القمر له قصص قديمة عابرة للثقافات التي تصوره بطرق مختلفة

  • 5/4/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يقدم كتاب “في التاريخ والأساطير وأثره على النساء” للباحث والكاتب الألماني بيرند برونر تاريخا موجزا للآثار التي تركها القمر في المخيلة الإنسانية. فيوضح لنا تصورات الثقافات والأساطير المختلفة عن القمر، حتى استنهض القمر طموح الناس ودفعهم للقيام باختراعات كان لها تأثير واسع النطاق. حيث نتعرف على استخدام الناس للقمر من أجل تشكيل بنية الوقت وأولى خرائطه التي رسموها له. وكيف قاموا بشرح أصله ونشأته وتأثيره على الطبيعة وعلى النساء بشكل خاص، فنعرف علاقة القمر بحالتهن المزاجية وسلوكهن وكيف يمكنه أيضا أن يحدد لهن مجرى حياتهن. ويطرح الكتاب العديد من الأسئلة مثل ما هي العلاقة الغريبة بين أطوار القمر والنساء؟ وهل يمكن لضوئه أن يحدث تغييرات بيولوجية لهن؟ وهل يمكن لاكتمال القمر أن يتحكم في كل ما يتعلق بالحياة اليومية، كقص الشعر وحتى موعد الولادة؟ كما نتعرف أيضا كيف تخيل العلماء والكتَّاب وصانعو الأفلام الحياة فوق سطح القمر. ولماذا ما زال بعض البشر يفترضون أنه لم يحدث أن هبط الإنسان على سطحه وأنَّ الهبوط عليه كان مشهدا مدبرا، على الرغم من تعدد برامج رحلات وكالة ناسا للقمر. حكايات القمر هه يقول بيرند برونر في كتابه، الصادر عن دار العربي بترجمة هبة شريف أستاذ الأدب المقارن، إن أساطير الشعوب تعكس كما يعكس التاريخ أيضا براهين عديدة على المشاعر الجارفة التي كان جمال القمر المكتمل يستدعيها. كان القمر هو الخلفية التي دارت فيها الكثير من الأحداث المقدسة: زواج الآلهة، والتنصيب على العرش، وممارسة طقوس الرقص. ويعتقد الناس أنّ مؤسس البوذية سيدهارتا جوتاما، قد نال نور البصيرة وهو جالس في ضوء القمر تحت إحدى الأشجار. وكانت بعض الثقافات تسمح في ليالي القمر المكتمل بسلوكيات لا يقبلها المجتمع عادة في الأوقات العادية. فقد كان على الشامان من شعب “التشوكشي” الذين يعيشون في شمال شرق سيبيريا أن يتعروا تحت ضوء القمر حتى يحصلوا على قوى سحرية. ويقول مؤرخ الأديان السويدي مارتين ب. نلسون إنّ “نصف أفريقيا كانت ترقص تحت ضوء القمر في الليالي التي يكون فيها القمر بدرا”، وقد يكون من الصعب قبول هذا الافتراض بلا نقاش، ولكن من ناحية أخرى، فهناك من شهد شباب وبنات “الشونا” – إحدى الجماعات العرقية التي تسكن اليوم في زيمبابوي – وهم يتمايلون على صوت الطبول والشخاليل تحت ضوء القمر المكتمل. يتساءل الكاتب كيف ومن أين نبدأ، إذا كان علينا ألا نفترض أي شيء؟ ويقول “لنبدأ بتخيل الشمس والقمر، وهما أكثر الأجرام السماوية التي تشع ضوءا. فإذا تتبعنا مسارهما في السماء عبر تغير الليل والنهار، لاعتقدنا أنّ القمر يحل محل الشمس في الليل. ولهذا فلن يدهشنا أبدا أنّ القمر والشمس كانا عنصرين أساسيين في الأديان القديمة. وكان الكثير من الأديان القديمة – وفق ما نعرفه اليوم عنها – تعدهما أهم الآلهة. كيف كان الناس يفهمون العلاقة بين أهم فاعلين في السماء؟ في القصص القديمة العابرة للثقافات والحدود نجد أنّ الناس كانوا يسبغون عليهما تصوراتهما البشرية: فكان القمر والشمس أخا وأختا أو زوجين غير مناسبين لبعضهما بعضا ويتشاجران كثيرا. في نصوص الـ”ريجفدا” الهندوسية المقدسة، والتي يعود تاريخها إلى أربعة آلاف عام، نجد أغنية تمدح زفاف إله القمر بإلهة الشمس. وفي منطقة البروفنس في العصور الوسطى كان يهود مدينة أفينيون يعدون القمر شمسا قذرة أو شريرة. وفي بعض الثقافات، خاصة في المناطق الدافئة من العالم، مثل الهند وبلاد الرافدين ومصر – حيث أعد الناس الشمس عدوانية أكثر من كونها واهبة للحياة – كان القمر مثار إعجاب الناس ويتوجهون له بالصلاة، وبالتالي فقد نال نفس الأهمية التي كانت للشمس على الأقل. ومن