بعد مرور خمس سنوات على الحراك الليبي، لا تزال ليبيا تعوم على بحر من الفوضى، فيما ظلت الشريحة السياسية مستقطبة حول برلمانين وحكومتين في طبرق وطرابلس. ورغم أن الطرفين توصلا أكثر من مرة لاتفاقات على تشكيل حكومة وفاق تحت مظلّة الأمم المتحدة التي خصّصت مبعوثين على التوالي للإمساك بهذا الملف، إلا أن هذه الاتفاقات لم تترجم إلى واقع جديد يضع البلاد على سكّة السلامة وصولاً لبناء المؤسسات على أنقاض واقع ميليشياوي مدمّر. ويقفز إلى الأذهان سؤال: هل تشكيل حكومة وفاق يمكن أن ينهي الأزمة في ليبيا؟ المجلس الرئاسي الليبي أعلن قبيل منتصف ليل الأحد الاثنين من منتجع الصخيرات المغربي، التوصل إلى اتفاق جديد حول تشكيلة حكومة وفاق وطني مصغرة، على أن تضم 18 وزيراً برئاسة فايز السراج وخرج الجميع يقول: نسأل الله أن تكون هذه الحكومة فاتحة وبداية نهاية الصراع في ليبيا. هذا الإعراب عن الأمل القلق، مشحون بتجارب الماضي، حيث ظلت الاتفاقات السابقة بين البرلمان المعترف به دولياً (طبرق)، والبرلمان غير المعترف به (طرابلس)، حيّة في الذاكرة، ورغم دعمها من الأمم المتحدة والعالم إلا أنها فشلت. خلافات الأيام الماضية، وعشية الإعلان عن الاتفاق الجديد، شهدت خلافات بين أعضاء المجلس الرئاسي حيال الشخصية التي ستتولى وزارة الدفاع، والتي أسندت في نهاية المفاوضات إلى العقيد في قوات السلطات المعترف بها دولياً في الشرق مهدي البرغثي الذي ينظر إليه على أنه معارض لقائد هذه القوات الفريق أول ركن خليفة حفتر.. الأمر الذي دفع علي القطراني، عضو المجلس الرئاسي والمقرب من حفتر، إلى عدم التوقيع على تشكيلة الحكومة، إلى جانب عضو آخر في المجلس الرئاسي هو عمر الأسود الذي رأى أن اختيار الوزراء لم يتم بطريقة شفافة. ويؤشر هذان الرفضان لتحد آخر ستواجهه حكومة الوفاق في الاتفاق الأخير الذي ينص على تشكيل الحكومة، إضافة إلى تشكيل لجنة حوار جديدة تتابع مسألة الاتفاق مع الأمم المتحدة. يجري هذا المخاض وسط ضغوط دولية مكثفة لاعتماد حكومة السراج، في بلاد تواجه خطراً متصاعداً مع سعي تنظيم داعش إلى التوسع والزحف نحو آبار النفط في الأراضي الليبية التي تفتقد لرقابة سلطة مركزية موحدة. ولعل ما قاله وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون قبل بضعة أيام يؤشّر إلى حجم المشكلات، إذ طالب المجتمع الدولي بتقديم الدعم إلى ليبيا، أو بالأحرى دعم السلطة السياسية الجديدة في هذا البلد الذي تمزّقه الحرب الأهلية وبات يقض مضاجع دول كثيرة، وهي تراه مصدراً مقلقاً للهجرة غير الشرعية، فيما تنظيم داعش يتمدد ويزحف نحو حقول النفط. اعتراف ضمني وقد يكون كلام فالون اعترافاً ضمنياً بخطأ ترك هذا البلد يغرق في الحرب الداخلية كل هذه السنوات، بعدما تدخّل الغرب عسكرياً لإسقاط نظامه السابق، ثم تركه يقلع شوكه بيديه. ولم يعد خافياً على كل مراقب للأوضاع أن داعش يضع عينيه على منابع النفط في ليبيا بعد الدمار الذي لحق بقطاع نفطه في سوريا والعراق.. حيث تشير بيانات وزارة المالية الأميركية إلى أن عائدات داعش من