الصراع في السودان يعمّق جراح الاقتصاد ويؤزم الأوضاع المعيشية

  • 5/4/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الخرطوم - عمّقت الحرب الدائرة في السودان متاعب اقتصاد البلد المنهك، إذ تسبب الصراع في شلل التجارة الداخلية مهددا الواردات، فيما ينذر تواصله بمزيد تأزّم الأوضاع المعيشية المتدهورة منذ سنوات بفعل التضخم المرتفع وتراجع قيمة العملة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى وبنوك ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. وحتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل/نيسان، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019. وفر عشرات الآلاف حتى الآن من العنف في الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان المجاورتين، بينما يحتمي ملايين آخرون في منازلهم مع توالي القصف والضربات الجوية على الأحياء السكنية. وتباطأت حركة نقل البضائع والأشخاص إذ تجوب قوات وأحيانا عصابات الشوارع. ولم يعد بالإمكان الاعتماد على شبكات الاتصالات ويقول البعض إنهم بدأوا في تحديد حصص الطعام والمياه. وقال إسماعيل الحسن الموظف بإحدى الشركات في الخرطوم "نحن خائفون ونعاني من ارتفاع الأسعار ونقص السلع ونقص الرواتب. هذه حرب على المواطنين". ويعد السودان بالفعل مُصدرا مهما للصمغ العربي والسمسم والفول السوداني والماشية ولديه الإمكانيات لأن يكون مصدرا رئيسيا للمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية ومركزا للخدمات اللوجستية. لكن الاقتصاد تعثر بسبب عقوبات وعزلة دولية فرضت على مدى عقود فضلا عن الفساد المستشري. ويعاني معظم السودانيين من التضخم المرتفع والانخفاض الحاد في قيمة العملة وتدهور مستويات المعيشة منذ سنوات طويلة. ويعتمد حوالي ثلث سكان السودان البالغ عددهم الإجمالي 46 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية. وأعاق الصراع التدفقات التجارية من وإلى الدولة الواقعة في شرق أفريقيا بسبب مركزية الإجراءات المصرفية والجمركية في الخرطوم. وبينما يستمر الميناء الرئيسي للبلاد على البحر الأحمر في العمل، أعلنت شركة شحن كبيرة واحدة على الأقل، وهي شركة ميرسك، أنها أوقفت تلقي حجوزات إلى هناك حتى إشعار آخر. وقال تاجر مقره الخرطوم إن وصول واردات القمح الضرورية للأمن الغذائي في السودان أصبح أكثر صعوبة. وقال علاء عز الأمين العام للاتحاد العام للغرف التجارية المصرية إن واردات السودان من السلع المعمرة مثل الثلاجات عبر الحدود البرية مع مصر تباطأت أيضا. وفرّ إلى مصر عشرات الآلاف من السودانيين. وذكر ميشيل سيدهم مدير سلسلة التوريد في شركة للتجارة تعمل في مصر والسودان إن أعمال الشركة في السودان "توقفت تماما" مع توقف تصدير الأسمدة والدقيق (الطحين) من مصر بكميات كانت تبلغ عادة حوالي عشرة آلاف طن شهريا لكل منهما. وقالت مصر، ثاني أكبر مستورد للماشية السودانية، إنها تتطلع إلى تنويع مصادرها منها نتيجة الاضطرابات. ويقول سيدهم إن التجار المتعاملين مع شركته في السودان غادروا الخرطوم ولا يوجد سائقون على استعداد للمخاطرة بنقل بضائعهم إلى العاصمة، مضيفا "قالوا إحنا قفلنا وسيبنا الخرطوم لحين إشعار آخر، لأن إللي قاعد في الخرطوم قاعد في ساحة قتال". وروى سكان في الخرطوم عن نقص في بعض المواد الغذائية الاستهلاكية مثل الطحين والخضروات إضافة إلى ارتفاع الأسعار. واصطفت طوابير طويلة أمام المخابز والمتاجر في العاصمة. وقفز سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الضأن نحو 30 في المئة إلى 4500 جنيه سوداني (7.52 دولار) كما تضاعف سعر كيلوجرام الطماطم (البندورة) إلى ألف جنيه سوداني (1.67 دولار). ويرى صاحب سوبر ماركت في أم درمان أن سبب التضخم هو ارتفاع أسعار الوقود بالسوق السوداء. وقد يصل سعر الجالون من الوقود الذي شح إلى 40 ألف جنيه سوداني (67 دولارا) حاليا ارتفاعا من ألفي جنيه سوداني (3.34 دولار). وقال جزار في أم درمان إن الطلب منخفض حتى في الأماكن التي خف فيها القتال لأن السكان غادروها، في حين انخفضت قيمة الجنيه السوداني بنحو 600 في المئة مقابل الدولار منذ 2018 مما دفع كثيرين إلى ادخار أموالهم بالدولار. ويواجه التجار في الخرطوم أزمة سيولة نقدية ويعتمد الناس بشكل متزايد على تطبيق "بنكك"، الذي يعتمد على فتح محفظة إلكترونية لدفع الفواتير، لكن هذه الخدمة غالبا ما تشهد انقطاعات. وشهدت السوق السوداء تقلبات غير معتادة مع سعى أقارب مغتربين لبيع الدولار عبر تحويلات من خلال تطبيق بنكك لذويهم في السودان، بينما يسعى المقيمون داخل البلاد للحصول على دولارات كادخار آمن. ويعرض تجار العملة بيع الدولار بأسعار تصل إلى 700 جنيه سوداني (1.17 دولار) بينما يشترونه بسعر يقل عن 300 جنيه سوداني (0.5014 دولار) مع تفاوت الأسعار بشكل كبير في ظل زيادة صعوبة النقل والاتصالات. وقال بنك السودان المركزي الأحد إن بنوكا خارج العاصمة تجري معاملات سحب وإيداع. أما في الخرطوم، فقد تبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات بنهب البنوك. وقال رئيس أحد البنوك إنه يحاول نقل مقر البنك مؤقتا إلى خارج الخرطوم. وقال مسؤول تنفيذي آخر إن الإصلاحات الاقتصادية والانقلابات والاحتجاجات على مدى سنوات "هي التحدي الأكبر الذي يواجه النظام المصرفي ويهدد بإغلاق شبه كامل". وشوهدت حشود في مدينة عطبرة بشمال شرق الخرطوم تقف أمام البنوك التي فرض بعضها حدا أقصى للسحب. وتحدث الحسن من الخرطوم قائلا "السيولة النقدية التي معي نفدت ولم أتقاض راتبي والتطبيقات المصرفية لا تعمل".

مشاركة :