شهدت الأسواق السياحية والثقافية في أرجاء الصين ازدهارا ملحوظا في عطلة عيد العمال الممتدة من 29 أبريل الماضي وحتى 3 مايو الجاري، وسط زيادة معدلات الاستهلاك. واعتمدت السلطات المحلية بشكل مكثف إجراءات لجذب الزوار وحفز الاستهلاك، منها زيادة عدد مواقع الاستهلاك بهدف إطلاق العنان لإمكانات الاستهلاك الوطني وتعزيز اقتصاد البلاد. ومع حلول المساء، جذبت وجبة اللحم المشوي على الجمر (الكباب المشوي) بمدينة تسيبو التابعة لمقاطعة شاندونغ شرقي الصين رواد المطاعم من أنحاء البلاد. وخلال عطلة عيد العمال، زادت طلبات السفر إلى المدينة بنسبة 2000% على أساس سنوي بسبب سحر الوجبة التقليدية، لتصبح المدينة وجهة سياحية مفضلة لدى الزوار من جميع أنحاء البلاد. وبعد اكتسابها شهرة واسعة لوجبتها الشهية، سارعت تسيبو إلى اغتنام الفرصة للترويج إلى معالمها السياحية التي تتضمن المناظر الطبيعية الخلابة والمأكولات وفنون صناعة الفخار والزجاج الملون والرموز الثقافية العريقة. وقالت سونغ آي شيانغ، رئيسة دائرة السياحة والثقافة بمدينة تسيبو، إنها تتطلع إلى إنها تتطلع إلى أن تحول حماسة الزوار المتوافدين بأعداد كبيرة لتجربة الكباب المشوي لتشمل جميع معالم المدينة وكذلك الإقامة لفترات أطول، بهدف دفع الدمج العميق بين قطاعي السياحة والثقافة والارتقاء بجودة القطاعين وزيادة كفاءتهما. ومن أجل الارتقاء بجودة تجربة الزوار، وجهت السلطات المحلية بمدينة تسيبو إلى ضبط الأسعار بالأسواق ومراقبة سلامة الأغذية، وتعزيز الدورات الأمنية في الأماكن العامة التي تشهد توافدا كبيرا من الزوار، وزيادة عدد الوجهات السياحية المجانية، وتوفير خدمات الإرشاد في محطات القطارات والحافلات، وفتح مواقف السيارات ودورات المياه للزوار في جميع مؤسسات القطاع العام. وقال الدكتور وانغ تشونغ وو، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة شاندونغ، إن تسيبو شكلت دورة إيجابية لترويج صورة المدينة تشمل تطوّع الزوار في الترويج للمدينة وتوفير الحكومة المحلية للخدمات وجهود المحليين في حماية صورة المدينة، وذلك اعتمادا على خدمات الحكومة دقيقة وتجاوب أصحاب الأعمال وحماسة المحليين. وبلغ عدد المسافرين داخل الصين 274 مليون نسمة خلال عطلة عيد العمال، بزيادة 70.83% على أساس سنوي، بحسب إحصائيات صادرة عن مركز البيانات والمعلومات التابعة لوزارة الثقافة والسياحة الصينية. وحققت السياحة الداخلية إيرادات تُقدر بـ148.056 مليار يوان، بزيادة 128.90% على أساس سنوي، مع تعافي 100.66% مقارنة مع نفس الفترة في عام 2019. وقال داي بين، رئيس معهد بحوث السياحة الصيني، إنه بعد تعديل البلاد وتحسينها لسياستها الخاصة بالوقاية من تفشي الجائحة والسيطرة عليها، عادت مظاهر الحياة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين لطبيعتها، وكان نقطة تحول لتعافي السوق السياحية لتحل في وقت أبكر مما كان متوقعا. مضيفا أن الزوار سفروا إلى أماكن أبعد وأقاموا لأيام أطول خلال هذه العطلة. وأظهرت بيانات المعهد أن متوسط نصف قطر السفر في عطلة عيد العمال بلغ 180.82 كيلومتر، بزيادة 81.52% على أساس سنوي، وقطع 83.47% من إجمالي عدد الزوار مسافة أكثر من 100 كيلومتر، وزاد هذا الرقم بـ9.73 نقطة مئوية عما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وفي الوقت نفسه، انخفض نسبة الزوار ليوم واحد من إجمالي عدد السياح بـ6.0 نقطة مئوية، فيما