النفط السوري والعراقي المنهوب كانت تتراوح ما بين 40 و50 مليون دولار شهرياً، أو 500 مليون دولار سنوياً. قيل هذا الكلام قبل أن تترجم تطلعات داعش إلى محاولات متكرّرة للوصول إلى منطقة السدرة النفطية وأكبرها من حيث الإنتاج، وقبل أن يقدم التنظيم أكثر من مرّة على قصف آبار نفط وإضرام النيران فيها. سؤال قائم وإزاء هذا الواقع، يبقى السؤال قائماً: هل تشكيل حكومة وفاق يمكن أن ينهي الأزمة في ليبيا وينقذها من الفوضى والضياع؟ الإجابة على هذا السؤال تحتاج لمراقبة التطورات اللاحقة، ذلك أن أي حظوظ لنجاح أي اتفاق سياسي في بلد، شبه معدومة، إذا كانت الكلمة في الشارع للميليشيات.. فيما السياسيون بلا أنياب. ولهذا يرى مراقبون أن كثيراً من الدول الغربية يستعجل تشكيل حكومة وفاق، لأن التدخل العسكري الغربي يحتاج إلى أحد شرطين، الأول قرار من مجلس الأمن وهو صعب جداً الآن إن لم يكن مستحيلاً، والثاني تلقي طلب من حكومة شرعية. ومن شبه المرجّح أن يكون توقّع وزير الدفاع الكندي بتدخل عسكري إيطالي في ليبيا قبل حلول الربيع، مستنداً إلى هذا السياق، تدخّل ترفضه تونس والجزائر وتدفع باتجاهه دول غربية كثيرة، من زاوية مصالحها. جنين مشوّه قال عضو مجلس النواب الليبي عصام الجهاني، إن حكومة الوفاق التي أعلن عنها المجلس الرئاسي، والتي استغرقت أكثر من 55 يوماً، مثل عملية ولادة، إلا أنه وصف النتاج بـالجنين المشوه. ولفت الجهاني إلى أن هناك أنباء تفيد بأن أربعة أسماء من أعضاء الحكومة عليهم أحكام قضائية. وأضاف أن هناك الكثير من التحفظات على الحكومة وتشكيلها وخروجها وحالة التوافق حولها من جميع الأطراف. البرلمان الليبي يرجئ التصويت على الثقة بحكومة الوفاق علق البرلمان الليبي المعترف به دولياً أمس، جلسته التي كان من المقرر أن يصوت فيها على منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني، على أن تستأنف اليوم، مطالباً رئيس الحكومة المكلف فايز السراج بالحضور إلى البرلمان. وجاء قرار البرلمان بعدم التصويت على الحكومة أمس على الرغم من الضغوط الدولية المتزايدة والمطالبة باعتماد هذه الحكومة التي أعلن تشكيلتها المجلس الرئاسي المدعوم من الأمم المتحدة قبيل منتصف ليل الأحد / الاثنين. وقال النائب خليفة الدغاري إن سبب تعليق الجلسة يعود إلى رغبة النواب في معرفة برنامج الحكومة، ومناقشة السير الذاتية للوزراء. وتابع أن السراج لم يتواصل بشكل مباشر مع البرلمان، ولذا طالبنا بحضوره. يمكن له أن يطلب تأجيل الجلسة، لكننا نريد أن نراه تحت قبة البرلمان. وكان الدغاري صرح في وقت سابق نريد حلاً سياسياً طبعاً، لكننا غير مقتنعين بعد. إذ إن أسماء الوزراء ترسل إلينا عند منتصف الليل عبر البريد الإلكتروني، ثم يطلب منا التصويت عليها في اليوم التالي. ألا يحق لنا أن نسأل من هم هؤلاء؟ ماذا قدموا؟ على رئيس الحكومة أن يأتي إلى هنا. وأعلن المجلس الرئاسي الليبي قبيل منتصف الليلة قبل الماضية من منتجع الصخيرات المغربي حيث يعقد اجتماعاته، التوصل إلى اتفاق حول تشكيلة حكومة وفاق وطني مصغرة.
مشاركة :