الواضح أنّ الناس في المناطق التي تقع عند خطوط العرض معتدلة المناخ كانوا يدركون منذ قديم الزمن أنّ حرارة الشمس هي أهم عنصر لحياة ونمو النباتات وتغير الفصول، ولهذا ربط الناس في تصوراتهم بين القمر والبرودة والظلمة. وقد أسهم العلم كما أسهم الدين على مر العصور في زيادة إيمان البشر بأنّ الشمس أكثر أهمية من القمر، فقد اكتشف علماء الفلك أنّ ضوء القمر ما هو إلا انعكاس لضوء الشمس، وجاءت المسيحية بالاعتقاد في الإله المتعالي الذي يرمز إليه بأنه “النور الحق” و”شمس العدل”. وبالرغم من فقدان القمر لأهميته بهذه الطريقة، فإنّ القمر كان يبدو أنه مناسب للمعايير البشرية أكثر من أشعة الشمس الجبارة. ويحكي برونر أن الناس كانوا يرون في القمر وجه إنسان، ومن هنا نشأت القصص العديدة التي انتشرت عن القمر. تحكي إحدى الأساطير الألمانية عن رجل ذهب إلى الغابة ذات يوم أحد من أجل جمع الحطب، في حين أنّ يوم الأحد كان يفرض فيه عدم العمل. فعوقب الرجل بإرساله إلى القمر ومنذ ذلك الوقت يستطيع الناس رؤيته هناك ليمثل لهم تحذيرا بأن يلتزموا الراحة في يوم العطلة. ويقص شعب الماوري، وهم السكان الأصليون في نيوزيلندا، قصة ترمز إلى أثر القمر في الأمطار والمياه الموجودة على الأرض. ويرون أنّ سطح القمر يعكس شكل امرأة تحمل دلوا. إنها “رونا”، ابنة إله البحر “تانجروا” وكانت وظيفتها هي مراقبة حركة المد والجزر. وفي إحدى الليالي ملأت “رونا” دلوا مليئا بمياه النهر وحملته إلى أطفالها في البيت، وفي الطريق سادت الظلمة فجأة، واختفى القمر خلف السحاب. ولكن “رونا” أكملت سيرها في إصرار، فتعثرت في جذور إحدى الأشجار، وندت عنها ملاحظة عدائية تجاه القمر. هنا ثأر منها القمر، فأمسك بها وسحبها إلى السماء. ولهذا يقول الناس هناك لبعضهم بعضا عندما تمطر السماء: إنّ “رونا” تسكب الماء من الدلو الذي تحمله. ويؤكد برونر أن القمر يحتل مكانا ثابتا في خيال العديد من الثقافات، بالإضافة إلى ذلك فالناس يعدونه أحيانا كائنا حيّا وله علاقة بحيوانات بعينها. ولأننا لم نجد كتابات مدونة فإننا مضطرون للاعتماد على الرموز والصور التي نفهم منها الدور الذي يمكن أن يكون القمر قد لعبه في الماضي. أحد هذه الأمثلة هو صورة “فينوس فون لوسل”، والتي يبلغ عمرها خمسة وعشرين ألف عام، وقد وجدت هذه الصورة محفورة في الحجر الجيري في مدخل أحد الكهوف في إقليم “دوردني” الفرنسي. تعكس الصورة امرأة عارية تحمل في يدها اليمنى شيئا يمكن أن نعتبره قرن ثور أو هلالا. والصورة بها ثلاثة عشر شقا محفورا يمكن أن يرمز مجموعها إلى عدد الشهور القمرية (والدورة الشهرية النسائية) في العام، خاصة وأنّ المرأة تشير بيدها اليسرى إلى رحمها. ويرى أن للأساطير المرتبطة بالقمر تأثيرا متناقضا غالبا: فهو في الأساطير مصدر للتجديد، ولكن ينظر إليه في الوقت نفسه كسبب محتمل للموت. مثل هذه التفسيرات الكئيبة نجدها عند شعوب مختلفة: فالقمر يعد بالنسبة إلى الشعب الماوري “آكلي لحوم البشر”. والتتار الذين يعيشون في جماعات منتشرة في مناطق واسعة في آسيا الوسطى يتصورون أنّ فوق القمر عملاقا يلتهم إنسانا. أما شعب التوبي، وهو أحد أكبر المجموعات العرقية التي كانت موجودة في البرازيل عندما استعمرتها البرتغال، فكان يعتقد أنّ كلّ التأثيرات الطبيعية المشؤومة والرعد والفيضانات تحدث بسبب تأثيرات القمر. وهناك تصور شائع منتشر أيضا يرى أنّ الإنسان عندما يموت، فإنه يصعد إلى السماء، ويعد القمر أول مرحلة في صعوده، كأنه معبر أو منطقة انتقالية. ووفقا لكتاب “الأوبانيشاد”، وهي نصوص هندوسية قديمة، نجد أنّ الشخص الميت أمامه طريقان مختلفان. والطريقان يمران بالقمر، ولكن أحدهما يعود به مرة أخرى إلى الأرض، بينما يصل به الطريق الثاني إلى الشمس حيث يمكن أن يتحد مع البراهما، أي روح العالم. ويعد الوصول