التوحد اضطراب نفسي يسبب انطواء الطفل وتقوقعه على ذاته بشكل كبير. فالطفل المصاب يبقى وحيدا مع نفسه، معزولا عن محيطه، عاجزا عن التواصل مع غيره. وتؤكد الاحصائيات أن أعداد الأطفال المتوحدين تفوق اليوم المصابين بالسرطان والإيدز مجتمعين، في حين تقدر نسبة انتشاره بين الأولاد بأربعة أضعاف البنات.. ورغم القناعة بوجود خلل عصبي في الدماغ يتسبب بالتوحد لا أحد يعرف بالضبط سبب هذا الخلل أو طريقة انتقاله.. وظلت التخمينات تتراوح بين مسبب وراثي ومناعي وغذائي وتلوث بيئي، بل وحتى بسبب أدوية وعقاقير خاطئة قد تعطى للأم أثناء الحمل أو للطفل بعد الولادة! ومن الحقائق المقلقة حول التوحد سرعة انتشاره الكبيرة في ثلاثة العقود الماضية؛ فقد أصبح اليوم يصيب واحدا من بين خمسين طفلا في سن المدرسة وترتفع نسبته باطراد حول العالم (بمعدل 12% سنويا).. وبعد أن كانت نسبة المرض في أميركا (واحدا من كل 10 آلاف طفل) ارتفعت في نهاية التسعينيات إلى واحد من كل 150 طفلا واليوم الى واحد من كل 50 بمستويات مختلفة. وبين عامي 1992 و2014 لوحظ ارتفاع غير مسبوق في جميع الولايات ترافق مع استعمال لقاحات جديدة للأطفال الرضع.. وكانت الجمعية الأميركية للتوحد (Autism Association) قد اتهمت الحكومة بتجاهل احتمال وجود علاقة بين التوحد واللقاحات التي يأخذها الأطفال. وقالت إن احتمال إصابة الأطفال بالتوحد ترتفع ب27 ضعفا في حال تلقيهم اللقاح المحتوي على مركبات الزئبق، كما اتهمت الجمعية (منذ فبراير 2004) دائرة الدواء والغذاء بعدم القيام بدراسات كافية لهذا النوع من اللقاحات رغم الشكوك التي أبداها كثير من الأطباء حول هذا الموضوع، من بينهم علماء من الدائرة نفسها! وكانت الشواهد قد تراكمت منذ التسعينيات على العلاقة بين المرض والتلوث الزئبقي لدى الأطفال.. وكانت الشركات المصنعة قد بدأت بإضافة الزئبق للقاحات الجديدة منذ منتصف الثمانينيات قبل أن تتوقف في نهاية التسعينيات. وخلال هذه الفترة بالذات كان الزئبق يشكل 50% من مكونات اللقاح، الذي يرى كثير من الأطباء أنه إضافة غير مهمة قصد منها زيادة أرباح الشركات المنتجة! وحتى الآن لا يوجد للأسف علاج حقيقي لحالات التوحد غير الرعاية الجيدة للطفل بحيث يمكنه التصرف بطريقة ايجابية كلما تقدم في العمر.. كما لايوجد أي نوع من الفحوصات (كفحص الدم أو الحمض الوراثي) قادر على كشف التوحد أو التنبؤ بحدوثه مستقبلا.. والطريقة الوحيدة للإقرار بوجوده هي من خلال المراقبة الخارجية للطفل فقط، وحتى في هذه الحالة لا يمكن تأكيد شيء قبل مرور أول ثلاث سنوات من حياته! .. الجانب المدهش في الموضوع أن التوحد يأتي بمستويات وأطياف مختلفة تتراوح بين الانطواء الشديد على الذات، وتفضيل العزلة للتركيز على عمل وحيد.. ويعتقد اليوم أن عباقرة مثل أنشتاين ونيوتن وويرهول ومايكل أنجلو بل وحتى بيل غيتس يعانون من توحد خفيف أتاح لهم فرصة اعتزال العالم والتركيز على إنجازاتهم الخاصة فقط! .. إن كانت هذه هي الحال، فجميعنا يتمنى لأطفاله توحدا خفيفا من هذا النوع..
مشاركة :