استهل النفط الخام تعاملات الأسبوع الحالي على تقلبات سعرية، تعكس استمرار حالة عدم الاستقرار في السوق، وتجاذب عناصر متضادة التأثير في مستوى الأسعار. وارتفعت أسعار النفط أمس، مواصلة موجة الصعود التي بدأت الأسبوع الماضي بفعل تكهنات بأن منظمة "أوبك" قد تتفق على خفض الإنتاج لتقليص تخمة المعروض العالمي التي نزلت بالأسعار لأدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات. وزاد خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة 46 سنتا إلى 33.82 دولار للبرميل الساعة 1232 بتوقيت جرينتش، وصعد الخام الأمريكي في العقود الآجلة 58 سنتا عن إغلاق يوم الجمعة ليصل إلى 30.02 دولار للبرميل. من جهته، قال لـ"الاقتصادية" سيفين شيميل؛ مدير شركة " في جي إندستري" الألمانية، إن الآمال، ما زالت معلقة في السوق على توافق المنتجين واتخاذ إجراءات عملية فاعلة ومشتركة لاستعادة التوازن وتعافي الأسعار، مشيرا إلى أهمية تصريحات وزير النفط النيجيري الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لـ"أوبك"، وأكد فيها أن مناخ عدم الثقة بين الأعضاء يتراجع، وأن هناك تحولا مستمرا نحو التعاون للقضاء على فائض المعروض النفطي في الأسواق الدولية. وأشار إلى أن إعادة بناء الثقة بين الأعضاء تعتبر الخطوة الأولى والأهم لمواجهة أزمات السوق، وأن زيادة الأعباء على الدول المنتجة قد يدفعها إلى التخلي عن بعض التشدد في المواقف تجاه التعاون وإبداء مرونة أكبر تجاه التعاون لإنقاذ السوق والاستثمارات. من ناحيته، أوضح لـ"الاقتصادية" بن فان بيردن المدير التنفيذي لشركة "شل" العالمية، أن التحديات التي تواجه سوق الطاقة التقليدية حاليا، تتطلب آليات متطورة للتعامل معها، ويجيء في مقدمة تلك الآليات المهمة والعاجلة زيادة الكفاءة، بما يحقق خفض كثافة استخدام الطاقة في الاقتصاد، وإنتاج منتجات أفضل تساعد في تحقيق هذا الهدف. وأضاف، أنه "ليس هناك شك في أننا بحاجة أيضا إلى المزيد من موارد الطاقة المتجددة والى تطوير عمليات استغلالها بالشكل الواسع والفعال، وبما يلبي الاحتياجات المتنامية من موارد الطاقة المختلفة والمتاح منها بالفعل بكثير وأكبر مما تم استغلاله حتى الآن". وأشار إلى أنه في المقابل لا يمكن القول إن الاعتماد على الوقود الأحفوري سينتهي، وهناك حاجة مستمرة إلى الاعتماد عليه في المستقبل ولفترة غير قصيرة، مؤكدا أن كل دول العالم بحاجة إلى الاستفادة من كل المصادر الحيوية للطاقة لتلبية احتياجات مليارات من البشر. وأضاف، أن تحدي خفض الكربون ممكن تحقيقه وليس مستحيلا وهناك عديد من الآليات والتقنيات التي تمكن من تحقيق ذلك وعلى الاستثمارات في صناعة الطاقة التقليدية أن تركز دوما على تطوير تقنيات أفضل وتحديث طرق التقاط الكربون المنتج وتخزينه. بدوره، بين لـ"الاقتصادية" ايفيلو ستويلوف المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، أن كل من احتمال توافق المنتجين حول خفض الإنتاج والتراجع الواسع المتوقع للنفط الأمريكي، بعد استمرار توقف الحفارات يفتحان آفاقا واسعة وآمالا عريضة في تعافي الأسواق في الأمد القريب، لكن يبقى ضرورة التغلب على تأثير العديد من العوامل السلبية التي تجذب السوق