لينا الموسوي ** كلمات جميلة تأرجحت معانيها في ذهني، أخذتني شوقًا باحثة، متسائلة عمّا إذا كانت السعادة تصنع من أجل البشر أم يصنعها البشر بأنفسهم؟ وكيف يمكن إتقان حالات صنع السعادة التي يمر بها الإنسان أو يستشعرها؟ الطبيعة البشرية تحتاج بتكوينها الذي خلقه الله تعالى من مشاعر حب وفرح وحزن وقهر وغضب، إلى نظام سلوكي معين منظم يساعد الإنسان على التحكم فيها والتي تعتمد بدورها على ظروف البيئة المحيطة وطبيعة الشخصية التي تعيش في هذه البيئة. فبعد الأبحاث الكثيرة والمتعددة التي طرحت خلال أزمنة تاريخية مختلفة منذ نشأة الإنسان إلى يومنا هذا. وفي مختلف دول العالم الغربي والشرقي، أجمعوا على أن حالة الشعور بالسعادة هي حالة سيكولوجية مهمة تؤثر على حياة الفرد وأدائه وبالتالي بناء مجتمعه سواءً اقتصاديًا أو اجتماعيًا؛ حيث أخذ البعض يقرن الشعور بالسعادة بالحالة المادية؛ فاعتبروا توفير الأمور الأساسية للمعيشة عاملًا أساسيًا يؤدي إلى الشعور بالسعادة، ومنهم من قرنها بالدين فإذا كانت روح الإنسان مرتبطة مع الخالق قد تتحقق له حالات السعادة وغيرها من الدراسات والنظريات. وحتى يتحقق موضوع استشعار السعادة في اعتقادي يجب أن تتوفر حالة الشعور بالرضا داخل نفس الإنسان والاستقرار الداخلي وهذا يتم بعد مسيرة طويلة من التجارب التي قد يكون مر بها وذاق حلاوتها أو مرارتها باحثاً في دواخل نفسه وروحه عن ماهية الأشياء التي تسعد قلبه وتغذي روحه وتمده بالسكينة والوئام الداخلي. الله تعالى جميل يحب الجمال، خلق للإنسان كل شيء جميل من حوله، جبال وبحار وأشجار وثمار وغيرها من المخلوقات التي سخرها لخدمته وتغذية جسمه وعقله وروحه ومتطلباته الحياتية، ممَّا جعله يبني ويصنع باجتهاد مُعمِّرًا الأرض مطورًا كل السبل المتاحة لتوفير أكبر قدر ممكن من الخدمات التي حسب الدراسات أيضا قد تحقق هذا الشعور المهم المسمى بالسعادة. فبتُ أتساءل كمهندسة معمارية ما إذا كنا نستطيع نحن المعماريين أن نصنع بدورنا السعادة لمن حولنا من البشر ببناء عمارة تجمع بين ما خلق الله من جمال وما صنع الإنسان صناعات وتقنيات وتكنولوجيا معقدة وغيرها من الإبداعات. في اعتقادي أن المهندس المعماري ومخطط المدينة يؤدي دورًا كبيرًا ومهمًا جدًا في تحقيق وتوفير الأجواء التي تؤدي إلى الشعور بالسعادة؛ حيث إن العمارة أحد العلوم التي وُجدت لخدمة متطلبات الإنسان الوظيفية، ومبنيةً ومدروسةً حسب احتياجاته اليومية من خدمات وحركة ومتطلبات مختلفة، مثل توفير الظروف المناخية المريحة داخل الفضاءات المخصصة للإنسان كالتهوية الصحية والإضاءة الطبيعية وعلاقة الإنسان بالخارج بحيث يكون في تواصل روحي وبصري متواصل مع إبداعات الخالق من طبيعة، إضافة إلى المتطلبات النفسية المدروسة كاختيار الألوان والأثاث والفراغات والفضاءات وغيرها. كل هذه الأمور التي تم ذكرها ببساطة واختصار هي عبارة عن علوم متكاملة وظيفتها في الأخير هي توفير الشعور بالرضا والسعادة للإنسان؛ فالمدينة بكل ما تحتويه من مكونات خدمية وتكنولوجية إذا كانت مدروسة متقنة التخطيط على النظم والقواعد العلمية الصحيحة تحقق بدورها الشعور بالراحة إلى ساكنيها وبالتالي يتولد آنذاك الشعور بالرضا والسعادة. وكذلك الأبنية إذا توفرت الشروط الإنسانية الصحيحة التي بدورها تخاطب روح وجسد وعقل الإنسان دون أن يشعر موفرة له الخدمات والراحة النفسية يشعر الإنسان بالرضا وقد يشعر بالسعادة وإن كانت درجاتها تختلف من شخص إلى آخر كل حسب ظروفه البيئية. العمارة هي علم يجمع بين الحركات الوظيفية التي يحتاجها البشر والعلوم السيكولوجية التي أيضا يمر بها البشر حتى يستطيع المعماري بدوره مساعدة المجتمع لبناء وتحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة؛ فالمجتمع مكون من فئات عمرية مختلفة لكل فئة عمرية احتياجاتها الوظيفية والنفسية؛ فمثلًا بناء وتصميم رياض الأطفال أو مدارس الأطفال يختلف تمامًا عن تصميم مراكز الشباب أو مراكز رعاية كبار السن، فلكل فئة أو مرحلة احتياجاتها التي تتطلب من المعماري دراستها وفهمها بصورة صحيحة ومتنوعة لإتقان صنع العمارة التي قد تؤثر على صنع السعادة. لقد حرصت الدول المتقدمة وبشدة على أهمية الفرد بوضع قوانين وأسس مشددة في التخطيط العمراني والبناء مبنية على توفير كل السبل التي تخدمه وظيفياً ونفسيًا لتحقيق الراحة واستشعارة بالسعادة لأهمية هذا الموضوع على أداء الفرد ومن ثم المجتمع. لنرسم كمعماريين معالم السعادة والراحة على حياة البشر بفرشاة دقيقة نظيفة متقنة الأوان، تداعب وتخاطب أرواح وأجساد وعقول البشر، ترسم أشكالًا جميلة وأبنية مدروسة متنوعة تُشعرهم ببعض السعادة، فتخفف عليهم مصاعب وظروف الحياة. ** مهندسة معمارية
مشاركة :