أعلن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الأحد أنه تم رفع الحجب عن موقع “درب” الإخباري الناطق بلسان الحزب، في خطوة وصفت بـ”الإيجابية” من جانب الحكومة المصرية، معربا عن أمله أن يكون رفع الحجب خطوة أولى تليها خطوات أخرى برفعه عن كل المنصات الإلكترونية المحجوبة لتكون دلالة قوية على الرغبة الجادة في انتهاج نمط مختلف يُعلي من قيمة حرية التعبير ويدعم الشأن الصحفي. وأطلق حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، وهو أحد أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، موقع “درب” منذ نحو ثلاثة أعوام، برئاسة تحرير الصحافي خالد البلشي، نقيب الصحافيين الذي قرر منذ فوزه بمنصبه الشهر الماضي ترك مقعد رئاسة تحرير الموقع ليصبح مستشارا له فقط، وترك للحزب حرية اختيار رئيس تحرير جديد. وتعتمد السياسة التحريرية لموقع “درب” على نقد السلطات المصرية في الكثير من القضايا، على رأسها ملف الحريات وحقوق الإنسان، وطاله الحجب بعد شهر واحد من إطلاقه في مارس 2020، لينضم إلى قائمة طويلة من المواقع الإخبارية المحجوبة، ولا توجد جهة مصرية محددة تعلن مسؤوليتها عن ذلك، وتتهم تقارير حقوقية جهات أمنية بأنها تقف وراء قرارات الحجب لصحف معارضة. وأعلن نقيب الصحافيين خالد البلشي الاثنين الإفراج عن الصحافيين رؤوف عبيد وهشام عبدالعزيز، معربا عن أمله في إنهاء ملف الحبس الاحتياطي. وكشف مصدر إعلامي قريب من الحكومة لـ”العرب” أن هناك اتجاها رسميا للانفتاح على الإعلام الفترة المقبلة، وعزم السلطات على اتخاذ قرارات إيجابية كبيرة في ملفي حجب المواقع المعارضة، وإنهاء ملف الحبس الاحتياطي، والتعاطي بجدية مع مطالب الجماعة الصحافية عقب انطلاق الحوار الوطني، وما يرتبط منها بتعديلات تشريعية تعزز الحريات الإعلامية المنضبطة، والتي تحافظ على الأمن القومي للبلاد. وقال المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن رفع الحجب عن موقع “درب” بداية لحسن النوايا من جانب الحكومة بأنها جادة في دعم الحريات الإعلامية، نافيا ارتباط الأمر بكون نقيب الصحافيين خالد البلشي كان رئيسا لتحرير الموقع، لكنه يتعلق بالتعاطي الجيد مع الحركة المدنية المعارضة، والتي وضعت في قائمة مطالبها حرية الإعلام وإنهاء ملف المواقع المحجوبة كقضيتين مهمتين للإصلاح السياسي. وحسب تقرير سابق لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، لم تلعب الجهات الفاعلة في المجال الإعلامي بمصر دورا في الضغط على أجهزة الحكومة لوقف الإسراف في عملية حجب المواقع الإلكترونية المصرية والعربية والدولية، ومن بين هذه الجهات نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للإعلام ونقابة الإعلاميين والهيئة الوطنية للصحافة، والمجلس الأعلى للإعلام. من غير المتوقع أن يشمل قرار رفع الحجب عن المواقع الإخبارية المعارضة أيّ منصة إلكترونية تابعة أو ناطقة أو داعمة لجماعة الإخوان، لارتباط الأمر في هذه الحالة بالتحريض على الدولة وترويج الشائعات عمدا، وإثارة الرأي العام بنشر الأكاذيب والتركيز على قضايا سلبية لبث الإحباط في نفوس المواطنين وتأجيجهم ضد النظام. وهناك مواقع كثيرة محجوبة في مصر لأسباب مرتبطة بعدم استيفاء إجراءات