أدى صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة صباح أمس، في مسجد الجامع الكبير في منطقة شعم في رأس الخيمة، صلاة الجنازة على جثمان شهيد الوطن عبد الله جمعة حسن الشامسي الذي ارتقى إلى العلا مع من سبقوه من إخوانه الشهداء من جنودنا البواسل المشاركين ضمن قوة التحالف العربي في عملية إعادة الأمل في اليمن ، الذي تقوده المملكة العربية السعودية الشقيقة للوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية في اليمن. أعرب سموه عن خالص تعازيه ومواساته لأسرة الشهيد، داعياً الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته مع الشهداء والصديقين والأبرار وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان. كما أدى الصلاة إلى جانب سموه، الشيخ أحمد بن سعود بن صقر القاسمي، والمهندس الشيخ سالم بن سلطان بن صقر القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني ، والشيخ صقر بن محمد بن صقر القاسمي، بجانب عدد من أعيان البلاد والمسؤولين ومنتسبي القوات المسلحة وجموع غفيرة من المواطنين. وقدّم صاحب السمو حاكم رأس الخيمة والشيوخ بعد ما ووري جثمان الفقيد الثرى في مقبرة شعم في رأس الخيمة التعازي لأهل الشهيد في خيمة العزاء.. مؤكداً سموه أن دولة الإمارات تودّع أحد جنودها البواسل الذي قدّم روحه فداء للحق والواجب الوطني ونصرة المظلوم في ميادين العز والشرف لينعم شعب اليمن بالأمن والاستقرار. وشاركت الخليج في مراسم تشييع شهيد الإمارات، التي شهدها المئات من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، وتقديم واجب العزاء لإخوته وأقاربه. ورصدت مشهد الوداع، الذي عاشته شعم والمناطق المحيطة بها، شمال إمارة رأس الخيمة، وسجلت مشاعر الفخر الوطني والألم، التي سادت بين إخوة الشهيد وأقاربه وأبناء شعم، التي ينتمي إليها، وهو الشهيد الثاني الذي تقدمه المنطقة، بعد الشهيد طارق الشحي الذي استشهد خلال أدائه مهامه وواجباته الوطنية على أرض مملكة البحرين عام 2014. مقربون من الشهيد عبدالله (20عاما)، أشاروا إلى أن فقيد الإمارات تجرّع طعم اليتم مبكراً في حياته القصيرة، رغم أن والديه كانا على قيد الحياة، بسبب حرمانه من حنان الأم، وهو لا يزال في الشهر الرابع من عمره الغضّ آنذاك، لكن أم سعيد، زوجة والده، (توفي عام 2012)، ووالدة أشقائه، من والده، منحته الأمومة وحنانها، واحتضنته سواء بسواء، كبقية أشقائه، لتكون منذ ذلك الحين أماً حقيقة، وكاملة للرضيع، ثم للصبي والشاب. أم الشهيد تفقد الوعي أم سعيد، بحسب أقارب الشهيد، عاشت منذ بلغها نبأ استشهاد عبد الله، أوجاع رحيل الابن وفلذة الكبد، الذي لم تلده، لتنخرط في نوبات بكاء، في ظل صدمة الفقدان ولوعة الغياب، مشيرين إلى أن الأم الرؤوم، لم تتمالك نفسها، لتسقط مغشيا عليها، بعد سماعها الخبر، ونقلت عل الأثر إلى أحد المستشفيات، حيث تبيّن أنها تعاني ارتفاعاً في ضغط الدم، وتلقت العلاج اللازم، وتغادر المستشفى لاحقاً، حيث تتلقى العزاء والمواساة في منزلها من سيدات رأس الخيمة. حال أم سعيد طال كذلك ابنة شقيق الشهيد التي لا يتعدى عمرها نحو 14 عاماً، إذ سقطت هي الأخرى مغشيا عليها، لتنقل إلى