( إطلالة على العقاب المدرسي في القديم )

  • 5/6/2023
  • 21:33
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لقد ساد اسلوب الشدة والقسوة في العقاب المدرسي في منتصف القرن الثالث عشر الهجري . حيث لم يكتف بعض الآباء بممارسات العقاب الشديد على أبنائهم ، بل أفسحوا المجال للمعلمين والمؤدبين في ذلك ، وأتاحوا لهم إمكانية العقاب بالنحو والصورة التي يرونها دون أدنى محاسبة أو مسؤولية ، وعمت المجتمع آنذاك عبارة ( لكم اللحم ولنا العظم ) ، مما شجع على انتشار جملة من الممارسات الخاطئة في العقاب والتأديب في الكتاتيب والمدارس بأنواعها المختلفة ، وتسبب في ترك عدد من الطلاب في زماننا التعليم ، واتجاههم إلى العمل المهني المبكر ، بل وانحراف البعض منهم وازعاجهم للمجتمع والسلطات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وتم تحت طائلة العقاب المفتوح آنذاك ضرب وجلد الطلاب على أفعال واسباب لا تستوجب العقاب البدني ، وقد يكتفى فيها بالتنبيه الشفوي أو التحذير أو المنع عن مشاركة الزملاء في اللعب والنشاط ونحوه ، دون الحاجه لجلب عصاة غليظة او ما كنا نسميها ( الخيزرانه ) و (الفلكة ) وهي عصا غليظة يربط فى طرفيها حبل شديد القوة سميك الحجم ، توضع الرجلين ما بين الحبل والعصا ويشد الحبل على الرجلين وتتم معاقبة المخطئ عقاباً يعتمد على مستوى الخطأ الذي ارتكبه ، وقد تصل العقوبة أحياناً إلى ما يزيد على أربعين جلدة مما يتسبب له بالأذى البدني والنفسي. والقصص فى هذا المجال كثيرة جدا ولا تحصى ، وقل أن يسلم احد من الطلاب خلال فترة الدراسة من الضرب أو العقاب بشكل أو بآخر ، وقد تطلب المدرسة ولي الأمر للحضور لمعاقبة ابنه داخل ادارة المدرسة او أمام زملائه. ومن الأمثلة على فداحة العقاب وشدته ما حدث لي وانا طفل صغير في الصف الثاني ابتدائي ، حيث عوقبت عقوبة شديدة لسبب تافه لا يستوجب العقاب البدنى الذي قام به المراقب ، وكان من الممكن الاكتفاء فيه بالتنبيه أو التحذير أو التخويف ونحوه ، وذلك لصغر سني وإمكانية حدوث ضرر أو عاهة جسدية علي من جراء الجلد واستخدام العصا والفلكة ، مما تسبب في كراهتي للمدرسة والمراقب الذى قام بتنفيذ العقاب ، ومن أمثلة ممارسات العقاب السيئة في جيلنا ما ذكر لي احد الاصدقاء بأنه عوقب دون ان يرتكب خطأ ، وذلك بحجة انه لم يسبق له ان عوقب من المعلم الذي استدعاه في قاعة الدرس قائلاً : (تعال يا فلان ! افتح يدك انا لم يسبق لي أن ضربتك ) !!! وكان أحد المعلمين كما أخبرني أحد الأصدقاء يتولى في بعض الفترات عمل المراقب ، ويتصيد الفرصة لعقاب الطلاب ، ويشعر بالسعادة عند قيامه بتنفيذ العقاب بأسلوب (سادي) وكأنه يستمتع بذلك ، وكان معهم طالب معاق فى أحد رجليه ،وطلب من المعلم عدم ضربه عليها ، ولكن المعلم أصر على جلده بالفلكة على القدمين السليمة والمصابة دون رأفة أو رحمة !!! وآخر يقول أن إدارة المدرسة كانت تمارس عقاباً مرعباً تجاه من لا يحفظ ما كلفه به المعلم من المحفوظات ، وذلك بأخذه إلى بئر مهجورة فى حوش المدرسة ،وربط بحبل وانزاله إلى داخل البئر مع تخويفه بالعقارب والثعابين الموجودة داخل البئر. وآخر ذكر ان بعض المدرسين عقابهم يكون جماعي عند حدوث شغب أو فوضى أو عراك بين طالبين او اكثر فى حال غياب او تأخر المعلم عن الحضور إلى الفصل ، فيحضر معلم الفصل المجاور او مراقب المدرسة ، ويعاقب الجميع دون هوادة المخطئ وغير المخطئ. ونظراً لعدم جدوى الشدة في العقاب البدني الذي وجد في زماننا ، فقد كان الاتجاه الحديث نحو تبني صوراً أخرى من العقاب المدرسي الذي لا تترتب عليه آثار جسدية أو نفسية على الطلاب في مختلف مراحل التعليم العام. ومع ذلك فإنني لا أشك بان معظم العقاب البدني الذي وجد قديماً قد كان بهدف الاصلاح والتربية ، وأسأل الله أن يغفر لآبائنا ومعلمينا ويرحمهم ويغفر لهم ، ويجزيهم خير الجزاء لقاء جهودهم في تعليم الأجيال وتربيتهم ، وأن يطيل فى عمر الموجودين منهم ، ويختم لنا ولهم بخاتمة السعادة. والحمدالله رب العالمين. للتواصل مع الكاتبmoha414x@icloud.com

مشاركة :