هل ما يزال ممكناً لجم الأخطار الكبيرة الناجمة عن الاستهلاك السريع لموارد العالم؟ يرد كتاب «السباق للفوز بما تبقى من خيرات الطبيعة» على هذا السؤال بالإيجاب لكن بشرط إحداث تغيير جذري في سلوكيات البشر. في كتابه هذا، يبدي الأكاديمي الأميركي مايكل كلير، صاحب المؤلفات الكثيرة في الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية الدولية، فهماً عميقاً لتقنيات التنقيب والمعادن النادرة والجيولوجيا وثروات المناطق النائية، ليبني على فهمه هذا تحليلاً يمكن تلخيصه بقوله: «يدخل العالم عصراً من الشح الواسع النطاق وغير المسبوق على صعيد الموارد». ويلفت كلير، الكاتب في الشؤون الدفاعية في مجلة «ذا نايشن» الأسبوعية الأميركية ومدير «برنامج الكليات الخمس لدراسات السلام والأمن العالمي» في كلية هامشاير (ولاية ماساتشوستس)، إلى أن المسؤولين في الحكومات والشركات «يعرفون أن الموارد الحالية تُستنزَف بوتيرة مرعبة وستنفد في مستقبل ليس ببعيد»، ويرون أن الوسيلة الفضلى لإبقاء الاقتصادات عاملة تتمثل في العثور على احتياطات غير معروفة في «مناطق قليلة» من العالم لا تزال غير مستكشفة. ويؤكد الكتاب، الذي ترجمه إلى العربية محمد جياد الأزرقي، أستاذ اللغة والأدب العربيين في كلية ماونت هوليوك (ولاية ماساتشوستس)، ونشرت ترجمته «الدار العربية للعلوم - ناشرون» البيروتية، أن هذه السياسات ولّدت سباقاً عالمياً على ما تبقى في العالم من موارد الطاقة والمعادن وكذلك الأراضي الصالحة للزراعة غير المزروعة حالياً. ويشير إلى أن هذا السباق يستهدف مناطق عذراء مثل الدائرة القطبية الشمالية وشمال سيبيريا وأعماق المحيط الأطلسي ومناطق نائية في أفريقيا وغيرها. ليس السباق على الموارد جديداً على دول العالم، لكنه أصبح محموماً أكثر من أي وقت مضى، وفق كلير الذي يضيف «أن هذا السباق الذي كان محصوراً في السابق بين بضع قوى مهيمنة، تشارك فيه اليوم أعداد أكبر من البلدان التي أصبحت صناعية أو هي في طريقها إلى أن تصبح كذلك، فبلغ عدد المتنافسين على الموارد مستوى قياسياً». كذلك تضم الدول الحديثة اللحاق بالسباق «كتلاً سكانية كبيرة أو متنامية، لا يمكن بعد الآن إنكار شهيتها إلى بضائع استهلاكية من أنواع كثيرة». في المقابل، يشير الكتاب إلى أن الموارد القائمة تتراجع، فيما الاحتياطات المحتملة قليلة، لذلك «تزايد عدد الأمم المتنافسة على الموارد وقلّت الموارد القابلة للتوزيع بينها، فحمي وطيس التنافس، وتتعرض الحكومات إلى ضغوط لأداء دور أفعل». وفيما يهدد هذا الوضع بقفزات في أسعار الموارد وبالتالي وقوع شعوب كثيرة في براثن العوز وربما الجوع، تستخدم الشركات والحكومات الأقوى تقنيات استخراج جديدة للوصول إلى موارد كان يصعب الحصول عليها سابقاً، لكن هذه التقنيات تدمر البيئة. ومن الأمثلة التقنيات الجديدة المخصصة لاستخراج النفط والغاز الصخريين والرمليين ناهيك عن موارد الطاقة القابعة تحت قيعان المحيطات العميقة. ويشدد كلير على أن مساعي دول ذات اقتصادات ناشئة لإنتاج محاصيل زراعية في بلدان غير بلدانها، وإن أدت إلى تعزيز الأمن الغذائي للدول المستثمرة، فهي لن تعود بنفع يُذكر على البلدان المضيفة، بل وقد تضر بمصالح المزارعين الفقراء في هذه البلدان. وينبه كذلك إلى دروس مستقاة من التاريخ حول حالات يمكن أن تتكرر، فالدول الكبرى لا تتردد في دعم أنظمة ديكتاتورية في بلدان غنية بالموارد طالما ضمنت هذه الأنظمة لها انسياباً منتظماً للموارد، فيما عائدات تصدير الموارد تتوزع على قلة قليلة ولا تساهم في تحسين مستويات المعيشة لعموم سكان البلاد المصدّرة للموارد. وينبّه كلير إلى أن السباق على الموارد يهدد بنشوب نزاعات مسلحة، «فالبلدان المالكة لموارد أكبر تستطيع الحصول من البلدان الراغبة في شراء مواردها على سلاح أكثر وتعزيز تدريباتها العسكرية وتطوير تقنيات القتال والاستخبارات»، فيما لا يُستبعَد أن تنشر الدول الشارية للموارد قوات لحماية مصالحها في البلدان البائعة. ويدرج الكاتب في هذا الإطار النزاعات والتوترات الجارية في القطب الشمالي وأفريقيا والشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي وغيرها. ويشجع الكتاب دول العالم على الانخراط في «سباق على التأقلم» بدلاً من «السباق على الموارد». وتندرج في السباق العتيد منافسة على استخدام مواد ووسائل وأجهزة غير تقليدية كفيلة بتحرير العالم من اعتماده على الموارد التقليدية الشحيحة وتقلص من الأضرار البيئية المترتبة على النمط الحالي من السلوكيات الاقتصادية. ويشدد على أهمية الموارد المتجددة ووسائل تعزيز كفاءة الاستهلاك والسلوكيات الاقتصادية الصديقة للبيئة، لافتاً إلى الانعكاسات السياسية الإيجابية لتحول من هذا النوع، من تراجع لاحتمالات الصدام المسلح واضطرار الحكومات الديكتاتورية بعد انكفاء الدعم الخارجي لها إلى تبني الديموقراطية.
مشاركة :