ترك قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس بإعلان رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية على غرار رأس السنتين الهجرية والميلادية ارتياحا واسعا لدى الفعاليات السياسية والمدنية، وتم اعتباره مقدمة للمزيد من المضي في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في كل مجالات الحياة. وتأتي هذه الخطوة لتأكيد المكاسب التي حصل عليها الأمازيغ بالمغرب في مقابل أوضاع مختلفة للأمازيغ في دول مغاربية أخرى مثل الجزائر إذ ما زالوا يكافحون لتحسين أوضاعهم والاعتراف بهم قانونيا وفعليا على أرض الواقع وأعلن بلاغ للديوان الملكي في المغرب أن الملك محمد السادس أصدر قرارا باعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية. وقال البلاغ إن القرار الملكي يأتي تجسيدا للعناية التي يوليها الملك محمد السادس للأمازيغية “باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية”. والقرار استمرار لما كان أعلن عنه الملك محمد السادس في خطابه بأجدير قرب الحسيمة في شمال المغرب يوم 17 أكتوبر 2001، حين قال ”ولأن الأمازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية، وتراث ثقافي زاخر شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية؛ فإننا نولي النهوض بها عناية خاصة في إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية”. وجاء القرار الملكي استكمالا لخطوات سابقة تم اتخاذها لفائدة الأمازيغ انطلقت منذ سنة 2001 من خلال تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذلك إطلاق القناة الامازيغية سنة 2010، ودسترة الأمازيغية سنة 2019. وأكد عمر إسرى رئيس منظمة “جيل تمغربيت” في تصريح لـ”العرب” أن “القرار سيساهم في تحصين الهوية الموحدة التي نطلق عليها ‘تمغربيت’ الجامعة المانعة، مع سقي مختلف جذورها ومكوناتها والأبعاد العربية الإسلامية والأمازيغية والمكون اليهودي ومختلف روافد ثقافتنا التي نفتخر بها جميعا، مع الرافد الحساني دون نسيان عمقنا الأفريقي”. وتوجه الخطوة المغربية في إقرار عطلة سنوية أمازيغية تحديا لدول الجوار المغاربي وخاصة الجزائر التي ما يزال المكون الأمازيغي فيها يكافح لتحسين مكاسب عملية بعيدا عن الوعود والشعارات السياسية. يضاف إلى ذلك حالة العداء المعلنة من النظام تجاههم خوفا من النزعة الانفصالية الآخذة في التوسع بسبب غياب العدالة بين المكونات الاجتماعية والعرقية. وظلت منطقة القبائل شرق الجزائر لعقود تناضل لترسيخ هويتها الأمازيغية، وظهرت أصوات تدعو إلى الانفصال خاصة بعد أن فشل خيار الحوار مع السلطة في جلب مكاسب جدية لمنطقة تريد أن تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي بسبب خصوصيتها التاريخية ودورها في معركة التحرير الوطني. وشهدت المنطقة أحداثا كثيرة جعلتها تتميّز بصفة “المعارض الأبرز” للسلطة، وكان أبرزها أحداث الربيع الأمازيغي في العشرين من أبريل 1980، واحتجاجات 1990 وما تبعها من امتناع سكان المنطقة عن إرسال أطفالهم إلى المدارس وصولا إلى المسيرة الكبرى باتجاه العاصمة مشيا على الأقدام، للمطالبة باعتراف صريح باللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور. ويرى مراقبون أن الخطوة المغربية بإقرار عطلة سنوية أمازيغية ستحرك المياه الراكدة في الجارة الشرقية، وتدفع إلى تجدد المطالب بتعامل عادل مع بقية المكونات. وأكد الباحث المغربي في العلوم السياسية والدستورية هشام عميري في تصريح لـ”العرب” أن إعلان رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية سيزيد من التلاحم بين مكونات الشعب المغربي، وبالتالي سيساهم في الحد من ظهور بعض الجبهات المعارضة، وهي الجبهات التي تعاني منها العديد من الدول العربية التي لم تتصالح سياسيا واجتماعيا وهوياتيا مع تنوع مكوناتها. وتفاعلت المكونات المدنية والسياسية في المغرب مع القرار الملكي. وأكد حزب الحركة الشعبية أنه يتطلع إلى أن يتم التجاوب مع القرار من خلال “التنفيذ والتنزيل الحقيقيين للقانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في كل مجالات الحياة”، داعيا إلى “اعتماد سياسات عمومية مبنية على العدالة المجالية ومنسجمة مع إيلاء اللغة والهوية الأمازيغيتين مكانتهما”. وأكد حزب التجمع الوطني للأحرار حرصه على “المساهمة في مسار تنزيل كل الإجراءات المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، ومشددا على أن “إنجاح مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يستوجب انخراط جميع القوى الحية”. ونوّهت جبهة العمل الأمازيغي بالعمل المتواصل للملك محمد السادس على تحصين الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وطنية باعتبارها رصيدًا مشتركًا لكل المغاربة، وبالالتزام المسؤول الذي أبانت عنه الحكومة في مسار إرسائه عبر عدة إجراءات عملية بدءًا بتخصيص صندوق لهذا الغرض وكذلك وضع إستراتيجيات قطاعية سيكون لها بالغ الأثر مستقبلًا في رد الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغيتين. وترتبط السنة الأمازيغية بالحياة الزراعية حيث دأب المغاربة على إحيائها كتقليد مند قرون طويلة، وهو يعكس مكانة الزراعة في حياة الشعب المغربي.
مشاركة :