الترخيص من المجلس الأعلى للإعلام، وبعضها يتعرض لمضايقات ومماطلات غير مبررة من جانب جهات حكومية لعدم منحهم التراخيص المطلوبة لممارسة المهنة في إطار شرعي، وهي ثغرة تبرر بها مؤسسات حكومية توسيع نطاق الحجب والتذرع بأنها تزاول نشاطا إعلاميا بشكل غير قانوني. عع ويخشى حقوقيون أن يكون رفع الحجب عن موقع “درب” على وجه التحديد محاولة لترضية الحركة المدنية المعارضة لدفعها نحو المشاركة في الحوار الوطني، مع تواتر أنباء تشير إلى وجود ممانعات لدى بعض قياداتها الحزبية للتعاطي مع الحوار، ومع ذلك فلا بديل عن وجود مرونة حكومية ترتبط بتقنين أوضاع المنصات الإلكترونية المختلفة، والتي تقدمت بأوراق رسمية ولم يتم البت في طلباتها لأسباب متباينة. وعلى خلاف وجهة النظر هذه، هناك ارتياح لدى أعضاء مجلس نقابة الصحافيين، وتحديدا الأصوات المعارضة فيه، بالإشارات الحكومية الواردة إليهم حول ملف رفع الحجب عن المواقع المعارضة، وروّج أحدهم أن التعاطي الجديد من جانب دوائر رسمية مع مطالب الجماعة الصحافية في ملف الحريات يعكس النية لمزيد من الانفتاح على الإعلام وفتح المناخ العام. قال هشام يونس وكيل نقابة الصحافيين لـ “العرب” إن رفع الحجب عن مواقع صحافية وإطلاق سراح عدد من أبناء المهنة المحبوسين على ذمة قضايا إشارة إيجابية للغاية من الدولة تعكس وجود توجه نحو التقدم إلى الأمام على مستوى الحريات، وخطوة “درب” تعبر عن التقاط جيد وواع لنتائج انتخابات نقابة الصحافيين الأخيرة، التي نجح فيها مرشح المعارضة على حساب مرشح الحكومة. وتخوفت شريحة في الجماعة الصحافية من ردة فعل السلطة تجاه فوز خالد البلشي بمنصب نقيب الصحافيين مؤخرا لكونه معارضا يساريا شرسا للحكومة، وله مواقف صارمة ضد كل ما يتعلق بتكميم الأفواه والتضييق على الإعلام وحجب المواقع ومطاردة أبناء المهنة، وحبس بعضهم، لكن الانفتاح الذي حدث معه كان مفاجأة للجميع، ويوحي للكثيرين أن هناك تغييرا حقيقيا لدى السلطة في نظرتها إلى الإعلام. وأصبحت هناك اتصالات مباشرة مع نقيب الصحافيين في ملف الحبس الاحتياطي لبعض أبناء المهنة من المعارضين، إضافة إلى مشاورات مرتبطة بقضية حجب المواقع الإخبارية والتشريعات المطلوب إقرارها أو تعديلها، بما يضمن حرية الرأي والتعبير، وهو ما لم يكن يحدث بنفس الجدية من قبل، حيث عاشت النقابة فترة خمول كادت تقضي على تاريخها المهني، كقلعة صامدة للحريات. ورأى هشام يونس في تصريح لـ”العرب” أن المهنة أكثر المستفيدين من رفع الحجب عن المواقع المحجوبة، حيث يعزز فكرة التنوع الذي يجب أن تتسم به الساحة الإعلامية بمصر، فلا يُعقل أن يظل الإعلام في اتجاه واحد مع وجود اتهامات لجهات بعينها باحتكار العمل الإعلامي، لذلك فرفع الحجب عموما ضمان للتنوع الإعلامي. وتشير بعض المستجدات على الساحة الصحافية في مصر إلى وجود قناعة حكومية بأن الاستمرار في معادة الصحافيين والتضييق على الإعلام لن يجلب لها سوى المزيد من المنغصات السياسية، مع أن الدولة قوية ومستقرة ولا حاجة لكل هذه القيود المفروضة، ومن غير المنطقي أن يكون هناك حوار لدعم الإصلاح الشامل بلا قرارات تضمن استقلالا نسبيا في مجال الإعلام، لأن حرية الرأي والتعبير عنه بداية لإصلاحات سياسية حقيقية.
مشاركة :