إلى الشمس نهاية دورة ميلاد الإنسان من جديد. ولهذا فإن القمر يمكن أن يعد بوابة لعالم آخر، أو حلقة وصل بين الأرض والشمس، أو معبرا لعالم الخلود. ويوجد في بعض الأديرة البوذية بوابات القمر، وهي ممرات دائرية داخل سور من الأسوار وتعد بابا ينقلنا إلى واقع آخر. مؤنث ومذكر عع يلفت برونر إلى أن العديد من الشعوب ترى أنّ القمر مذكر، هذا ما تعتقده شعوب مثل “الأينو” والأرمن والسكان الأصليين في أستراليا وشعب البلطيق والباسك والفنلنديين والألمان والهندوس واليابانيين وشعب جزيرة ميلانيزيا والمنغوليين والهنود الحمر الذين يسكنون شمال غرب المحيط الهادئ. وتصف بعض القصص السلافية القمر بأنه “الأب” أو “الجد”. وفي الأماكن التي يعد الناس فيها القمر مذكرا تصبح الشمس مؤنثة. كما أنّ القمر ظلّ في اللغة الإنجليزية مذكرا حتى القرن السادس عشر. ولكن كانت للقمر في العديد من الحضارات الأخرى صفات أنثوية، ولكننا لا بد أن نأخذ في اعتبارنا أنّ الاختلافات بين المؤنث والمذكر لم تكن دائما اختلافات قوية، كما لم تكن الحدود بين المؤنث والمذكر واضحة تماما. كانت الكلمة التي تعبر عن القمر في الهند مؤنثة، ومشتقة من نفس جذور كلمات “الأم” و”الروح”، ولكن أعطى الهنود القمر شكل “التشاندرا”، أي الإله الذي يحمل أرنبا. وما زال اسم “تشاندرا” يستخدم للبنات والأولاد، ويعتمد استخدامه مذكرا أو مؤنثا على طريقة نطقه وعلى الاسم الآخر المرتبط به. وفي شبه القارة الهندية يربط الناس بين القمر والرقة والهدوء، وتحلم الفتيات بالقمر ويؤكدن على حبهن له. ووفق ما استعاده الكاتب من معلومات، فإنّ الآلهة الأم في العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث كانت آلهة مرتبطة بالقمر وبالأرض. وكانت للمصريين القدماء أساطير عن الخصوبة مرتبطة بالقمر. فكانوا يقدسون “إيزيس” التي ولدت “حورس” إله السماء. وكان الإله المصري “تحوت” مرتبطا أيضا بالقمر. أمّا الإله “سين” فكان إله القمر البابلي وكان حارس المدينة المقدسة أور. ويقول إن الأساطير الإغريقية القديمة تربط بين القمر والإلهة “سيلين”، كما تربط أيضا بين القمر والإلهة “أرتميس” والإلهة “هيكاتي”. تعني كلمة “سيلين” القمر، وهي في ذات الوقت أصل مصطلحات عديدة مثل “السيلينوغرافيا” (رسم خرائط القمر)، ومصطلح “السيلينيوم”، وهو أحد العناصر الكيميائية.. وفي الأساطير الرومانية كانت الآلهتان “لونا” و”ديانا” ترمزان إلى القمر، ولهذا فإنّ القمر في اللغات الرومانية مؤنث في العادة. وفي المقابل، فإن إله القمر “ماني” لدى الشعوب الشمالية المانوية مذكر. ويوضح أن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تستند إلى سفر التكوين وإلى أعمال “أرسطو” في نظرياتها عن الكون، ووفقا لهذه النظريات، فإنّ الكون كان مقسما بين مجالات سماوية وأخرى أرضية. ويقال إنّ القمر – “وهو نور صغير يحكم الليل” (تكوين 1 – موسى) – ظهر في اليوم الرابع من عملية الخلق، وينتمي إلى المجال السماوي، ويعد لهذا السبب إلهيّا وقوامه من الأثير، وهو العنصر الخامس وجوهر كل شيء. ثم تطورت الأساطير القديمة المرتبطة بالظواهر الطبيعية داخل العقيدة المسيحية واتخذت أحيانا شكلا آخر. وكانت لربط مريم العذراء بالقمر نتائج واسعة النطاق، فالقمر، مثله مثل مريم أم الإله، يجب ألا يكون هو مصدر النور، ويجب أن يكون خاليا من الشوائب. بالرغم من أنّ التقدم في علوم الفلك قد أثبت الشرط الأول وهو ألا يكون القمر مصدر النور، فإنّ الشرط الثاني أصبح تحديا أمام الرؤية المسيحية، عندما أثبت عالم الفلك جاليليو جاليلاي أنّ سطح القمر ليس متساويا بدرجة كبيرة. لكن لم يكن لهذا الاكتشاف أي أثر سلبي في العلاقة بين مريم العذراء والقمر كما توضح ذلك العديد من الصور حتى اليوم والتي تظهر فيها مريم العذراء وهي جالسة فوق الهلال.

مشاركة :