يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية في طريقها إلى مرحلة جديدة ستشهد تصعيدا عسكريا كبيرا، لا سيما بعد محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال هجوم بطائرتين مسيرتين استهدفتا مبنى الكرملين. فعلى الرغم من نفي أوكرانيا وداعمتها الأكبر، الولايات المتحدة ، أي انخراط في هذا الهجوم ، وتشكيكهما في الرواية الروسية، شددت موسكو على أنها تحتفظ لنفسها بـ"حق الرد في المكان والزمان المناسبين" ، مع التأكيد على أن بوتين لم يكن في المبنى وقت الهجوم والحرص على توضيح أنه باشر مهام عمله بشكل طبيعي من داخل الكرملين في اليوم التالي للهجوم. ويرى مراقبون أنه ، حال تأكيد وقوع الهجوم الذي بث الكرملين لقطات مصورة قال إنها للحظة وقوعه ، فإنه يعد التطور الأخطر منذ بدء العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا في فبراير من العام الماضي. وتعتبر صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن إقرار الكرملين بوقوع هذا الهجوم يمثل "اعترافا غير مسبوق" بمدى إمكانية "اختراق" روسيا. كما اعتبرت أنه سيكون واحدا من "أكثر ضربات كييف جرأة" منذ بداية الصراع في 2022 . إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ينفي تورط بلاده في العملية ويقول :"نحن نحارب على أرضنا فقط... ليست لدينا أسلحة كافية لذلك... نحن لا نهاجم بوتين". وفسر مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك الاتهامات الروسية على أنها مؤشر للاستعداد لـ"استفزاز إرهابي واسع النطاق من قبل روسيا خلال الأيام القادمة"، بحسب الصحيفة البريطانية. وبين الاتهامات والنأي بالنفس عن مهاجمة الكرملين ومحاولة اغتيال بوتين، أعادت فايننشال تايمز التذكير بالوثائق الاستخباراتية الأمريكية التي سربت مؤخرا والتي أشارت إلى أن أوكرانيا تدرس توجيه ضربات للعاصمة الروسية. ونقلت الصحيفة عن روسلان بوخوف مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات في موسكو ، وهو مركز بحثي للدفاع ، أن الطائرات المسيرة يمكن شراؤها تجاريا وتزويدها بالمتفجرات. وأضاف أنه يمكن لأي جماعة أوكرانية تعمل بشكل مستتر داخل روسيا أن تطلق المسيرات من مكان ما قرب موسكو، "مما يساعدها على تفادي التعقب من خلال إطلاقها من مسافة أقصر". هذا ودعا العديد من صقور الكرملين البارزين بوتين إلى الرد بصورة حازمة على هجوم المسيرتين، فقال دميتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي إن مهاجمة الكرملين لم تترك لموسكو خيارات سوى "القضاء" على زيلينسكي و"أعوانه" ، بينما حث رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين على استخدام "أسلحة جديدة لتدمير نظام كييف الإرهابي". إلا أن الجارديان تحدثت عن "إشارات أولية" على أن الكرملين حريص على تصدير صورة أن الأمور تسير بشكل طبيعي ، مشيرة إلى بوتين لم يلق خطابا رئاسيا خاصا بشأن الهجوم وأنه مارس مهامه بشكل اعتيادي. ونقلت الصحيفة عن بيسكوف قوله إن أي "خطوات للرد ستدرس بعناية وبشكل متوازن" من قبل القيادة الروسية. كما نقلت عن مراقبين ملاحظتهم أن تلفزيون الدولة الروسية لم يعرض مقطع الطائرة المسيرة فوق الكرملين لحظة الهجوم ، وعرض قارئي النشرة وهم يقرأون بيان الكرملين الرسمي بشأن العملية. وتطرقت الصحيفة إلى تحذير يفجيني بريجوجين ، قائد مجموعة فاجنر العسكرية الروسية، من استخدام أسلحة نووية عقب الهجوم على الكرملين، مشيرة إلى أنه قال في رسالة صوتية على قناته على تليجرام :" "بصفتي شخصا متطرفا ، يمكنني القول إن استخدام الأسلحة النووية ردا على (هجوم) الطائرة المسيرة ، بالطبع ، أمر غير وارد". واعتبر بريجوجين في الوقت نفسه أن الهجوم الأوكراني المضاد أو ما يطلق عليه "هجوم الربيع" بدأ بالفعل. من جهتها ، ذكرت شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية أن تحقيقا روسيا يجرى بشأن الحادث ، مشيرة إلى اجتماع مجلس الأمن الروسي اليوم الجمعة برئاسة بوتين. في غضون ذلك، حذر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف من أن العلاقات الروسية الأمريكية "على شفا الانزلاق إلى هاوية المواجهة المسلحة". ونقلت وسائل إعلام محلية أمس الخميس عن ريابكوف قوله: "نعمل من أجل الإبقاء على العلاقات مع الولايات المتحدة تجنبا لسقوطها في هاوية النزاع المسلح المفتوح، حيث بتنا نقف على شفا الهاوية". وتقول شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية إن واشنطن منحت كييف أكثر من 77 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية وإنسانية ، إلا أنها "سعت للتأكد من أسلحتها لا تستخدم في شن هجمات على الأراضي الروسية". وأضافت أن الولايات المتحدة أعلنت الأربعاء عن مساعدة إضافية بقيمة 2,6 مليار دولار ، من بينها 500 مليون دولار ، أسلحة قتالية. ونوهت الشبكة الأمريكية إلى أن هذه التطورات تأتي تزامنا مع حديث الرئاسة الأوكرانية عن قرب شن هجوم مضاد سعيا لاستعادة أراض سيطرت عليها القوات الروسية. وأضافت أن سلسلة أحداث شهدتها الأيام الأخيرة ، من بينها انفجارات استهدفت مواقع داخل روسيا وأوكرانيا ، ربما يمكن تفسيرها على أنها تمهيد لأم المعارك المنتظرة.
مشاركة :