نجح علماء في تسجيل إشارات غامضة من موجات "غاما" لأشخاص في اللحظات الأخيرة من حياتهم. تقول الدراسة إن الموجات ليس لها تفسير لكن الأمر قد يرتبط باستمرار الوعي البشري حتى آخر لحظة من العمر وتجارب الاقتراب من الموت. يأمل العلماء أن تسهم الدراسة في تفسير ما يتردد كثيراً عن ما يسمى بتجارب قبل الموت ماذا يحدث لوعينا عندما نموت؟ هل يكون الشخص على علم وإدراك بأنه يفارق الحياة بالفعل؟ وما الذي يراه البشر خلال لحظات عمرهم الأخيرة؟ ربما يكون هذا هو السؤال الأكبر للبشرية ومصدر القلق والتفكير الدائم منذ آلاف السنين. في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، وعلى الرغم من أن ما يسمى بـ "تجارب الاقتراب من الموت" غالباً ما ينظر إليها من خلال منظور ديني أو فلسفي، نشر علماء من جامعة ميشيغان ورقة مثيرة للاهتمام شرحوا فيها بالتفصيل كيف تمكنوا من اكتشاف موجة غير معروفة وغامضة من النشاط العصبي في أدمغة الأشخاص المحتضرين، بحسب ما نشر موقع "ميديكال نيوز توداي". هل يستمر الوعي حتى آخر لحظة من العمر؟ وذكر العلماء في الورقة البحثية التي نشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) أنهم سجلوا النشاط الحادث في الدماغ خلال اللحظات الأخيرة للوفاة كموجة من نشاط موجات "غاما" سريعة الزوال، على غرار تلك التي شوهدت في الأبحاث السابقة التي سجلت موجات دماغية لشخص يحتضر العام الماضي، ما قد يفتح الباب أمام اكتشاف المزيد من المعلومات حول كيفية تفاعل الدماغ البشري خلال الظروف المأساوية، بحسب ما نشر موقع مجلة سيمثونيان الأمريكية. وقال العلماء إنهم سجلوا نشاط الدماغ الغامض عندما تم سحب أربعة مرضى من أجهزة دعم الحياة وقبيل لحظات من مفارقتهم الحياة، وأشاروا إلى أنه تم تسجيل النشاط في أدمغة اثنين من المرضى الأربعة بواسطة أجهزة رسم وقياس إشارات المخ، وهو الأمر الذي يمكن أن يساعد على فهم أفضل لأوجه التشابه بين دماغ بشري يحتضر وأدمغة حيوانات قبيل نفوقها مثل الفئران التي تمت دراستها من قبل. موجات "غاما" الغامضة! ففي دراسة أجريت على الفئران في عام 2013، وجدت جيمو بورجيغين - المؤلفة المشاركة في الدراسة السابقة والدراسة الجديدة وعالمة الأعصاب في جامعة ميشيغان - أن أدمغة القوارض أنتجت موجات غاما لمدة 30 ثانية بعد توقف قلوبها. والمعروف أن موجات غاما هي موجات دماغية سريعة مرتبطة بالانتباه والذاكرة العاملة والذاكرة طويلة المدى، لذا فهي تشير - ولكنها لا تثبت - إلى أن الفئران ربما كانت واعية خلال اللحظات الأخيرة من حياتها، بحسب ما كتبت الباحثة في علم الأعصاب ستيفاني باباس في مجلة Live Science. بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسة أجريت عام 2022 أن الشخص الذي توفي بنوبة قلبية كان لديه أيضاً نشاط موجة جاما بعد السكتة القلبية وذلك أثناء قياس نشاط دماغه. تشمل المشاهدات التي تحدث عنها أشخاص كانوا على أعتاب الموت ضوء ساطع في نهاية نفق تجارب الاقتراب من الموت ويعتقد الباحثون أن ومضات النشاط هذه تنشأ مع موت الدماغ وهو ما يمكن أن تكون ما يشار إليه غالباً باسم "تجارب الاقتراب من الموت NDE"، وهي مشاهد وذكريات تمر مثل الشريط أو الوميض أمام أعين من يدخل في تجربة عنيفة للغاية، وهو أمر يعتقد الكثيرون أنه يحدث قبل الموت. وفي دراسات سابقة أبلغ بعض الناجين من السكتة القلبية - من مجموعة من الخلفيات الثقافية والدينية - عن تجارب الاقتراب من الموت والتي وصفوها بأنها تشمل الإحساس بمغادرة الجسد، أو مشاهدة ضوء ساطع في نهاية نفق أو مرور شريط من الذكريات والأحداث التي وقعت لهم في الماضي، واليوم يبدو أن العلم يقترب بخطوات واسعة من الحصول على تفسير علمي لهذه الأحداث. ويقول سام بارنيا، أخصائي أمراض الرئة في جامعة نيويورك الذي لم يساهم في البحث لكنه اطلع عليه، إن العلماء لديهم المزيد ليتعلموه حول كيفية تصرف الدماغ أثناء موتنا وأن الدراسة "تشير إلى أننا بدأنا نحدد وجود علامة لنوع من الوعي الواضح لدى الشخص الذي يفارق الحياة" بحسب ما صرح لمجلة العلوم الأمريكية. تشير النتائج إلى إن العلماء لديهم المزيد ليتعلموه حول كيفية تصرف الدماغ أثناء موتنا، إذ تشير الدراسة "إلى أننا بدأنا نحدد وجود علامة على الوعي الواضح"، كما شرح سام بارنيا. علم أم أوهام؟ لكن العلماء وإلى اليوم ليسوا متأكدين من سبب حدوث تجارب الاقتراب من الموت وتلك المشاهدات التي تحدث عنها عدد من الأشخاص. وتمثل هذه الظواهر الغامضة "مفارقة بيولوجية تتحدى فهمنا الأساسي للدماغ المحتضر، والذي يعتقد على نطاق واسع أنه لا يعمل في ظل هذه الظروف"، وفقاً للدكتور بارنيا. أبلغ بعض الأشخاص الذين كادوا أن يفقدوا حياتهم أنهم شعروا بأنهم يخرجون من أجسادهم ويحلقون في الهواء لكن على الجانب الآخر ومن الناحية العلمية، فإن إثبات وجود مثل هذه المشاهد السينمائية التي تمر أمام أعين الشخص ليس بالأمر السهل، لكن العلماء أكدوا أنهم بدأوا العمل على دراسته بالفعل. ومن الممكن أن يمثل البحث الجديد حول نشاط الدماغ الغامض خطوة في الاتجاه الصحيح، على الأقل عندما يتعلق الأمر بفهم الكيفية التي يتفاعل بها الدماغ مع اللحظات الأخيرة قبل الموت. لهذا السبب نظر الباحثون في كيفية تغير نشاط الدماغ قبل أن يزيل الأطباء المرضى من أجهزة دعم الحياة وكذلك بعدها. وفي الوقت الحالي فإن النشاط الدماغي ليس بالضرورة دليلاً على ارتفاع معدلات معالجة المعلومات والبيانات بشكل واعٍ لدى المرضى. صحيح أن ما يحدث من نشاط دماغي قد يشير إلى حدوث الأمر على هذا النحو، لكنه لا يثبت ذلك تماماً. وربما تسفر الأبحاث المستقبلية في هذا المجال عن نتائج ومعلومات إضافية. عماد حسن
مشاركة :