الثوار السوريون عرضوا على الملك عبدالعزيز عرش سورية

  • 2/15/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لم تكن علاقة السعودية مع الثوار السوريين وليدة اليوم، بل كانت أصيلة راسخة منذ عهد مبكر في الدولة السعودية الثالثة مع المؤسس الملك عبدالعزيز، الذي ربطته علاقة وثيقة ومتينة مع رموز وقادة الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي عام 1925. يشير الباحث قاسم الرويس في كتابه (سوانح الأفكار لأمير البيان) -الصادر عن دار جداول للنشر- إلى واقعة تاريخية فريدة حين تقدم رموز (الكتلة الوطنية السورية) وهم من أبرز فصائل الثورة السورية إلى الملك عبدالعزيز بطلب مساعدته في تحرير سورية من الاستعمار، وتعيين نجله سعود ملكا عليها. ورد ذلك في تقارير سلطات الانتداب الفرنسية التي كانت ترصد حركة الثوار السوريين وعلاقاتهم، فقد ارتابت من زيارات الأمير شكيب أرسلان الذي تربطه صلات وثيقة بالثوار ويعتبر أحد ملهمي الثورة السورية الكبرى إلى الحجاز، ولقاءاته المتكررة مع الملك عبدالعزيز، وشنت الجهات السورية المعادية لشكيب حملات تشهيرية ضده متهمة إياه بأن هدف زيارته البحث عن المناصب وليس الحج. كانت نجد والحجاز تحتل مكانة عميقة وقوية في نفوس الثوار العرب المناضلين ضد الاستعمار الأجنبي فترة العشرينات من القرن الماضي. إذ إنها تكاد تكون البلاد العربية الوحيدة المستقلة التي لم تستعمرها القوى الأجنبية في المنطقة، ولذا كان الملك عبدالعزيز حريصا غاية الحرص على استقلال بقية الدول العربية ومؤيدا لكل عمل يضمن لها حريتها ويحفظ كيانها، ولم يأل جهدا في المساعدة والدعم لجميع البلاد العربية على كافة المستويات، وفي ذلك يقول عنه شكيب أرسلان: «ثم إنني بعد ذلك اطلعت على بعض مراسلات سرية أكدت لي أن ابن سعود لايفرط في حقوق العرب وأنه باذل الجهد في تقليص النفوذ الأجنبي في الجزيرة». وقال أيضا في عام 1930: «ولولا أن قيض الله عبدالعزيز بن سعود لصيانة الاستقلال العربي في قلب الجزيرة العربية لكانت سيوف الإفرنج تعمل الآن في رقاب العرب.. لقد وجدت فيه الملك الأشم الأصيد الذي تلوح سيماء البطولة على وجهه، والعاهل الصنديد الأنجد الذي كأنما قد ثوب استقلال العرب الحقيقي على قده، فحمدت الله على أن عيني رأت فوق ما أذني سمعت، وتفاءلت خيرا بمستقبل هذه الأمة». يؤكد الباحث الرويس في مراجعاته حول علاقة الملك عبدالعزيز بالثورة السورية قائلا: لقد أبدى الملك عبدالعزيز اهتماما بأحداث الثورة السورية الكبرى التي تفجرت في منتصف العشرينات وخاصة بعد أن أدى تضييق الفرنسيين وضغطهم على قوات الثورة إلى اضطرار المجموعات الثورية وقياداتها وعلى رأسها سلطان الأطرش إلى الخروج من الأراضي السورية واللجوء في بادئ الأمر إلى شرق الأردن قبل رحيلهم بضغط من السلطات البريطانية إلى الأراضي السعودية، يشير إلى ذلك المؤرخ السوري أمين سعيد في كتابه (تاريخ الدولة السعودية) عن الملك عبدالعزيز: «ونالت ثورة سورية