في الاتجاه العكسي وتؤخر تعافي الأسعار. وأشار إلى أن أبرز تلك العوامل التي يمكن لو عدلت مسارها أن تسهم في تعافي الأسواق هي المؤشرات الاقتصادية السلبية للصين التي تكافح منذ عدة شهور لتحفيز اقتصادها، من خلال خفض العملة ومحاولة تنشيط التجارة الخارجية والنشاط الصناعي، حيث تعانى بكين موجات حادة من الانكماش والركود الاقتصادي. وأضاف أن تعافي الاقتصاد الصيني سيقلل من حدة المنافسة الحالية على الحصص السوقية، حيث يركز كبار المنتجين على الفوز بحصة كبرى في السوق الصيني الضخم. وأضاف أنه استعادة الصين معدلات النمو المرتفعة، سينعكس فورا على مستويات الطلب العالمي ويدخل الاقتصاد الصيني في مرحلة جديدة من الرواج، ومن ثم قد نشهد تقليل واسع في حدة الفجوة الحالية بين العرض والطلب. وأظهرت بيانات حكومية أمس أن صادرات الصين هبطت 11.2 في المائة في كانون الثاني (يناير) عن مستواها قبل عام كما تراجعت الواردات 18.8 في المائة وكلاهما أسوأ مما كان متوقعا. وانخفضت واردات الصين من النفط الخام 20 في المائة من مستويات قياسية مرتفعة في الشهر السابق. وكانت أسعار النفط في السوق الأوروبية قد ارتفعت في تعاملات مبكرة أمس، بدعم من توقعات تباطؤ إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وتصريحات إماراتية عززت آمال خفض الإنتاج العالمي، وكبح المكاسب مخاوف بشأن الطلب العالمي بعد تراجع واردات النفط إلى الصين الشهر الماضي. وحقق النفط الخام الأمريكي "تسليم" آذار (مارس) يوم الجمعة ارتفاعا بنسبة 6.5 في المائة ضمن عمليات الارتداد من أدنى مستوى في 12 عاما 26.04 دولارا للبرميل المسجل في اليوم السابق، لكنه فقد نسبة أكثر من 6 في المائة على مدار تعاملات الأسبوع الماضي في ثاني خسارة أسبوعية على التوالي، وبالنسبة لعقود برنت "عقود أبريل" حققت ارتفاعا بنسبة 5.5 في المائة يوم الجمعة في ثاني مكسب يومي على التوالي. وفى ثامن انخفاض أسبوعي على التوالي، أعلنت شركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية يوم الجمعة انخفاض منصات الحفر في الولايات المتحدة بمقدار 28 منصة إلى إجمالي 439 منصة الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى في كانون الثاني (يناير) 2010. ويأتي ذلك كعلامة سلبية لعمليات إنتاج النفط الصخري الأمريكي، نتيجة ارتفاع تكلفة الاستخراج مقارنة بالأسعار الرخيصة للخام، وهو ما يدفع الشركات إلى خفض النفقات وتقليل عمليات الحفر والتنقيب. وفقا لبيانات إدارة الجمارك في بكين، انخفضت واردات النفط إلى البلاد بنسبة 4.6 في المائة في كانون الثاني (يناير) إلى نحو 6.3 مليون برميل يوميا، وهو أدنى مستوى في ثلاثة أشهر، بفعل تباطؤ عمليات التكرير داخل البلاد وضعف الطلب، وسجلت الواردات مستوى قياسي عند 7.84 مليون برميل يوميا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 26.74 دولار للبرميل يوم الجمعة مقابل 25.12 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة ارتفع لأول مرة بعد أربعة انخفاضات متتالية سابقة، مشيرا إلى أن سلة "أوبك" فقدت نحو ثلاثة دولارات مقارنة بالسعر الذي سجلته في اليوم نفسه من الأسبوع السابق، الذي بلغ 29.30 دولار للبرميل.
مشاركة :