نجلاء مرعي لـ"العرب": عندما يدرك البرهان وحميدتي أن المعادلة "خاسر - خاسر" سيجلسان إلى طاولة الحوار

  • 5/8/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تشاطر أستاذة العلوم السياسية والخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي آراء أغلبية المحللين بأن الحرب في السودان ما زالت في بدايتها، محذرة من خطورة التدخل الدولي ومآلات الصراع على المنطقة وليس على السودان فحسب. وأكدت مرعي لـ”العرب” أن “الحرب في السودان ستكون طويلة الأمد ولن تنتهي على المدى القصير، نحن ما زلنا في ‘المرحلة الصفرية’ أو ‘نقطة اللاعودة’، لأن اللجوء إلى الأدوات العسكرية يعني أن الطرفين يستخدمان ما في حوزتهما لتحقيق نصر عسكري يفرض واقعا مدنيا مستقبليا”. وأوضحت “ما نشهده حاليا هو نتيجة عدم قدرة قادة المجلس العسكري الحاكم على الوفاء بالموعد النهائي لتشكيل حكومة بقيادة مدنية. حيث كان من المفترض الإعلان عن رئيس وزراء جديد ومناصب أخرى يوم الثلاثاء 11 أبريل 2023. وبالرغم من أن قضية دمج قوات الدعم السريع في الجيش كانت هي النقطة الرئيسية في الخلاف، إلا أنها فجرت نقاطاً خلافية أخرى بين العسكريين متعلقة برغبة الجيش السوداني في توسيع قاعدة الموقعين على الصيغة النهائية للاتفاق الإطاري بدعم من الكتلة الديمقراطية، وهو ما ترفضه قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بدعم من قوات الدعم السريع”. ورأت مرعي أنه من الواضح أن الخلافات بين فئات المكون المدني نُقلت إلى المكون العسكري، وأثرت سلباً على مواقفه الموحدة، حيث شهدت المؤسسة العسكرية في السودان حالة من “استقطاب المواقف”، إذ تسعى القوتان العسكريتان “لدعم بعض الأطراف في المكون المدني التي تتفق معها سياسياً”. نجلاء مرعي: لا أعتقد أن هناك دولا من مصلحتها إشعال الصراع في السودان نجلاء مرعي: لا أعتقد أن هناك دولا من مصلحتها إشعال الصراع في السودان وقالت عن التداعيات الإقليمية للأزمة “نحن أمام ما يعرف بـ’حرب المدينة’ التي لها تداعيات على كافة الأصعدة.. وأمام أزمة إنسانية بل كارثية على السودان وعلى منطقة القرن الأفريقي المضطرب سياسيا وأمنيا وفقا للأمين العام للأمم المتحدة. وهكذا فإن ما يحدث في السودان لن يبقى داخل حدوده فقط، هناك سباعية أفريقية قد تتأثر بخطر تهديد النزاع في السودان، خاصة وأن حدوده ملتهبة مع بعض هذه الدول”. وأضافت “الأزمة أصبحت الآن إقليمية بسبب قضية اللاجئين، وهناك توقع بأن يصل 270 ألف لاجئ إلى دولتي تشاد وجنوب السودان فقط، فضلا عن التخوف من الارتداد القبلي حيث هناك تداخل قبلي بين السودان ودول الجوار: ليبيا 31 قبيلة، تشاد 28، وأفريقيا الوسطي 18”. أما دولة جنوب السودان فإن ما تخشاه حسب مرعي، هو تأثير القتال على النقاط اللوجستية السودانية لتصريف منتجات النفط البالغة 170 ألف برميل يومياً. كما يتوقع أن يكون لها تأثير وانعكاس حدودي بين السودان والدول المجاورة وهو ما ينعكس على مشكلة الفشقة بين السودان وإثيوبيا، مع احتمالية زيادة عسكرة وحدة التنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا. وحول ما إذا كان لدول عربية وأفريقية دور في إشعال فتيل هذه الحرب، أم أن الأمر يرجع إلى أخطاء القوى المدنية عقب الثورة والتي أشركت الجيش في العملية السياسية، قالت مرعي “لا أعتقد أن هناك دولا من مصلحتها إشعال الصراع في السودان، حيث كشفت الأزمة الراهنة عن حجم وأهمية الموقع الإستراتيجي للسودان، وبالتالي تقاطع المصالح الإقليمية والدولية فيه. إذا