المستشفى، وتتلقى العلاج اللازم. شقيقه عبد الرحمن: قال لي قد أعود، وقد لا أعود عبد الرحمن (29 عاماً)، شقيق الشهيد، يكبره بنحو 9 أعوام، قال: إن آخر كلمات الشهيد لي، قبل أن يغادر إلى اليمن للمرة الأخيرة أبلغني فيها أنه مسافر، هل تريد مني شيئاً، وأضاف: قد أعود إلى الإمارات، وقد لا أعود؛ كلمات قليلة ملأى بالألم، تركت في داخلي حسرة كبيرة وحزناً لا يوصف، مشيرا إلى أن أخاه كان في صفاته الشخصية إنساناً شجاعاً، وكان تظهر عليه علامات الوحدة، وهو وحيد والدته، رغم أننا جميعاً وطوال عمره حوله ونحتضنه ولا نتركه أبداً. ماضون على دربهم عبد الرحمن قال عن أخيه أيضاً: يوم عرف أن الاختيار وقع عليه ليشارك ضمن القوات المسلحة في اليمن، في الدفعة الأخيرة، التي توجهت إلى هناك، أكد أنه سيتوكل على الله، عز وجل، دون تردد، وما تأمرنا به القيادة سيكون نافذا فورا. أخو الشهيد شدد كلنا وراء عبد الله وجميع شهدائنا الأبرار، ماضون على دربهم. سالم (26 عاماً)، أخ آخر للشهيد، يعمل في وزارة الداخلية، اكتفى بالقول: إن فقيد الوطن كان الأكثر حباً له بين أشقائه التسعة عشر. شقيقه محمد: الزواج حلم أخ آخر للشهيد، هو محمد (24 عاماً)، يعمل في أدنوك، قال: كان الشهيد لا يتردد في مدّ يد العون والمساعدة لإخوانه ولسواهم من حوله، مادياً ومعنوياً، حلمه الأول كان أن يتزوج ويبني أسرة، وبالفعل قطع نصف الطريق نحو حلمه، لكن الموت حال دون استكماله النصف الآخر من الحلم، فيما كان ينوي إقامة حفل زفافه بعد العودة من اليمن، أي بعد نحو شهرين من الآن. شقيقه ناصر:سبقته ضمن الدفعة الأولى ناصر (20 عاماً)، أخو الشهيد، سبقه إلى ميدان البطولة في اليمن، وعاد إلى أرض الوطن مع الدفعة، وهو ما حدا بالشهيد أن يسأله عن الأوضاع هناك، في حين أن ناصر كان ضمن القوة البحرية، وعبد الله ضمن القوة البرية، ورغم أن مواقع خدمتنا وأدائنا لواجبنا الوطني تختلف عن مواقعهم، التي توغلوا فيها نحو مواقع العدو أكثر منا. ناصر أكد أن أخاه كان يحمل رغبة في الذهاب إلى اليمن وأداء الواجب هناك، ولم يتردد للحظة بمجرد أن وصله قرار التوجه إلى أرض المعركة. ناصر أضاف: المرة الأخيرة، التي تواصلت فيها مع الشهيد كانت عبر محادثة هاتفية، قبل استشهاده بيوم واحد فقط، كان يسأل عن حالنا وأخبارنا وهو في أرض المعركة. الأخ المفجوع أضاف عشت معه عمري كله، شجاع، يحب مساعدة إخوته وسواهم من الناس، طيّب. ابن أخيه: رسالة الوداع الأخير سلطان ابن أخ الشهيد، قال: إن آخر ما علق في ذاكرته من عمه الشهيد، رحمه الله، هو ما دوّنه في حسابه الشخصي على برنامج إنستغرام، وهو عبارة (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه)، ما عدّه رسالة الوداع الأخيرة، وهي عبارة استحضرها بعد أن انتهى خبر استشهاد عمه. أضاف سلطان: عرفت النبأ المؤلم، خلال وجودي في العمل ظهر أمس، قرأت حينها الخبر في الواتس آب، لأصاب بصدمة حملت الكثير من الألم. وأضاف سلطان: في البداية قرأت أن أحد جنودنا البواسل استشهد على أرض اليمن، لم يتبادر إلى ذهني أنه عمي عبد الله، رغم وجوده هناك، لكنني بقيت أتحرى عن هوية الشهيد، حتى فجعت بأنه عمي بينما كنت أقرأ اسم الشهيد في بعض المواقع، لتكون