مواجهة الأطباء والشرطة تحيِّر المصريين

  • 2/17/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مصر التي في المستشفى غير تلك التي في قسم الشرطة، وكلتاهما تختلف عن مصر الواقفة لساعة في زحام شارع القصر العيني في وسط القاهرة. والأخيرة تتناقض ومصر الرابضة في المقهى، وتلك القابعة على الناصية، أو ثالثة مستقرة على الكنبة. وبين هذه وتلك مصر المفسّرة لكل همسة ولمزة في ضوء الحق في التظاهر والحرية في الاحتجاج والرغبة في الإضراب، وأخرى معلّلة كل حادثة وسقطة بأنها حالة فردية أو غلطة عادية لا يجب أن تعطّل مسيرة البلاد والعباد. وبين هذه الأشكال والأنواع والألوان كلها، يجد المصريون أنفسهم مفنّدين الأحداث ومفسّرين الأخبار ومتعاطفين مع هذا ورافضين ذاك في ضوء موقع كل منهم ومصلحته وتجربته. تجارب قطاع من المصريين مع الأطباء لا تختلف كثيراً عن أمناء الشرطة. ومصالحهم مع هؤلاء وأولئك دائماً تحتم عليهم تحمّل هذا وتقبّل ذاك. لذا حين وقع هذا في صدام مع ذاك، وجدوا أنفسهم مذبذبين مشتّتين منقسمين: هل يتضامنون مع من يعانون إهماله ويقاسون أخطاءه ويتكبدون جشعه، أم يتعاطفون مع من يقهرهم ويسيء معاملتهم ويفرض عليهم سطوته وأحياناً رشوته؟ الحرب الضارية الجارية بين الأطباء والشرطة حيّرت المصريين. آراء متضاربة، وتوجهات متفاوتة، كل وفق الأسوأ في خبرته والأكثر إيلاماً في حياته. مصطفى الذي خضع لعملية تثبيث قدم خاطئة نجمت عنها عاهة مستديمة، متعاطف مع أمناء الشرطة، بل ووزارة الداخلية بأكلمها، في مباراة الأطباء والأمناء. لكن سيد الذي يدفع إتاوة للأمناء ليتغاضوا عن رخصة قيادته المنتهية تارة، وعمله غير الرسمي تارة أخرى، وجد نفسه مؤيداً للأطباء على رغم أنه لم يذهب إلى طبيب في حياته. حياة المصريين هذه الأيام قوامها شدّ وجذب، وإطارها هبد ورزع، وغايتها غموض وإبهام. فبين تلويحات حكومية بخطوات اقتصادية صعبة ينبغي اتخاذها تحت راية «شر لا بد منه»، ومؤشرات نيابية إلى أن ملفات المواطنين وقضايا المنهكين ومشاكل المطحونين لم تصل بعد إلى رأس قائمة الاهتمام، وأخبار متضاربة بين إعلام غربي مؤكد أن الطالب الإيطالي جوليو ريجيني قتلته الشرطة، وإعلام مصري يجزم بأن الشرطة لم تقتله، وقانون خدمة مدنية يصفه فريق بأنه الأفضل في تاريخ البيروقراطية المصرية، وينعته آخر بأنه مثل لانتهاك حق الموظف في الحياة، ورئيس نادٍ يتعلق بأعمال السحر والشعوذة ويرهب المعارضين بقدرة فائقة على التشويه المعنوي والاغتيال السياسي والتقبيح الأخلاقي، ومعركة دائرة بين سائقي أجرة ضربوا بالقوانين عرض الحائط وانتهجوا البلطجة عقيدة وشريعة، وشركات موازية تقدم خدمة محترمة وأنظمة متماسكة، يجد المواطن نفسه في مهب الريح. الرياح الربيعية المحملة بالأتربة الخماسينية التي تهب على مصر هذه الأيام لا تقلّ ضبابية عن الساحة العامة. مجموعات وفرق ونقابات وجمعيات وجماعات كلّ يغني على ليلاه. فبين استحضار ملفات ظلت كامنة خامدة على مدى عقود تتراوح بين عنجهية الشرطة، وإهمال الأطباء، وفساد المسؤولين، وفوضى البناء، وتردّي التعليم، وعشوائية المرور، ومظهرية الإصلاحات وغيرها، تقفز على السطح بين الحين والآخر حمم المشاكل البركانية المؤجلة، أو يتطاير لهب الاحتقانات الاجتماعية المرجأة، أو تتأزم إحدى معضلات الفقر والعوز المتراكمة. وهنا يجد المواطن العادي نفسه واقعاً بين نارين: نار التحيّز الى مصالحه والميل إلى مآربه، ونار تغليب المصلحة العامة أو تحكيم المنطق التام باستحالة إصلاح ما أفسده الزمان والحكام في أكثر من 30 عاماً. وبينما مصر التي في المستشفى في أول شارع القصر العيني تعاني الأمرين من سوء الحال الصحية، ومصر الواقفة بطول الشارع تشكو مرارة الانتظار، وتلك الواقعة في آخره تقاسي ما يجري تحت قبة البرلمان، ورابعة تنتقد الأداء الشرطي، وخامسة تنتظر ما سيسفر عنه البرنامج الحكومي، وسادسة وسابعة وثامنة تتابع وتراقب وتشاهد بين متربصة ومتهيبة ومسلّمة أمرها لخالقها، يتخذ المواطنون مواقف قوامها التقلب وجذورها التحيز كل وفق أولوياته وخبراته وإرث مشاكله وموقعه في مصر التي ينتمي إليها. في تلك الأثناء، غرّدت إحداهن بينما تنتظر انفراجة مرورية: «مصر التي في المستشفى تواجه مصر التي في القسم من دون جمهور».

مشاركة :