الأسباب كثيرة تلك التي دفعت الاتحاد الأوروبي، للتحرك من أجل فرض قيود على العملات المشفرة وتنظيم عملياتها، وإخضاعها للرقابة المطلوبة من قبل الجهات التشريعية في الكتلة الأوروبية. ولا شك في أن موافقة أعضاء البرلمان الأوروبي على هذه القواعد جاءت متأخرة، حتى إن البنوك المركزية الرئيسية حول العالم تعرضت على مدار السنوات الماضية لكثير من الانتقادات بشأن تأخرها هذا، وعدم القيام بأي خطوة عملية لوضع منصات التشفير تحت العين الرقابية. أما أسباب التحرك الجديدة، فهي متنوعة ترتبط أولاً بعمليات غسل الأموال، ومكافحة الإرهاب، والأهم أيضاً بحماية المتعاملين عبر هذه المنصات، خصوصاً مع ارتفاع أعدادهم، ولجوء شريحة متعاظمة منهم إلى الاستدانة من أجل الاستثمار في هذه العملات. أرقام العمليات غير المشروعة التي تجري عبر منصات العملات المشفرة مروعة. فقد أشارت منصة البيانات «تشين أناليسيس» الأمريكية، أن مجموع قيمة العمليات المشار إليها بلغت أكثر من 21 مليار دولار في العام الماضي. وعلينا أن نتخيل مستوياتها على مدى السنوات التي أعقبت إطلاق العملات في العام 2009. وفي الآونة الأخيرة تعرضت منصات «إف تي إكس» لإفلاس خطير، كما شمل الإفلاس مصارف دخلت نطاق العملات المشفرة، ناهيك عن تراكم الديون على الأفراد الذين رهنوا ممتلكاتهم من أجل دخول هذا النطاق المتفاعل، وتعرضوا لفقدان كل استثماراتهم هذه. ولأن الأمر كذلك، كانت التقلبات السمة الرئيسية للعملات الرقمية بشكل عام، ما أدى إلى انهيار قيمتها على مدى السنوات الماضية. فالأرباح كانت فلكية في فترة ما، والخسائر كانت فلكية أيضاً. ومن هنا، يمكن النظر للقرار الأوروبي الجديد على أنه مرحلة متقدمة (ولو متأخرة) نحو تنظيم قطاع ينمو بسرعة، ويحمل معه المخاطر المختلفة. وسيتعين على مقدمي خدمات الأصول الرقمية التسجيل وتقديم بيانات دقيقة عن هوياتهم، إذا ما أطلقوا أعمالهم ضمن نطاق الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يسهل أمر ملاحقة المخالفين، وأولئك الذين يسعون إلى تمرير حزم مالية ضخمة لأهداف خطيرة منافية للقوانين والتشريعات. كما أن الأمر لا يتعلق فقط بهذا الجانب، بل بمعرفة الحجم الحقيقي للطاقة الكهربائية التي تستهلكها منصات الأصول الرقمية. فقد ثبت أنها تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة ترفع من الضغوط على المصادر الأساسية لها. أي أن هناك جانباً بيئياً في عملية تنظيم أداء العملات الرقمية. وفي المحصلة، تبقى المعلومات التي يجب على مزودي الأصول الرقمية المحور الأهم، وخصوصاً تلك المرتبطة بالعملاء. فلا يمكن مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، وتوفير الحماية للمستهلك، وتأمين استهلاك متوازن للطاقة، دون هذه المعلومات، خصوصاً بعد سلسلة لا تنتهي من الأعمال المشبوهة التي تمت عبر عملات رقمية بلغ عددها أكثر من 7000 عملة، بصرف النظر عن التفاوت في قيمها. ولعل من أهم النقاط أيضاً، أنه سيتم تطبيق قاعدة «سفر الأموال» على العملات المشفرة، التي تجري على التمويل التقليدي. وهذه النقطة مهمة جداً لتحقيق أهداف المشرعين حول العالم.
مشاركة :