد. وتراجعت العملة الأوكرانية بسرعة بعد ذلك بينما امتنع المستثمرون عن الاقتراب من الدين العام الأوكراني، وفي أوج هذه التطورات، عبر جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي عن قلقه، ففي اتصال هاتفي مع الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، دعا بايدن الائتلاف الحاكم إلى استعادة وحدته بسرعة للدفع قدما بالإصلاحات التي يطلبها الصندوق الذي يعد دعمه أساسيا لأوكرانيا حاليا. وتواجه أوكرانيا أزمة اقتصادية خطيرة ونزاعا مسلحا مع الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق البلاد، فيما دعا الاتحاد الأوروبي السلطات الأوكرانية وكل الأحزاب السياسية إلى الاتحاد من أجل ضمان استمرار الإصلاحات. ويبدو أن حلفاء كييف بدأ صبرهم ينفد لأن السلطات الأوكرانية التي أنشئت قبل سنتين تقريبا وحلت محل النظام الموالي لموسكو بعد تظاهرات احتجاجية مطالبة بالتقارب مع أوروبا في ساحة الاستقلال، تواجه صعوبات في تحقيق وعودها. وتمكنت كييف من إحلال هدوء نسبي في الشرق ومن إعادة التفاوض حول دينها الخارجي وتأمين استقرار اقتصادها الذي تدل إشارات على انتعاشه إلى حد ما بعد سنتين من الركود. وبدأت السلطات بعض الإصلاحات لكنها تعتبر غير كافية داخل البلاد وخارجها على حد سواء، والأمر الأساسي هو أن الفساد مستمر، وقد انفجر الوضع مطلع الشهر الجاري عندما قدم إيفاراس إبرومافيسيوس وزير الاقتصاد الذي يلقى احتراما كبيرا في أوساط المال والسفارات الغربية، استقالته متهما أحد المقربين من الرئيس بوروشنكو بعرقلة الإصلاحات ومحاولة فرض شخصيات مثيرة للشبهات في فريقه. وتوجهت الأنظار على الفور إلى رئيس الدولة ورئيس الوزراء آرسيني ياتسينيوك اللذين يشتبه معارضوهما بأنهما يدافعان عن المصالح الخاصة للشخصيات القريبة منهما، ولم تؤد الخلافات بينهما سوى إلى تفاقم المشاكل القائمة أصلا. ويبدو أن تأكيداتهما بشأن وحدة القيادة الأوكرانية ومواصلة الإصلاحات لم تعد تقنع كثيرين، وكتب سيرجي ليشتشنكو النائب الشاب الموالي للغرب على صفحته على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، إنه لا أحد يريد الاستماع إلى قصص الخيال التي يرويانها. والأسبوع الماضي، كتبت صحيفة "كييف بوست" التي تصدر بالإنجليزية في افتتاحيتها "لا إصلاحات، لا مساعدات"، داعية الغربيين إلى عدم تقديم أي شيء إلى كييف إلى أن يعمل القادة الأوكرانيون في إطار المصالح الوطنية. ويرى محللون أن قطع المساعدة الغربية سيكلف البلاد ثمنا باهظا، فتجميد قروض صندوق النقد الدولي سيؤدي إلى توقف كل البرنامج الدولي المخصص لأوكرانيا، أي عشرة مليارات دولار لهذه السنة وحدها، كما تقول مجموعة "فوكس-أوكرانيا" التي تضم مختصين اقتصاديين، والتي وصفت إنذار لاجارد "بالعار". وستكون العواقب كبيرة، من تراجع قيمة العملة التي خسرت أصلا ثلثي قيمتها مقابل الدولار خلال سنتين مع ارتفاع نسبة التضخم (43.3 في المائة خلال 2015)، حيث سيؤدى ذلك إلى انخفاض الانهيار الاقتصادي وهروب الاستثمارات الأجنبية. وقال آناتولي أوكيتسيوك من المركز الدولي للدراسات السياسية في كييف أن الحلول المحتملة البديلة لدعم الصندوق ليست مطروحة أصلا لأنها كلها كارثية، فيما أشار مختصون سياسيون معروفون في بيان مشترك إلى أن عدم تحرك السلطات يمكن أن يؤدي إلى انتخابات مبكرة تشريعية وربما رئاسية، ما يعزز حالة البلبلة في البلاد. وينظر الغربيون بشكل إيجابي إلى حكومة تكنوقراط، لكن القادة الأوكرانيين يبدون منقسمين في هذا الشأن، ويصر بوروشنكو على ضرورة إنعاش حكومة ياتسينيوك الذي يهدد بدوره بالاستقالة في حال إجراء تعديل حكومي، لكن البرلمان يمكن أن يقيل الحكومة في الأيام المقبلة عند تقديم تقريرها السنوي.
مشاركة :