وصلت الأمور إلى حرب أهلية فالجميع خاسرون وسيكون السودان بؤرة للتهديدات الأمنية لمنطقة القرن الأفريقي المضطرب سياسيا وأمنيا وشرق أفريقيا وأمن البحر الأحمر”. وتابعت “في تقديري أن القوى المدنية السودانية لم تقدر الظرف الحرج الذي يمر به السودان ولم تنطلق من المصالح العليا والقومية للبلاد، ولكن انطلقت من مصالح خاصة. وهو ما توضح من إخفاق الجهود الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات)، والثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي) والوصول إلى ما نحن عليه اليوم. لكن لا ننكر أخفاق القوى الإقليمية (العربية والأفريقية) والمجتمع الدولي ممثلا في الآليّتين الثلاثية والرباعية في الدفع بالاتفاق الإطاري وعدم تقريب وجهات النظر وعدم الضغط على القوى السياسية المنخرطة في الاتفاق لتوسعة الموقعين عليه.. وبالتالي الوصول إلى المشهد السوداني المتأزم اليوم. لذا، من الأهمية إدراك الدول العربية والأفريقية لمآلات الأزمة السودانية وتأثيرها في النطاقين العربي والأفريقي خصوصًا في ما يتعلق بأمن البحر الأحمر الذي يملك أهمية إستراتيجية لدول الخليج على الصعيدين الأمني والاقتصادي”. وعن رأيها في تصلب الجيش في مواقفه خاصة من مدنية الدولة السودانية، أشارت مرعي إلى “أن متطلبات الموقع الجيوسياسي للسودان تحتم دوراً ما للقوات المسلحة السودانية في المشهد السياسي، كما أن المكون المدني السوداني مارس أخطاء وقد لا يملك الخبرة المطلوبة له. وهو موقف مصر أيضا التي تدعم شراكة بين المدنيين والعسكريين في الفترة الانتقالية، وهي الصيغة التي أقرت في وثيقة 2019 وانتهت في أكتوبر 2021”. وترى مرعي أنه من الواضح أن صمت بعض القوى المدنية يشير إلى الوقوف بجانب الجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع، والدليل أن هناك بعض القبائل مثل قبيلة الزريقات وموسي هلال في دارفور سحبت دعمها لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بل إن بعض القبائل العربية طالبت قائد الجيش عبدالفتاح البرهان بتسليم الأسرى إلى تشاد، وهناك بعض الدعوات من هذه القبائل بسحب جنودها وتفريغ قوات الدعم السريع المكونة من عناصر غير سودانيين. وقد أعلن الجيش أنه لا تفاوض قبل استسلام وانسحاب قوات الدعم السريع من الخرطوم، وهو ما يعني هزيمة حميدتي. واعتبرت أن المشكلة في طرفي الصراع حيث يصران على الحسم العسكري ولا يعترفان بالحل السياسي. ومن المتصور بعد استمرار أسابيع من الصراع أن يدرك الجنرالان أن هذه المعادلة “خاسر - خاسر” وليست “معادلة صفرية”. وهنا أيضا يدرك الجنرالان حقيقة كونهما غير قادرين على تحقيق ما يصبوان إليه ويعرفان قدراتهما الحقيقية، وأنه لا يمكن أن يقصي أحدهما الآخر ويقدم تنازلات؛ هنا يكون دور الضغط الدولي والإقليمي بجمع الطرفين للجلوس على طاولة الحوار. وهنا يتم التوجيه إلى ما يطلق عليه السيناريو الإثيوبي في الحرب في تيغراي التي انتهت بـ”اتفاق بريتوريا” عندما وصلوا إلى قناعة أن لا منتصر في هذه الحرب. الخلافات بين فئات المكون المدني نُقلت إلى المكون العسكري الخلافات بين فئات المكون المدني نُقلت إلى المكون العسكري وشددت مرعي على أن الأزمة في السودان تتخذ أبعادًا متسارعة، الأمر الذي يجعل كل السيناريوهات مفتوحة، خاصة مع تعقد العملية السياسية، ولكن مع استمرار كلا الجانبين في الدخول في “المرحلة الصفرية” وإلغاء الآخر والقضاء عليه، لن يكون لأي منهما في المنظور القريب القدرة على الحسم وتحقيق الغاية، وهو ما سيدفع