نقاط خلافية حدودية بين الصين وماليزيا

  • 4/24/2023
  • 23:25
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن عاد إلى بلاده من زيارته الرسمية الأولى إلى بكين منذ وصوله إلى السلطة في كوالالمبور في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، وهو منتش بحصوله على تعهدات استثمارية من العملاق الصيني بقيمة 39 مليار دولار، قوبل أنور إبراهيم رئيس الحكومة الماليزية باحتجاجات، واتهمه البعض ومن قبل محيي الدين ياسين، سلفه رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالي، بأنه فرط في قضية أراض متنازع عليها، بإغرائه ببعض الاستثمارات، في إشارة إلى عدم إثارة إبراهيم قضية الجزر والمياه المتنازع عليها خلال محادثاته في بكين، وقد جامل الصيني "شي جينبينج" في هذا الجانب، ووصف الأخير بـ"صاحب الرؤية الذي أعطى بصيصا من الأمل إلى العالم والبشرية"، بل واقترح فكرة التنقيب المشترك عن الطاقة في المياه محل النزاع. وسرعان ما جاء الرد من إبراهيم ومعسكره بالقول "إن تصريحات رئيس الوزراء أسيء تفسيرها، وإن المعارضة تستغل قضية جيوسياسية معقدة من أجل تسجيل النقاط وموقف ليس إلا". والحقيقة أن التجاذبات السياسية الداخلية في ماليزيا جعلت قضية العلاقة مع بكين تتصدر النقاشات والمماحكات اليومية، واتخذت من النزاعات البحرية معها موضوعا رئيسا. والمعروف أن ماليزيا كانت من أوائل الدول الإقليمية التي طبعت علاقاتها مع الصين الشيوعية زمن مؤسسها ماو تسي تونج، ثم راحت تتصرف بواقعية حيال نزاعاتها البحرية مع بكين مستخدمة الدبلوماسية الهادئة ورافضة التصعيد، ما جعل شريكاتها في رابطة آسيان، من تلك التي لها النزاعات السيادية نفسها مع بكين، تصفها بوكيلة الصين ومحاميتها في الرابطة، خصوصا في ظل تبني الحكومة الماليزية آنذاك مواقف رافضة للتحالفات العسكرية الغربية في المنطقة. وإذا ما تفحصنا العلاقات الماليزية - الصينية قبل وصول إبراهيم إلى سدة الزعامة، نجد أن كل أسلافه ممن اختلف معهم وناصبهم العداء انتهجوا سياسات مهادنة مع الصين، بل سعوا إلى كسب ود بكين، لأسباب اقتصادية وتجارية واستثمارية، إلى درجة أنهم تبنوا موقفا متناغما مع موقف بكين حيال المشروع الأسترالي - البريطاني - الأمريكي، لتزويد كانبرا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، صفقة AUKUS. فعلى سبيل المثال سجلت التجارة البينية بين البلدين على مدى الأعوام الـ14 الماضية ارتفاعات متتالية حتى بلغت قيمتها نحو 203 مليارات دولار في العام الماضي، وفي ظل الإدارة المضطربة لنجيب رزاق الزعيم الماليزي الأسبق بلغت الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ذروتها، خصوصا مع ترحيب حكومة رزاق بمبادرة الحزام والطريق الصينية وانخراطها فيها بحماس. وبعد عودة مهاتير محمد إلى السلطة في 2018 خلفا لرزاق تعرضت تلك الشراكة لانتكاسة مؤقتة، بسبب مواقف مهاتير الشعبوية المنتقدة لمبادرة الحزام والطريق، لكنها سرعان ما عادت إلى صلابتها بعد أن حصل الزعيم الماليزي العجوز على تطمينات وتنازلات صينية خلال زيارة قام بها إلى بكين. وهكذا يمكن القول إن إبراهيم لم يخرج عن النهج الذي سار عليه أسلافه حيال التعامل مع العملاق الصيني، وحق له أن يتفاخر بأنه تمكن من الحصول على استثمارات صينية مضمونة أعلى بكثير مما حصل عليه زعماء البلاد السابقون، وإن صاحبت إنجازه هذا أقاويل واتهامات، من قبيل أنه يسعى من وراء تقربه من الصين إلى محو الإنطباع الذي تركه غريمه مهاتير في أذهان قطاع من الماليزيين بأنه سياسي موال للغرب. ما لا شك فيه أن إبراهيم يسعى جاهدا إلى إخراج بلاده من تراجعاتها الاقتصادية والمعيشية خلال الأعوام القليلة الماضية، التي تسبب فيها عدم استقرار منظومة الحكم وتداعيات جائحة كورونا، وذلك بالاعتماد على دعم العملاق الصيني. وهو في سعيه هذا يحاول أن يخلد اسمه في تاريخ بلاده كزعيم كفء وصاحب رؤية من بعد أعوام من الاعتقال والمهانة والتهم الكيدية. لكن محاولته هذه تصطدم بوجود نزعة قومية، ولا سيما في صفوف ناخبيه من ذوي العرق الملايوي، رافضة تقديم أي تنازلات للصينيين حول المياه والجزر المتنازع عليها، ومطالبة بأن تواصل حكومة ابراهيم مساعي سابقة لانتزاع حقوق البلاد السيادية على نحو ما تفعله الفلبين وفيتنام. فما تلك المساعي؟ يذكر أن ماليزيا قدمت في أواخر 2019 طلبا إلى لجنة الأمم المتحدة للجرف القاري تطعن فيه بمطالبات بكين بالأجزاء الجنوبية من بحر الصين الجنوبي، بل وصف سيف الدين عبدالله وزير خارجيتها آنذاك المطالب الصينية بأنها بلا سند قانوني، وذهب إلى حد التهديد باللجوء إلى محكمة العدل الدولية على غرار ما فعلته الفلبين. وبعد أشهر من ذلك قامت ماليزيا بأنشطة استكشاف بترولية أحادية في المياه المتنازع عليها من خلال شركة بتروناس المملوكة للدولة، متحدية الصين ومسترشدة بما فعلته فيتنام. وفي 2020 قدمت حكومة إسماعيل صبري يعقوب رئيس الوزراء السابق مذكرة احتجاج للسفير الصيني في كوالالمبور، على وجود أنشطة صينية بحرية قبالة سواحلها في ولايتي صباح وسراواك، متهمة بكين بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982. وفي العام نفسه اتهمت ماليزيا سلاح الجو الصيني بانتهاك مجالها الجوي، معلنة أن علاقاتها الودية مع الصين لا تعني التفريط في سيادة البلاد وأمنها القومي. وكنتيجة لهذه التوترات، قررت ماليزيا في 2021 الانضمام إلى عملية التعاون والتدريب في جنوب شرق آسيا SEACAT بقيادة واشنطن، ثم قامت بمناورات جوية مشتركة مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي. ومن هنا فإن تودد إبراهيم للصين واقتراحه عملية تنقيب مشتركة في مياه يعدها الماليزيون حقا لهم، وضع الرجل في فوهة المدفع.

مشاركة :