تؤدي التقنية المالية إلى زيادة المنافسة بين البنوك وشركات التقنية المالية، حيث يمكن للشركات في هذا المجال تقديم خدمات مالية أسرع وأرخص وأكثر فاعلية من البنوك التقليدية، لأن لديها لوائح أقل وهيكلا تنظيميا مرنا، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تقليل حصة البنوك في السوق. كما أن استخدام التقنية المالية قد يؤدي إلى زيادة مستوى المعرفة المالية لدى الأفراد والشركات، ما يمكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات المالية والاستثمارات، وبالتالي تغيير الطريقة التي تعمل بها البنوك التقليدية. من المتوقع أن تنمو سوق التقنية المالية العالمية بمعدل مركب سنوي 20 في المائة، والقيمة السوقية 305 مليارات دولار بحلول 2025، ولهذا يمكن القول إن التقنية المالية تمثل تحديا حقيقيا للبنوك التقليدية، لذا يجب على البنوك التقليدية مواكبة التطورات، وتحويل أنظمتها وخدماتها إلى الرقمية، والتركيز على تقديم خدمات مالية مبتكرة للحفاظ على مكانتها في السوق المالية. من ناحية أخرى، قد تتسبب التقنية المالية في زيادة المخاطر المالية، حيث يمكن للمستخدمين الأقل خبرة الوقوع ضحية للعروض الاحتيالية والاستثمارات العشوائية، وقد يؤدي الخلل التقني أو الهجمات الإلكترونية إلى خسائر مالية كبيرة. كما أن التقنية المالية قد تتسبب في تقليل عدد فرص العمل في بعض القطاعات التقليدية، مثل البنوك وشركات التأمين، حيث يتم استبدال بعض الوظائف بالحلول التقنية. أما من الناحية الاقتصادية، فتؤدي إلى توفير مزيد من الفرص الاستثمارية وتحسن من توزيع الثروات في المجتمع بدلا من تكدسها في أرصدة كبار المصرفيين. بمعنى آخر، دفع كبار ملاك الفوائض المالية الذين لا يبذلون جهدا في الإنتاج إلى الاستثمار في تكنولوجيا المال من أجل البقاء في القطاع المالي المريح والمربح دائما. كما أن التقنية المالية تساعد على تحسن الشفافية في القطاع المالي وتوفر بيانات محدثة على الأسعار والمعاملات والمنتجات المالية، وتعد مفيدة لصناع السياسات النقدية في تحديد أسعار الفائدة عالميا بناء على الأسواق والتعاملات الفعلية، وهذا يتوافق مع إلغاء أسعار الفائدة في لندن "الليبور LIBOR" والقائم سابقا على التقديرات، ولمزيد من ذلك يمكن الرجوع إلى مقالة كتبتها بعنوان، "لماذا يبتعد العالم عن أسعار لندن؟"، في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022. أخيرا، يمكن القول إن التقنية المالية لها فوائدها ومخاطرها، وتعتمد فاعلية استخدامها على درجة الوعي والخبرة المالية للناس، وعلى قدرة الجهات المشرفة على تنظيم القطاع المالي وضمان سلامته وأمانه، ونحن بفضل الله في السعودية نجحنا في إدخال التقنية المالية إلى عمق النظام المالي عبر بيئة تنظيمية معزولة وآمنة Sandbox Regulatory. أما على مستوى ترقية وحوكمة القطاع المالي، فلا أستبعد أن تؤسس الجهات العليا مجلسا للاستقرار المالي مستقلا عن البنك المركزي ووزارة المالية، ويرتبط بمجلس الوزراء تنظيميا، لمراقبة مؤشرات الاستقرار وتحديد التهديدات في القطاع المالي، وتوجيه القروض "الائتمان" إلى القطاعات المنتجة وذات الأولوية.
مشاركة :