الصدمة والفاجعة. صديقه: تجده بجانبك علي حمد العلي (18 عاماً)، طالب ثانوية عامة، صديق الشهيد وجاره، قال: تربينا معاً، خطوة بخطوة في هذه الحياة، من أبرز صفات عبد الله أنك تجده معك في أي وقت، يقف إلى جانبك في أصعب المواقف وأكثرها حرجاً، لا يتوانى عن مساعدة أهله وجيرانه وأصحابه. شقيقه الصغير:عطر وساعة آخر هداياه شامس هو أصغر إخوة الشهيد (13 عاماً)، في الصف الثامن، رغم الحزن والأسى الطاغي أكد وهو يتحدث بصعوبة، أنه فخور بكونه أخاً للشهيد، وأنه لو تمكن من إرسال رسالة إليه لقال له الله يرحمك، لافتاً إلى أن شقيقه راشد، ثاني أكبر أشقائه، هو من أبلغه، هاتفياً، بخبر استشهاد عبد الله. ووصف شامس الصغير مشاعره بعد أن سمع نعي أخيه: قلبي يؤلمني وشعرت بالخوف، وما صدقت الخبر في البداية، قبل أن أواجه الحقيقة المؤلمة بأن أخي شهيد على أرض المعركة، ولا أنسى هديته لي في يوم ميلادي، وهي ساعة، وفي مناسبة أخرى أهداني عطراً. مات ربيعي بين صفوف المشيّعين، لفت شاب مواطن الأنظار ببكائه المتواصل، مردداً بصورة متكررة ربيعي، (صديقي)، بينما كان شاب آخر يواسيه. الخليج بادرت إلى تعزية الشاب المفجوع بصديقه ومواساته، ليتبيّن أنه يدعى عبد الله فهد الشحي، عمره 21 عاماً، وهو صديق الشهيد، من منطقة شعم أيضاً. قال: إن الشهيد عبد الله بالنسبة له صديق العمر، زميل دراسة، تربينا وعشنا سوية. التفاف مجتمعي حول أسرة الشهيد التفت النساء جيراناً ومعارف وقريبات، حول أمه وأخوات الشهيد ليخففن عنهن ألم الفقد، ويشاركنهن الفخر بالشهيد. قالت زوجة الشهيد: تواصل معي في آخر ليلة قبل الحادثة، وحدثته لمدة ساعة، وطمأنني إلى أنه سيكون في مهمة في يوم غدٍ، كي لا أقلق إذا لم يتصل، ولم أكن أدري أنها مهمته تلك ستكون الأخيرة. وأكدت أنه سبق أن اتفقا على أن يكون شهر العسل في فرنسا، ليزورا برج ايفل، كما ذكر مدينة لا أتذكرها، كان قد اختارها تحديداً لقضاء شهر العسل، مضيفة أن أحلامه كانت كثيرة، إلا أن الله تعالى اختاره ليكون شهيداً، ونفخر به، وفرحته وأحلامه سيحققها في الجنة إن شاء الله. أخت الشهيد: قال وهو يعدّ حقيبته بروح وما برجع وأكدت أخته، أن آخر موقف تذكره حين كان يجهز حقيبة ويستعد للسفر، كنا قد تجمعنا معه في غرفته التي أعدها كذلك للاستقرار فيها بعد زواجه، وأذكر بأنه قال لي بروح وما برجع، إلا أنها نهرته لتلك الكلمات، واحتضنته وكان ذلك آخر موقف كان يجمعها به. وأوضحت حصة علاو زوجة أخيه الأكبر، أنه كان هادئاً وطيباً، ومتمسكاً بأخواته وإخوانه، إذ رباهم والدهم، رحمه الله، بأن يكونوا جميعاً يداً واحدة ولم يفرق بينهم، وعاشوا جميعهم في منزل واحد. أم سعيد زوجة والده: قال لي في عرسي سيحضر الجميع وقالت آسيا، أم سعيد، (من خلال دموعها) وهي زوجه والده التي ربته منذ كان عمره 4 أشهر، إذ انفصلت والدته عن والده، وتولت رعايته مع أخيه ناصر الذي يصغره بسبعة أشهر تقريباً، إن آخر مكالمة كانت حين حضرت عرس ابن شقيقه، وأكد لها الشهيد أنه في عرسه سيحضر الجميع ولن يتخلف أحد عن حضور العرس، إلا أن الجميع حضر موكب زفه شهيداً إلى جنان الخلد، عسى الله تعالى أن يتقبله شهيداً، ويصبّرنا على فراقه.
مشاركة :