إلى توسيع دائرة الصراع ودخول أطراف أخرى سواء بمرجعية مسلحة أو جماعات سياسية وقد تطال البعد العرقي والقبلي، باعتبار أن السودان يتميز ببعد عرقي وبقبائل متناحرة في معظم الولايات. وكانت القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري قد أكدت أن الاشتباكات اتخذت أبعادا قبلية في الجنينة وهذا يعني حسب مرعي الدخول في “الحرب الأهلية وهو السيناريو الأسوأ”. ولفتت مرعي إلى أن “الأزمة السودانية كشفت عن حجم وأهمية الموقع الإستراتيجي للسودان وبالتالي تقاطع المصالح الإقليمية والدولية في السودان. وهنا الخوف من احتمالية زيادة عسكرة القوى الغربية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر لحماية مصالحها. وخاصة بعد إعلان قائد قوات فاغنر أنه على السودان الاستفادة من قواته الموجودة في البلاد، ووصول قطع بحرية أميركية إلى القاعدة العسكرية في جيبوتي خوفا من وفاء الخرطوم بالتزاماتها بالسماح بإقامة قاعدة بحرية ومركز لوجستي روسي على البحر الأحمر. وأخيرا إعلان وزير الدفاع البريطاني بوضع عناصر من البحرية الملكية في بورتسودان لتأمين المنطقة وبحث الخيارات. وللأسف نحن نشهد صراعا إقليميا في السودان بل دوليا في ضوء تضارب المصالح، بالإضافة إلى الأزمة السياسية الداخلية والصراع على السلطة وإن كان جزء منها على ثروات السودان الكبيرة”. وشددت مرعي على أهمية دور القاهرة السياسي تجاه الأزمة السودانية، محذّرة من تداعياتها على مصر. وقالت “من المهم تحرك القوى الإقليمية ذات الصلة، وفي مقدمتها مصر، لوقف التناحر السوداني الداخلي، حيث أن هناك تجارب تاريخية مؤلمة، مثل التجربة اللبنانية والصومالية والعراقية واليمينة والسورية، وكلها تجارب بدأت بصراعات داخلية، ثم تمددت تداعياتها على المستوى الإقليمي”. وشكّل انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بشأن السودان مؤشرا واضحا على مركزية الخرطوم في المصالح المصرية، بالإضافة إلى تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن الدعوة إلى عدم التدخل الدولي واعتباره موقفا داخليا لا علاقة لمصر بأي من أطرافه المتصارعة. وبحسب مرعي فإن مصر ترغب في القيام بدور الوساطة في الأزمة، وبالرغم من العقيدة المصرية بعدم التعامل مع ميليشيا مسلحة ولكن حساسية الوضع في السودان تتطلب التعامل مع الكل بلا تحيز إلى طرف دون آخر. واستدركت بالقول “من الواضح أن أحد أطراف الصراع لديه تحفظ في التعامل مع مصر، وإن لم يكن حميدتي تحت نفوذ وتأثير دولة متناقضة المصالح مع مصر لما كان الموقف المصري بهذا التعقيد”. وأضافت أن القاهرة طرحت مبادرتين سياسيتين، الأولى بشراكة مع دولة جنوب السودان، على أن طرفي الوساطة يملكان علاقات مباشرة ومؤثرة بطرفي الصراع السوداني. والثانية بشراكة مع دولة الإمارات التي لديها علاقات جيدة مع حميدتي قائد القوات الدعم السريع. والواقع، أن الأمن القومي المصري مرتبط تماما باستقرار السودان وبين البلدين مصالح وقضايا مشتركة بحكم البعد الجغرافي والتاريخي المشترك. وتشكل المعارك الدائرة في السودان في حالة اتساعها خطرا على مصر من تدفق وتحرك العناصر الإرهابية. وسيكون هناك نزوح من السودان تجاه مصر وهذا سيمثل ضغوطا على الاقتصاد المصري. وفي ما يتعلق بسد النهضة، وفي ظل استمرار الصراع فإنه لا يمكن التعويل على موقف سوداني، إذ سيضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر، الأمر الذي يلقي بمزيد من الأعباء على الجانب المصري وتحركاته الدولية والأممية.

مشاركة :