الأزمة السودانية معطيات النتيجة أهم من الأسباب

  • 5/1/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الأزمة السودانية تعكس مشكلات طويلة مر بها السودان منذ منتصف القرن الماضي، فرغم كل الإمكانات والموارد الطبيعية التي يتمتع بها السودان إلا أن توظيف تلك الإمكانات لم يكن لينعكس على ثبات هذه الدولة واستقرارها، فقد عانت الكثير وهي تدخل اليوم واحدة من أخطر الأزمات التي تتعقد حلولها مع كل يوم تشرق فيه الشمس على الخرطوم.. الأزمة في السودان تفتح خزانة الأسئلة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، ولعل أهم الأسئلة يدور حول كلمة واحدة لماذا يحدث هذا؟ اليوم وبعد أسبوعين من الأزمة تتعمق معاناة هذا البلد العربي الذي يوصف بأنه سلة الغذاء العربي، فالقتال بين قوات الجيش والدعم السريع قضية انشقاق داخل أهداف ثورة عام 2018-2019، هذه الصورة تجعل من المستحيل حتى التفكير بالعودة إلى الحالة السابقة، وهنا يكمن الخطر الذي يمكنه أن يواجه السودان حالياً، ففكرة انتصار طرف على آخر هي الفكرة المطروحة سياسيا لذلك تتطور الأمور في هذا البلد بطريقة تدعو للقلق. الاختلاف التكتيكي بين الطرفين المتصارعين يعقد الأزمة وكل طرف في السودان يحمل خبرته الخاصة في التعامل العسكري، ومن الطبيعي أن خيارات تخفيف آثار هذا الصراع تتجه في الاتجاه السلبي، فمع كل يوم يضاف إلى هذه الأزمة هناك مساحة جديدة للتدخل من أطراف بعيدة ذات أهداف مختلفة، العالم أدرك هذا المنعطف وتوقعت الدول الأزمة، لذلك بادرت في إجلاء مواطنيها، وقد كانت السعودية أحد اهم وأبرز الدول على المستوى العالمي في نموذجها الإنساني فنقلت مواطنيها والكثير من الجنسيات دون استثناء في لفتة إنسانية غير مسبوقة. كل ما تخشاه الدول اليوم أن تتطور الأزمة إلى منطقة يتم عبرها تجاهل قوانين الحرب ومضاعفة الانتهاكات، وهذا ما بدأت ملامحه من خلال عدم اليقين المتكرر من صمود محاولات وقف إطلاق النار بين الطرفين من أجل تقديم الخدمات الإنسانية والمساعدة في إجلاء البشر العالقين، كما أن العالم قلق من تهاوي الخدمات الإنسانية وعلى رأسها الخدمات الصحية، ففي السودان هناك مئة وخمسة وعشرون مستشفى أصبحت تتوقف عن العمل بشكل تدريجي مما يضاعف الخوف من انهيار المنظومة الصحية. السودان يقع في قارة إفريقيا الهشة إلى حد كبير، وجيران السودان هم سبع دول هي مصر وجنوب السودان وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا وإثيوبيا وإريتريا، ودرجة القلق بين جيران السودان مما يحدث عالية جدا، فالوضع هش في معظم الدول التي تحيط بالسودان وفرضية التمدد الثوري فرضية قائمة نظرياً. الصدمة السياسية التي تلقاها العالم العربي مضاعفة، فهذا النموذج من الصراع خطير جدا كونه صراعا بين قوى إحداها نظامي والآخر غير نظامي، وهناك أمثلة كثيرة في العالم العربي لجيوش ولدت خارج رحم الجيوش النظامية، وإفريقيا بدولها أيضا تخشى هذا النموذج الذي يقوض مفهوم الدولة وتعريفاتها السياسية، ويعقد إذابة القوى المتصارعة في إطار نموذج الدولة كما هي معروفة، التركيز الدولي المطلوب اليوم هو حماية الدولة ومنع السودان من الانجرار إلى التفكك وهو نتيجة طبيعية لاستمرار النزاع وتطور عدم الاستقرار، فالسودان جغرافيا مؤشر عالي الحساسية بل يمكن القول إنه يصعب قراءة المناخ السياسي الإفريقي دون المرور عبر الخرطوم. الفوضى التي خلفتها الثورات العربية خطيرة جدا، والعالم العربي والشرق الأوسط عموما عرف ماذا حل بتلك الدول، فالشعوب العربية أصبحت شاهدا على أسوأ السيناريوهات التي خلفتها تلك الأزمات، حيث القتال العنيف وسقوط مفهوم الدولة وضياع الأمن وتنامي الانقسامات العرقية، ما يحدث بالسودان يطرح أسئلة كبرى فهناك أجراس إنذار سوف تسمع في دول محيطة والمحتمل أن تجر الأزمة في السودان إليها أزمات أخرى وخاصة قضية الصراع على المياه والحدود مع دول مجاورة. الجميع يتفق على أن انهيار السودان الدولة والشعب فكرة مرفوضة من الجميع، وخاصة العالم العربي والدول الخليجية بشكل خاصة التي تلعب دورا بارزا ومستمرا في تمثيل الاستقرار في هذا الجزء المهم من العالم، ولتحقيق هذا التوجه فالدول المهتمة مطالبة بقطع الطريق على فكرة تفضيل جناح أو مجموعة على أخرى، لأن ذلك سيكون أحد الأسباب الرئيسة لتعاظم الأزمة وتطورها في الاتجاه الخاطئ، الأزمة السودانية هي نموذج مقلق ومستحدث من نماذج الأزمات في العالم العربي وعملية الحصول على حلول سريعة لهذه الأزمة هي رهان غير قابل للتنازل. الأزمة السودانية تعكس مشكلات طويلة مر بها السودان منذ منتصف القرن الماضي، فرغم كل الإمكانات والموارد الطبيعية التي يتمتع بها السودان إلا أن توظيف تلك الإمكانات لم يكن لينعكس على ثبات هذه الدولة واستقرارها، فقد عانت الكثير وهي تدخل اليوم واحدة من أخطر الأزمات التي تتعقد حلولها مع كل يوم تشرق فيه الشمس على الخرطوم، كل ما يمكن قوله إن الأزمة في السودان ليست عابرة فتطوراتها غير متوقعة لأن طبيعة الصراع وأطرافه تشي بأننا أمام مهمة شبه معقدة ومستحيلة ما لم يكن هناك رغبة في الحل تنشأ من الخرطوم.

مشاركة :