باتت نسبة التراجع للقوة الشرائية للأفراد في بورصة الكويت ظاهرة تؤرّق كل أطراف منظومة التداول، وتستحق فتح نقاش حول أزمة الأفراد الآخذة في الزيادة والاستفحال، خصوصاً أنها تهدد إيرادات شركة البورصة والمقاصة وشركات الوساطة، وليس أدل على ذلك من لجوء شركة البورصة، فجأة، لفرض رسوم على بيانات التداول القائمة منذ 33 عاماً بالمجان، في خطوة تستهدف تحسين الإيرادات وفتح قنوات رديفة تعوّض التراجعات في إيرادات عمولات التداول، نتيجة انخفاض التعاملات الملحوظ، لا سيما للأفراد تحديداً. وقد أظهرت الأرقام الرسمية الصادرة بعد إقفالات أبريل الماضي، أن نسبة سيولة الأفراد تراجعت 56.8 بالمئة من حجم المشتريات من يناير حتى آخر أبريل 2022 بقيمة 2.255 مليار دينار إلى نحو 973.484 مليوناً للفترة نفسها من العام الحالي، أي بقيمة تراجع بلغت 1.28 مليار، ولذلك جملة أسباب أبرزها شطب الشركات التي ارتكبت مخالفات، وتوقيف أخرى لذات السبب، علماً أن هذه الظاهرة - بعد أن استفحلت - كان يجب تغيير الإجراءات، كما سبق أن تعامل البنك المركزي مع أزمة أحد البنوك عندما اتخذ قراراً بالمعالجة وليس شطب البنك أو الرخصة أو إغلاق أبوابه، أو إبعاده عن أعين الرقابة. وبالرغم من قوة حجم المحافظ، والصناديق التي استطاعت أن تحافظ على مراكزها، والشركات التي تستثمر في البورصة، وحجم السيولة الأجنبية، فإنّ الأفراد يمثّلون القوة الضاربة بالسوق والكتلة الأكبر والأهمّ، وضعفهم أو سحقهم سيؤثر على كل الأطراف سنوات طويلة. وعملياً، يمكن الإشارة إلى أن نسبة تراجعات الصناديق والمحافظ والمؤسسات أقل بكثير من الأفراد لعدة أسباب، أبرزها أن تلك الوحدات مستثمرة طويلة الأجل، ولديها قدرة أكبر على التحمل والاستمرارية، عكس الأفراد الذين يتعاملون بمبالغ ضئيلة. فقد تراجعت تعاملات الصناديق في الأشهر الأربعة الماضية بنسبة 3.5 بالمئة فقط بقيمة 6 ملايين دينار من مستوى 177.214 مليوناً إلى 171.031 مليوناً. فيما تراجعت تعاملات المؤسسات بنسبة 20 بالمئة من مستوى 853.092 مليوناً إلى 682.732 مليوناً بقيمة 170.3 مليوناً فقط. فيما تراجعت تعاملت المحافظ بنحو 491 مليوناً بنسبة 36 بالمئة من مستوى 1.354 مليار في الأشهر الأربعة الأولى من العام الماضي إلى 863.820 مليوناً، منذ بداية العام حتى نهاية أبريل الماضي. وبشكل مجمّع يمكن الإشارة إلى أن حجم السيولة الإجمالية من بداية العام وحتى نهاية أبريل الماضي بلغت 3.286 مليارات دينار مقارنة مع 5.629 ملايين لنفس الفترة من عام 2022، مما يعني أن نسبة التراجع لحجم السيولة المدورة في تلك الفترة 71.3 بالمئة. يُذكر أن هذا الأمر له أسباب عدة؛ منها شطب الشركات وتوقيفها، وتخوفات أفراد، وضعف شفافية بعض الشركات التي لديها عقود بمئات الملايين ولا تعلن حجم العوائد، وغياب المبادرين، وفشل صناعة السوق بالطرق القائمة حاليا، حيث إن ممارسة شراء 5 بالمئة أفضل من دور صانع السوق بالطريقة العقيمة التي أخذت سنوات لإقرارها بلا أثر يُذكر، حيث إن هناك شركة توقّع في كل أسبوع وأخرى تلغي التعاقد. لكن مصادر استثمارية قالت إن خطوة استحواذ مصرف «جي بي مورغان» على بنك فيرست ريبابليك المنهار تعتبر درساً في فنون انتقاء الفرص وقت الأزمات والسيطرة على الشركات المتعثرة، ومن ثم إعادة تأهيلها. وعملياً لم تتخذ «جي بي مورغان» الخطوة بشكل عبثي، بل تراهن على اسم وتاريخ المصرف، وتدعم الثقة بما يؤكد أن الأسواق تقوم على الثقة والعامل النفسي، وهما قبل أي اهتمام.
مشاركة :