حذر الباحث الألماني في علم الاجتماع (هارتموت روزا) قبل أكثر من ثماني سنوات من إصابة المجتمع الحديث بـ«احتراق نفسي جماعي». ومرض «الاحتراق النفسي» هو: «عبارة عن مجموعة أعراض من الإجهاد الذهني والاستنفاد الانفعالي والتبلد الشخصي، والإحساس بعدم الرضا عن الإنجاز الذاتي والأداء المهني، وهو مرحلة يصل إليها الفرد نتيجة زيادة الضغوط إلى الحد الذي يصيبه بالانهيار والإرهاق». وأشار الباحث إلى: تزايد عدد الأشخاص الذين يشعرون حالياً أنهم «يقفون أمام عالم أبكم غير مبالٍ». وأوضح في ثنايا دراسته أن المشكلة تتمثل في أنه غالباً ما يدرك البشر العالم حالياً فقط من خلال أجهزة الحواسيب الآلية والهواتف الذكية. وقال روزا: «إن كل شيء نفعله تقريباً - العمل واللعب والتواصل وربما البحث عن مغامرات - يجري عبر الشاشة». وينصح روزا الباحثين عن العيش حياة طيبة وسعيدة وناجحة، «أن يقللوا من التركيز على تكديس الموارد والممتلكات، ويزيدوا مقابل ذلك من التركيز على جودة العلاقة بهذه الممتلكات». وأكّد روزا أن سعادة الإنسان لا تقاس بالراتب الجيد والمنزل الجميل والأولاد الأصحاء «فربما شعر الإنسان بالإحباط رغم امتلاكه كل هذا، فهذه العناصر لا تعدو كونها موارد». شخصياً اتفق مع ما ذهب إليه الباحث وغيره من الدارسين المتخصصين، الذين انتهوا إلى أنّ الأمراض النفسية ستكون سنة 2035 م هي السبب الأول للوفيات!!، ولكن اختلف معه ومع غيره من الكتّاب الغربيين في مقياس السعادة الذي انتهوا إليه، ويمكن أن أوجز ما أرى أنه جالب للسعادة في نظري بالنقاط الآتية: * العيش كما أراد الله. * النظر للنعم التي ترفل فيها ومن ثم شكر الله عليها، وليس التركيز فقط على النصف الفارغ من الكوب، حيث الإخفاقات والانتكاسات والمرارات والصعوبات التي مرت بك فهذه طبيعية في حياة الناس ما داموا أحياء. * توطين النفس للرضا بالقضاء والقدر الذي هو سنّة من سنن الله التي تجرى على ابن آدم في هذه الدنيا. * معرفة سنن الله في الكون والتعاطي معها كما هي، فالليل لباسٌ والنهار معاشٌ وليس العكس، وفاكهة الصيف تؤكل صيفاً، وثمار الشتاء في وقتها، وبورك لأُمتي في بكورها، وكلما كان الإنسان للطبيعة أقرب فهو جزماً سيكون أسعد، يعرف هذا من اعتاد النوم في البراري وعاش في الصحاري وعشق القمر ومغازلة النجوم، خلاف أولئك القابعين في المباني الأسمنتية، فهي مهما كان جمالها وروعة بنائها، فإنها مع مرور الزمن لا تحقق الراحة النفسية التي ينشدها ويتوق لها الإنسان. * تركيز الجهد على دائرة الممكن لا المرغوب فيه، ما تحت السيطرة وليس ما كان في دائرة الاهتمام. * عدم النظر إلى ما في أيدي الآخرين، والتخلص من داء الحسد والأمراض القلبية التي تفتك بصاحبها وهو لا يدري. * ومن المهم أن تكون نسيجاً وحدك لا تقلد وتحاكي، وتعامل الناس كما أنت وكما تحب أن يعاملوك به ليس كما يعاملونك هم. * وأخيراً عوّد نفسك على ألا تنام وأنت تحمل في قبلك ضغينة وغلاً على أحد. هذه الوصفة يحتاجها كلٌّ منا، وهي نظرياً قد تكون سهلة وميسرة ولكنها شاقة وصعبة حين التطبيق، ومن وفّق لها فقد نال سعادتي الدارين الدنيا والآخرة، ولذا فالسعادة لا تحتاج لوزارة في نظري، وإنما تحتاج ممن يطلبها انتصارًا على النفس وتحلياً بالصبر وقدرةً على تحمل مشاق الحياة، وقبل هذا وذاك معرفة بطبيعة الحياة وسنن الله فيها.. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.
مشاركة :