ذكرى رحيل رشيد ميموني ومحنة الكتاب بالجزائر

  • 2/15/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أحيت مدينة بودواو بولاية بومرداس شمالي الجزائر أمس الأحد الذكرى 21 لوفاة أديبها الروائي رشيد ميموني، بحضور كوكبة من الروائيين والنقاد الذين استحضروا محطات من مسيرة كاتب وجد نفسه مخيرا بين المنفى أو الموت في مطلع العشرية الدموية التي هزت البلاد في تسعينيات القرن الماضي. وتعد قصة حياة رشيد ميموني (20 نوفمبر/تشرين الثاني 1945//12 فبراير/شباط 1995) عنوانا لمعاناة الكتّاب والأدباء الجزائريين خلال حقبة التسعينيات، حينما اضطرته التهديدات المتواصلة بالقتل إلى مغادرة بلده والاستقرار بمدينة طنجة شمالي المغرب. وخلال مسيرته الحافلة، كتب ميموني نصوصا سردية ترجمت مواقفه الجريئة في قضايا سياسية واجتماعية تحاكي هموم الفرد الجزائري منذ استقلال البلاد إلى غاية حقبة التسعينيات. ومن أشهر أعماله رواية النهر المحول (1984) التي واكبت حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي التي كانت تشهدها الجزائر قبل أن تندلع انتفاضة في أكتوبر/تشرين الأول 1988 حين ثار الجزائريون احتجاجا على تردي أوضاعهم، وطالبوا بإصلاحات سياسية واجتماعية. وفي عام 1992 نشر كتاب من الهمجية عامة إلى الأصولية خاصة لامس فيه ظاهرة التطرف الديني، وفي تلك الفترة تعرض الكتّاب والمثقفون إلى اعتداءات من طرف الجماعات المتطرفة، بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين السلطة والإسلاميين عام 1992، مما كلفه فتوى بإهدار دمه صدرت من الجماعات الإسلامية المسلحة. وفي 1993 نشر روايته اللعنة (جائزة حرية الأدب 1994) استمد فصولها من أحداث واقعية تحاكي قصة استيلاء مسلحين على مستشفى بالعاصمة عام 1991، وهي الرواية التي كانت سببا في تهديده باغتيال ابنته، ودفعته مرغما لحزم حقائبه، واختيار المنفى في المغرب. روايات سياسية وبرأي الناقد والروائي محمد ساري فإن روايات ميموني رغم أنها كتبت قبل أكثر من عقدين من الزمن فإنها لا تزال حديثة، وتقرأ كما لو أنها كتبت لمجتمع اليوم، ذلك أن رواياته يقول للجزيرة نت سياسية بالدرجة الأولى، فرائعته النهر المحول يمكن أن تقرأ على أنها استعارة للثورة التحريرية التي حُولت وحرّفت عن أهدافها. ويتابع رواية شرف القبيلة أيضا تحيلنا إلى شرف الوطن، والأمر نفسه يقال عن ثنائية سلام يعاش وشقاء يعاش (الفائزة بجائزة ألبير كامي 1993)، فالأولى تحدث فيها عن السلم وسعادة الجزائريين بالحرية بعد السنوات الأولى من الاستقلال، والثانية كتبها بعد انتفاضة أكتوبر 1988 تحدثها فيها عن الشقاء وعن الثورة التي حُولت عن مسارها وإرساء حكم العسكر. هذه الرواية برأي ساري تمثل وتحاكي طبيعة وآليات الحكم العسكري في الوطن العربي، والعالم الثالث عموما، ذلك أنه لم يموقع أحداث الرواية في موقع ما أو فضاء معلوم، وإنما جعلها في فضاء وزمن ممتد. وعن قصة المتظاهر، يقول ساري إنها مفعمة بمفهوم وأسلوب السخرية، وهي تحكي تعرض مواطن خرج للشارع رافعا لافتة كتب عليها يحيا الرئيس فتم اعتقاله، لأن الرئيس يجب أن تخرج الملايين للتعبير عن حبه لها وليس شخصا واحدا فقط. مشهد موبوء وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 1988، حينما كانت لغة الرصاص والسلاح طاغية في الشارع، بادر ميموني رفقة أصدقائه الكتاب وفي مقدمتهم رفيق دربه الروائي جيلالي خلاص إلى تأسيس اتحاد الكتاب الحر وهدفه تحرير الكتاب الجزائريين من قبضة السلطة ومن الرقابة بمختلف أشكالها ومصادرها. وكشف خلاص أنه تعرف عن قرب على ميموني بعد أن نشر له رواياته الأولى حينما كان مديرا للنشر بالشركة الوطنية للنشر والتوزيع، التي أصبحت تحمل اسم المؤسسة الوطنية للكتاب، وهي العلاقة التي يقول إنها تطورت لتتوج بإنشاء مجلة الرواية، التي نالت الجائزة الأولى كأحسن مجلة أدبية عربية وكانت منبرا لكتاب آخرين على غرار الطاهر جاووت، وعبد العزيز بوباكير، ومصطفى فاسي. ويعتقد خلاص أن الأسباب والممارسات التي وصفها بـالمنبوذة والتي دفعت ميموني للهجرة، لا تزال قائمة، ويرى أن المشهد الثقافي الجزائري مريض وموبوء، واتهم من أسماهم بـالسلفيين الذين يمتلكون قنوات وصحفا بمحاربة المبدعين الأحياء منهم والأموات، وهي إشارة للضجة التي أثارها سابقا الشيخ السلفي عبد الفتاح حمداش حينما أهدر دم الروائي كمال داود.

مشاركة :