هل النظم الإلكترونية للحضور والانصراف مجدية؟ «2-2»

  • 2/15/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قاد أحمد سيارته في الصباح الباكر من منطقة التُّوبي بالقطيف، متجها إلى مقر عمله بالظهران. كانت الشوارع شبه خالية في ذلك السبت البارد، حيث كان معظم الناس ينعمون بالبقاء في فرشهم حتى وقت متأخر من الصباح في عطلة نهاية الأسبوع. كانت لديه بعض الأعمال الملحة التي أراد إنجازها قبل بدء العمل في يوم الأحد. وصل إلى مقر العمل ونظر إلى الجهاز القارئ للبصمة بازدراء وهو يعبر الممر المؤدي إلى مكتبه. وحمد الله أنه لا يحتاج في ذلك اليوم إلى جهاز البصمة ليثبت حضوره. تحتل النظم القارئة للبصمة نحو 60% من استخدامات الأنظمة البيومترية. ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن استخدام نظام البصمة لتحديد هوية الإنسان يمتد إلى ما قبل الميلاد بنحو 3000 سنة. وتعتبر إدارة الحضور والانصراف اليوم جزءا رئيسا من مهام أنظمة الموارد البشرية. ولا يجادل عاقل في أهمية الحضور المنتظم والانضباط في أوقات العمل. وَمِمَّا لا شك فيه أن التأخر والتغيب غير المجدول يؤدي إلى اضطراب في العمل، ويؤثر على الإنتاجية، ويخلق مشاكل نفسية عندما يتم نقل أعباء العمل إلى موظفين آخرين. وتشير بعض الدراسات التجريبية من الولايات المتحدة وبريطانيا الى أن إدارة الوقت والحضور تؤثر إيجابا وبشكل وثيق في خفض تكلفة العمالة. كما وجد مزوّد عالمي لتكنولوجيا الخدمات الاستشارية والبحوث، أن 74% من المنظمات تعاني خسائر في الرواتب ترتبط مباشرة بتحايل الموظفين عن طريق تحضيرهم لزملائهم؛ لتفادي رصد تأخرهم أو غيابهم. وقدرت مؤسسة للبحوث تسمى نيكليوس ريسيرتش أن المنظمات يمكن أن توفر ما معدله 2.2% من مصروفات الرواتب المدفوعة سنويا من خلال استخدام التكنولوجيا البيومترية. ولكن على الرغم من كل الفوائد في النظم الإلكترونية القارئة للبصمة، لا يزال هناك العديد من المخاوف الخطيرة. ولو أزحنا جانبا المشاكل الفنية التي تشوب هذه الأنظمة، فإن سهولة الاستخدام وقبول الناس لها لا يزال يمثل مشكلة كبيرة. فالازدحام عند أجهزة البصمة في مواقع العمل يسبب إرباكا كبيرا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قبول ونجاح نظام التحقق من الهوية عن طريق البصمة يعتمد إلى حد كبير على السياق الذي يتم استخدامه فيه. فقد وجد أن أعلى معدلات نجاح وقبول هذه الأنظمة يكون في الحالات التي تكون فيها هناك فائدة مباشرة وواضحة للمستخدمين (مثل سرعة الإنجاز في عبور الحدود أو إنجاز المشتريات في المتاجر). وليس بين ذلك بالتأكيد استخدام نظام البصمة لرصد الحضور والانصراف في مواقع العمل. وفوق كل ذلك، فإن التخزين الآمن للبيانات وحماية الخصوصية تظلان هاجسا مقلقا لأي استعمال واسع لهذه الأنظمة. ويعتبر كثير من الناس استخدام النظم البيومترية تعديا على الخصوصية الشخصية. فقد يشعر الموظفون بعدم الثقة تجاه القيود المفروضة على استخدام بياناتهم البيومترية. وينشأ هذا الخوف نتيجة لانعدام الشفافية، حيث يشعر بعض الموظفين بأن البيانات التي تحدد هويتهم قد تستخدم خارج منظمتهم للمساعدة في تحديد وتتبع أنشطتهم. لذلك ومن أجل تهدئة مخاوف الموظفين، لا بد من سياسة شاملة ومعلنة تحدد بوضوح استعمالات المنظمة لهذه البيانات. إن استخدام نظام البصمة الإلكتروني في مكان العمل لأغراض رصد حضور الموظفين قد لا يكون مبررا في وجود بدائل كثيرة قد تفي بالغرض نفسه. ولكن الأسوأ هو أن يطبق هذا النظام في جمع المعلومات عن الحضور والانصراف ثم لا يتبع ذلك تنفيذ إجراءات واضحة ومحددة في حق الموظفين المتسيبين. فلو اكتشف الموظف أن مجموع الساعات والأيام التي تأخر أو غاب فيها لم تترتب عليها الجزاءات المعلنة، فإنه لن يقيم لهذا النظام أي حساب. وسيكون لتطبيق هذا النظام أثر عكسي على المنظمة. كما أن الأمر الأشد مرارة هو أنه إذا كانت لدى مؤسسة ما، ثقافة إيجابية تشجع على الالتزام الذاتي من قبل الموظفين بالمحافظة على أوقات العمل، ويغلب عليها جو الثقة وحب العمل، فإن فشل تطبيق نظام رصد حضور الموظفين سوف يغلق على المنظمة باب الرجوع إلى تلك الثقافة التي بنيت عبر عدد من السنوات. قد تحرص بعض المنظمات على تصحيح انضباط قلة من الموظفين بأوقات الدوام بإدخال نظام بيومتري للحضور والانصراف. ولكن الواقع يقول إن هذه الفئة ستجد طريقها للتحايل على النظام. فلن يكون بإمكانك معرفة فيما إذا سجل أحدهم بصمته عند الدخول للعمل ثم نكس راجعا إلى سيارته. والأهم من ذلك، هو أن الكثرة الملتزمة بأوقات العمل، سوف تتصرف بشيء من عدم الثقة حيال المنظمة. عاد أحمد صباح الأحد مبكرا إلى عمله فلم يجد في المكتب زميله الذي جاء بعد الساعة العاشرة صباحا. وعندما استفسر منه عن سبب تأخره، قال له كنت أتناول وزملائي وجبة الإفطار خارج أسوار المنظمة بعد أن سجلنا حضورنا في الوقت المناسب. أليس هذا ما تريده منظمتنا، أن نكون منضبطين على الورق؟!

مشاركة :