تفاجأ المتابعون بحضور من كان يصفهم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بـ”الخبارجية” (المخبرين)، في تصريحات متعددة، ويقصد بذلك صحافيين معارضين ينفذون أجندات خارجية، في الاحتفالية التي نظمتها رئاسة الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، بالموازاة مع تدحرج البلاد في التصنيف الأخير لحرية التعبير، وتواجد الصحافي إحسان القاضي في السجن منذ عدة أشهر. وحضرت العديد من الوجوه الإعلامية التي طالتها تهم “العمالة” و”خدمة الدوائر الأجنبية”، في الاحتفالية التي نظمتها رئاسة الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، على غرار مراسل منظمة “مراسلون بلا حدود” الصحافي خالد درارني، الذي سجن في وقت سابق بسبب إصراره على تغطية فعاليات الحراك الشعبي، بينما اتهمته السلطة بتلقي أموال أجنبية لخدمة قوى معادية للبلاد. وبات مصطلح “الخبارجي” (المخبر)، يتردد على لسان الرئيس الجزائري في أكثر من مناسبة لمّا يتعلق الأمر بالرد على وضعية بعض الصحافيين والمراسلين الأجانب العاملين بالجزائر، وتكرره مختلف الدوائر السياسية والإعلامية الموالية للسلطة. واعتبر مصطلح “الخبارجي”، الذي أطلقه لأول مرة لمّا سئل عن سجن مراسل منظمة “مراسلون بلا حدود” خالد درارني، تزكية غير مباشرة من الرجل الأول في الدولة لجهاز القضاء من أجل إسقاط عقوبات قاسية ضد من سجنوا من إعلاميين ومدونين لأسباب مختلفة. وظهرت العديد من الوجوه المغضوب عليها في المجال الإعلامي، في الاحتفالية، الأمر الذي فتح المجال أمام تأويلات مختلفة تتمحور حول سيناريو مصالحة خاصة بين السلطة ورجال الإعلام المناوئين لها أو المحسوبين على السياسة السابقة. وتزامنت الاحتفالية مع الكشف عن تدحرج تصنيف الجزائر في سلم الحريات الإعلامية الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، حيث أصبحت تحتل المرتبة الـ138 من ضمن 180 دولة، بعدما كانت تحتل المرتبة الـ136. ويرى عاملون في الإعلام الجزائري أن الصحافة الجزائرية تعيش أسوأ مراحلها، فحتى خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، الذي أطاح به الحراك الشعبي في مايو 2019، كان هناك هامش من الحرية، بينما يجري غلق جميع منافذ التعبير الحر في المرحلة الحالية، بشهادة منظمات وهيئات إقليمية ودولية، حذرت أكثر من مرة السلطات الجزائرية من الإفراط في قمع الحريات الصحافية. ولا يزال الصحافي وهو مؤسس ومدير إذاعة “راديو.أم” إحسان القاضي يقبع في السجن منذ عدة شهور، وقد حكم عليه بخمس سنوات سجنا، منها ثلاث سنوات نافذة، في انتظار استئناف الحكم في الحادي والعشرين من مايو الجاري، وقد عبر القاضي أمام المحكمة عن أسفه “لكون الرجل الأول (الرئيس عبدالعزيز تبون) في الدولة صار خصمه أيضا بعدما وصفه في الإعلام بـ’الخبارجي"”. كما تعرض العديد من الصحافيين والمدونين إلى السجن والملاحقات الأمنية، حيث يقبع حاليا مصطفى بن جامع في سجن قسنطينة بتهمة مساعدة الناشطة السياسية المعارضة الفرانكوجزائرية أميرة بوراوي، على الفرار إلى تونس عبر المعبر الحدودي لأم الطبول، وهو ما نفته المعنية والصحافي المسجون. لكن في المقابل، عبّر وزير الاتصال الجزائري محمد بوسليماني عن عزم بلاده على ترقية مهنة الصحافة وحماية الصحافي في إطار أخلاقيات المهنة التي تسمو على المزايدات والمغالطات والولاءات المشبوهة، في الكلمة التي ألقاها في احتفالية اليوم العالمي لحرية الصحافة. وذكر أن “الجزائر تؤكد دعمها لنضالات كافة الصحافيين الأحرار وكافة الأحرار في العالم وتجدد عزمها على ترقية المهنة وحماية الصحافي في إطار أخلاقيات المهنة التي تسمو على المزايدات والمغالطات والولاءات المشبوهة، وأن رئيس الجمهورية وضع مسألة تكريس الحريات ضمن أولويات الدولة، من خلال الاهتمام الذي يحظى به قطاع الإعلام ومهنة الصحافة، وهو ما يعكسه دستور 2020 والإصلاحات القانونية وتعزيز المنشآت المؤسساتية وتكوين المورد البشري”. وأضاف “اليوم العالمي لحرية الصحافة يعد مناسبة هامة تستوقفنا عند تضحيات السلف من الإعلاميين الرواد الذين سخروا المهنة فداء للجزائر طيلة سنوات المقاومة الوطنية، وإبان الثورة التحريرية المباركة ضد الاستعمار الغاشم، وأن الصحافيين كانوا ضمن طلائع القوى الوطنية التي تصدت للإرهاب وساهمت في حماية الخيار الديمقراطي والطابع الجمهوري للدولة، التي تظل واقفة وتمضي بثبات نحو التطور”. وتعتبر الاحتفالية الضخمة التي نظمتها رئاسة الجمهورية للعاملين في القطاع من الجزائريين والأجانب، هي الأولى من نوعها في تاريخ تقاليد السلطة الجزائرية، لاسيما وأن الحضور الرسمي للحكومة وللمؤسسة العسكرية كان لافتا، وقد أوحى بأن السلطة تريد رسم معلم جديد في علاقتها مع الإعلام. غير أن متشائمين في المشهد الإعلامي الجزائري أعطوا الانطباع بأن اللقاء هو أسفين جديد دق في نعش الإعلام الجزائري، فقد حضرت التشريفات والمجاملات وغابت المطالب النضالية من أجل الحريات والإستراتجيات الحقيقية للنهوض بقطاع بات يسوق صورة مشوهة عن صورة البلاد بسبب رداءته وأحادية خطه. واكتفى مراسل منظمة “مراسلون بلاد حدود” خالد درارني بتسليم ظرف للرئيس تبون، في لقاء نادر بين الرجلين منذ سنوات وصورة تداولتها مختلف الدوائر السياسية والإعلامية، لحديث هامشي بين رئيس كان يتهم خصمه بالعمالة، وبين صحافي ظل يعتبر أن رئيس الدولة هو خصمه الأول، وتضمن الظرف رسالة حول وضعية القطاع المتدهورة بما فيها حالة الصحافي السجين إحسان القاضي. لكن بوسليماني له رؤية أخرى عبر عنها بالقول “إرساء المنظومة القانونية اللازمة وتطوير أجهزة العمل القائمة على الرقمنة من شأنهما تفعيل رسالة الصحافة الوطنية في مواجهة الدخلاء على المهنة وأصحاب المواقع الإلكترونية والأرضيات المأجورة والجهات العدائية الحاقدة، وأن هؤلاء يرصدون أموالا طائلة لتشويه صورة الجزائر التي تمكنت في ظرف وجيز من تحقيق مكاسب وطنيا وإقليميا ودوليا”. وتسيطر على المسؤولين الجزائريين نظرية مفادها أن البلاد تواجه “مؤامرة من الخارج تتضمن موجة التدفقات الإعلامية الخارجية لإحباط معنويات الجزائريين والمساس بمصداقية مؤسسات الدولة الأكثر حساسية”.
مشاركة :