قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن بلاده "ليست غرفة للإيجار أو للبيع، وستشق طريقها دون أيّ تدخل خارجي"، في تصريحات بدت موجهة للدول الغربية وأيضا لصندوق النقد الدولي. وتمر العلاقة بين تونس وشركائها الغربيين بفترة صعبة على خلفية تحفظات حيال المسار الحالي للسلطة في تونس سواء في علاقة بإدارة الملف السياسي، وأيضا ما يخص الملف الاقتصادي في ارتباط بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وتثير هذه التحفظات استياء الرئيس سعيد إذ يعتبرها تدخلا في الشؤون الداخلية للبلاد، ومحاولة فرض نوع من الوصاية، وهذا ما يرفضه بشدة. وقال سعيّد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية على فيسبوك مساء الاثنين خلال لقاء جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن في قصر قرطاج "نريد أن نشق معا طريقنا دون أي تدخل خارجي فسيادتنا ليست كلمة هينة وتونس ليست غرفة للإيجار أو للبيع". وأضاف "نريد أن نشق طريقا جديدة في التاريخ ومن يعتقد أنه يمكن أن يشق طريقا لنا فهو واهم". المنذر ثابت: تصريحات سعيد موجهة للغرب ولصندوق النقد المنذر ثابت: تصريحات سعيد موجهة للغرب ولصندوق النقد ومضى قائلا "نريد أن نشق طريقا بعيدا عن الألغام والمتفجرات التي وضعها هؤلاء لأن السلم الأهلية في تونس لا تقاس بثمن والطرق التي عبّدها الآخرون، أو يعتقد هؤلاء أنهم عبّدوها ليست معبّدة ولا هي أصلا مسلكا أو طريقا". وتشهد المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو ملياري دولار تعثرا، في ظل أزمة اقتصادية حادة في البلاد فاقمتها تداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية - الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير 2022. وترى الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي أن على تونس التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، لكن الرئيس سعيد لا يريد السير في هذا الخيار وفق المطالب المطروحة وبينها رفع الدعم عن السلع الأساسية معتبرا أن هكذا خطوة تشكل تهديدا للسلم الأهلي. وسبق وأن قال سعيد أنه لن يقبل "الإملاءات" وأشار إلى أن خفض الدعم قد يؤدي إلى اضطرابات، معيدا التذكير بالاحتجاجات التي شهدتها البلاد في ثمانينات القرن الماضي والتي تعرف بـ”انتفاضة الخبز”. وقال الناشط السياسي المنذر ثابت “إن التصريحات الأخيرة للرئيس سعيد موجهة للجميع، أي للعواصم الغربية ولصندوق النقد الدولي، وفي تقدير الرئيس، فإنه آن الأوان لاتّباع مسلك جديد يقوم على تحقيق الاستقلالية بغض النظر عن التمويلات الأجنبية وفرض السيادة بعيدا عن الإملاءات السياسية الخارجية خصوصا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". وأضاف ثابت في تصريحات لـ"العرب"، "الرئيس سعيد لديه فهم سياسي وتأويل محسوم للتناقضات التي تباعد بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وهو يراهن على الاستفادة من العلاقات متعددة الأطراف". وقال إن “الرئيس التونسي يعتبر أن الاقتصاد المحلي يمكن أن يتعافى عبر نمو الصادرات والسياحة ونشاط الفوسفات وتحويلات المواطنين بالخارج، فضلا عن الاستفادة من المساعدات والقروض الأوروبية ولو بمبالغ محدودة، وتجنب الابتزاز من صندوق النقد الدولي والعواصم الغربية”. واستطرد قائلا "الرئيس يعلم جيّدا أن مصلحة العواصم الغربية ليست في انهيار الوضع التونسي". ويكرّر سعيد من مناسبة إلى أخرى أن "لتونس الكثير من المقدرات ولكن هناك من أفرغ خزائن البلاد بهدف ضرب الدولة من الداخل”. ويرى مراقبون أن البدائل الذاتية تبقى محدودة، وأن أقصى ما تحققه هو أنها تساعد على إنجاح برنامج الإصلاح الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، ولكنها لا تكفي لوحدها. ويقول المراقبون إن هناك فرقا بين الطموحات وإكراهات الواقع، مشيرين إلى أن الاتفاق مع صندوق النقد يشكل ممرا إلزاميا لتونس للحصول على دعم مالي إضافي من شركائها التقليديين. مراد علالة: الخطاب الحالي لم يقطع مع الخطاب الانتخابي مراد علالة: الخطاب الحالي لم يقطع مع الخطاب الانتخابي في المقابل فإن هناك من يرى في تونس أن البلاد أمام لحظة فارقة، في استعادة سيادة قرارها الذي تاه خلال السنوات الماضية، وأنه بالإمكان تخطي هذه الأزمة دون تقديم تنازلات مؤلمة، قد تكون لها تبعاتها على الاستقرار الاجتماعي. وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة إن "الخطاب الحالي لم يقطع مع الخطاب الانتخابي الذي قدمه الرئيس في السابق، وهو خطاب سيادي في شكله ومضمونه، والحديث بهذه الصفة يقتضي عدم الذهاب إلى صندوق النقد الدولي". وأضاف علالة في تصريحات لـ”العرب”، يبدو أن الرئيس لا يتحدث عن المؤسسات المالية فقط، بل أيضا يقصد عددا من الجهات ومن يواليها في الداخل، ويعتبر أن كل أبواب التدخل الخارجي غير مقبولة، وربما يقصد خصومه السياسيين، وبالأساس المحور التركي – القطري الداعم لها وعلاقته بالإسلام السياسي". واعتبر علالة أن "الرئيس يراهن على جمهوره وناخبيه، وهذا ما تؤكّده استطلاعات الرأي وتمسكه بذلك الخطاب". وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد نتيجة التضخم، وفقدان عدد من المواد، لكن الرئيس سعيد لا يزال يحظى بقاعدة شعبية واسعة، وفق نتائج سبر الآراء. ويقول متابعون إن احتفاظ سعيد بالصدارة في نسب ثقة التونسيين، يعود في جانب كبير منه إلى حالة الاستياء الكبيرة من الطبقة السياسية التي توالت على إدارة البلاد طيلة السنوات العشر التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. ويشير المتابعون إلى أن هذا الموقف ترجم في حالة اللامبالاة وأحيانا التشفي حيال حملة الإيقافات التي طالت قياديين ومسؤولين معظمهم ينتمون لحركة النهضة الإسلامية. وقال سعيد في مقطع الفيديو الذي بثته الرئاسة إن "تطبيق أحكام القضاء وإنفاذ القانون على الجميع مهما كانت مواقعهم كان محور مقابلاته الأخيرة"، في إشارة إلى استقبال وزيرة العدل ليلى جفال ورئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو في وقت سابق الاثنين.
مشاركة :