ارتفع نسبة الزوار ليومين بـ9.55 نقطة مئوية. وإضافة إلى زيارة الوجهات السياحية التقليدية الساخنة، تنوعت خيارات الصينيين الغنية بالعناصر الثقافية لتحقيق تجربة غامرة لسحر الثقافة الصينية التقليدية، منها زيارة معارض المتاحف والمشاركة في المهرجانات الموسيقية وتجربة سحر التراث الثقافي وجولات الشوارع الخاصة بالتراث الفلكلوري. ودعا تقرير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني إلى المثابرة على التطور التكاملي بين السياحة والثقافة، لدفع التنمية الاندماجية المتعمقة بينهما. وفي السنوات الأخيرة، أسهم بروز زخم التنمية الاندماجية بين السياحة وقطاعات أخرى، والاندماج بين الفنون الجميلة والتقنية والسياحة على وجه الخصوص، في تعزيز إبداع مضامين السوق السياحية في العطلات وبناء مواقع خاصة بها بشكل فعال. وأصبحت جنة تانغ، المعلم الثقافي على غرار سحر أسرة تانغ الإمبراطورية الواقعة في مدينة شيآن حاضرة مقاطعة شنشي شمال غربي الصين، أجمل وأروع مع حلول المساء، حيث كانت شوارعها المزينة بالأضواء الملونة مليئة بالزوار، وحظيت العروض الثقافية المقدمة التي تجمع بين التفاعل والعلوم بإقبال وإعجاب كبيرين. وقال مسؤول بإدارة جنة تانغ إن العروض الثقافية غنية بعناصر ثقافة أسرة تانغ، وتدمج أحدث التقنيات والأفكار الإبداعية وفنون التفاعل سعيا لتوفير تجربة غامرة تفاعلية مميزة للزوار، مضيفا أن الموقع استقبل أكثر من 20 مليون زائر حتى الآن خلال العام الجاري. وقال داي بين إن السياحة والثقافة لا ينفصلان منذ القدم، ويسهم الاندماج والتكامل بينهما في تعزيز الاقتصاد الصيني بلا شك. ويُعتبر الاستهلاك في العطلات نافذة مهمة لرصد حيوية الاقتصاد الصيني. ويشير ازدهار الاستهلاك في مجال الثقافة والسياحة في العطلة إلى الإمكانات الضخمة التي تمتلكها السوق الاستهلاكية الصينية والزخم الجيد للتنمية الاقتصادية في البلاد. وذكرت شبكة "سي إن إن" في تقريرها أن ازدهار قطاع السياحة في الصين قد يسهم في تعزيز اقتصادها، خاصة أن نمو اقتصاد الصين حقق بداية جيدة في عام 2023، وسجل نموا قدره 4.5% بسبب توافد المستهلكين على الشراء، ومواصلة حماسة الاستهلاك في عطلة عيد العمال. وتظهر بيانات هيئة الإحصاء الوطنية الصينية أن الإنفاق على الاستهلاك النهائي ساهم بنسبة 66.6% في النمو الاقتصادي الصيني في الرُبع الأول من العام الجاري. وقال داي بين إن الاستهلاك السياحي ركّز على الاستهلاك النهائي في المقاصد السياحية على وجه العموم في الماضي، إلا أنه مع تروج أشكال سياحية جديدة مثل جولات القيادة السياحية والتخييم في الهواء الطلق، حفز الاستهلاك الشامل لسلاسل صناعة السيارات ومنتجات السفر في الهواء الطلق وغيرهما. وأطلقت مقاطعات صينية متعددة حملات ميدانية وافتراضية متنوعة لترويج سياحتها بمناسبة اقتراب يوم السياحة الصيني الذي يصادف 19 مايو من كل عام، استفادة من خصائصها المميزة. ويعكس إقبال الصينيين على السياحة في عطلة عيد العمال توقعاتهم الإيجابية الثابتة لاقتصاد البلاد في المستقبل وثقتهم القوية في نموه. ويرى داي بين أن ازدهار قطاعي الثقافة والسياحة في الصين مؤشر على تعافي الاقتصاد الصيني السريع، كما يسهم في تثبيت التوقعات الاقتصادية وتعزيز الثقة في النمو، وكذلك دعم التوظيف في عدد من القطاعات المعنية، مما يشكل دورة إيجابية تساعد على استقرار الوضع الاقتصادي وتوجهه نحو الأفضل.
مشاركة :