الكبرى سنة 1925-1927 على فرنسا الكثير من مساعداته المادية وفتح أبواب بلاده الشرقية والقريبة من الحدود وهي الجوف وسكاكا وقريات الملح للمجاهدين السوريين فنزلوها آمنين». وهذا ما يؤكده شكيب أرسلان ذاكرا لموقف ابن سعود وشاكرا، حيث يقول: «لما أنذر الإنجليز الثوار السوريين بمغادرة الأزرق أو أن يستسلموا إلى الفرنسيين اضطر نحو ألف نسمة إلى الاستسلام، ولكن شقيقي عادل وسلطان باشا الأطرش وغيرهما من القواد أبوا الاستسلام وقالوا للإنجليز: نحن قاصدون إلى أرض ابن سعود فليس لكم أن تلحقونا إلى هناك وليس لكم في أرض ابن سعود أدنى يد علينا. فساروا إلى وادي السرحان وانتجعوا واحة النبك وتفيأوا في ظلال تلك الراية العربية الحقيقية، وكانوا نحو ألف وخمسمائة نسمة. ولولا ظل ابن سعود لما قدروا أن يستقروا في مكان، ولضاقت عليهم الأرض بما رحبت. فلا يقدرون أن يدخلوا سورية إلا إذا طلبوا الأمان من الفرنسيين ولا فلسطين ولا شرق الأردن ولا العراق تقدر أن تقبلهم، وليس لهم سبيل إلى اليمن». يقول الرويس: كان الوطنيون السوريون (الكتلة الوطنية) يطمحون لرؤية سورية مستقلة بمساعدة مؤثرة وفعالة من ابن سعود، ويورد تقرير فرنسي أن تاريخ العلاقة بين الوطنيين السوريين وابن سعود تعود إلى عام 1926، ولكنهم توجهوا إليه مرة أخرى عندما تعلق عمل الجمعية التأسيسية وقطعت المفاوضات مع المفوضية العليا سنة 1928، ثم أشار التقرير إلى مغادرة شكيب أرسلان جنيف في أبريل 1929 إلى مكة للحج، وكان ينوي التوقف في فلسطين لرئاسة مؤتمر يتبنى إعلان المملكة السورية وتعيين نجل ابن سعود ملكا لها، ولكن ذلك أجهض بسبب منع البريطانيين دخوله لفلسطين. وأشار التقرير الفرنسي إلى أنه خلال إقامة شكيب المطولة في الحجاز حشد الحاشية المقربة لابن سعود أمثال خالد الحكيم وياسين وفؤاد حمزة وغيرهما حول أطروحات الوطنيين، وأن ابن سعود حينما فاتحه شكيب أشار بتأجيل الموضوع. ولكن شكيب كتب إلى فوزي غازي بذلك في 18 مايو 1929، فعقدت الكتلة الوطنية اجتماعا في بعلبك وكتبت إلى ابن سعود تخبره بقرار إعلان الملكية في سورية وترشيح نجله سعود لها. طرحت الفكرة مجددا بعد عودة الحكيم إلى دمشق في 10 أكتوبر 1929 وسافر منها للأحساء ليؤكد لابن سعود -الذي كان هناك- المسألة. وباقتراح من الحكيم استقدم ابن سعود فوزي القاوقجي لتنظيم قواته وتعاقد مع عدد من الضباط السوريين. وقامت حملات في مصر وفلسطين بأن ابن سعود سيحقق الوحدة العربية. وفي يناير 1930 أرسلت البرقيات بمناسبة إعلان مملكته في نجد. بعد نهاية الثورة السورية الكبرى دعت فرنسا الشعب السوري إلى انتخاب جمعية وطنية لإقرار نظام الحكم، فحضر الشيخ كامل قصاب مستعجلا مستنجدا بالسعودية في تلك الفترة الحرجة من تاريخ سورية، فاقترح على الملك أن يتولى مهمة تحرير سوريا فينقذها ويجلس على عرشها وينال شكرها، لكن الملك اعتذر بشدة وقال: «إن تقاليدنا القومية والدينية تحول دون قبولي عرشا تحت حماية الأجانب».

مشاركة :