الخرطوم - تحدثت تسريبات من المفاوضات في جدة عن توصل قوات الدعم السريع والجيش السوداني بوساطة أميركية سعودية لاتفاق مبدئي يشمل وقفا لإطلاق النار لمدة شهر فيما لا تزال الاشتباكات مستمرة في العاصمة الخرطوم وعدد من المناطق. ووفق التسريبات التي تم الاعلان عنها الاربعاء فان من بنود الاتفاق الذي لم يعلن عنه رسميا وقف القصف الجوي والتزام طرفي القتال ببقاء قواتهما في مكان تواجدها وإعادة فتح مطار الخرطوم تتولى قوة أميركية سعودية تأمينه وفتح ممرات آمنة لعمليات الإغاثة. ورغم الحديث عن تقدم مشجع في المفاوضات ما يعزز الامال بانهاء القتال اكد سكان في المقابل عن اندلاع مواجهات على الأرض في عدة أحياء بالخرطوم بين طرفي الصراع وتبادل كثيف لإطلاق النيران شمالي أم درمان وشرقي بحري، وهما مدينتان يفصلهما نهر النيل عن الخرطوم. ويواصل الجيش منذ أمس الثلاثاء قصف أهداف في المدن الثلاثة في محاولة لإبعاد قوات الدعم السريع التي سيطرت على مناطق سكنية واسعة ومواقع استراتيجية منذ اشتعال الصراع في 15 أبريل/نيسان حيث لا يزال الجيش يواصل خروقاته وعدم احترام الهدنة رغم التحذيرات الاميركية في هذا الجانب. في المقابل نجحت قوات الدعم السريع من صد اغلب هذه الخروقات وتكبيد الجيش خسائر خاصة في قطاع الطيران الذي يتم استخدامه بكثافة في المناطق السكنية دون اعتبار لحياة المدنيين. وقالت القوات أنها أسقطت صباح اليوم الأربعاء طائرة "ابابيل" بالقرب من كبري الحلفايا شمال بحري. وأضافت في بيان نشرته في صفحتها الرسمية على الفايسبوك " قدم ابطال قواتنا درسًا بليغًا للانقلابيين وفلول النظام البائد في الجسارة والعزيمة وقاموا بدحرهم وتكبيدهم خسائر كبيرة في القوات والعتاد وولت فلولهم هاربة". وكشفت تسريبات من المفاوضات بين طرفي القتال في جدة نشرها موقع روسيا اليوم عن تفاصيل اتفاق لوقف اطلاق النار. واتفق الجانبان على وقف إطلاق النار لمده شهر وإيقاف القصف الجوي، على أن تكون كل قوة في مكان تواجدها وفتح الممرات الآمنة لإفساح المجال لعمليات الإغاثة والمستشفيات وفتح الأسواق وعودة الكهرباء والماء. كما تم الاتفاق مبدئيا على فتح مطار الخرطوم ووجود قوة مشتركة سعودية أميركية لتأمينه والاستمرار في المباحثات هذا الشهر بمشاركة القوى المدنية والرباعية والثلاثية للوصول لاتفاق نهائي وسحب كل القوات المسلحة للطرفين من العاصمة. ولمع نجم الدعم السريع من خلال الأحداث الاخيرة فحينما اندلع الصراع في العاصمة السودانية الخرطوم قبل شهر ، بدا الأمر وكأن الحرب محسومة لصالح قوات الجيش. لكن سرعان ما أدرك الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة أن سلاحي الجو والمدفعية وحدهما لن يوقفا جنود خصمه الذين تمكنوا من اقتحام مقر إقامته داخل مجمع قيادة الجيش في الساعات الأولى للقتال وفقا لما قالته عشرة مصادر من طرفي الصراع. وقال أحد حراس البرهان الشخصيين إن قائد الجيش والرئيس الفعلي للبلاد حمل بندقية كلاشنيكوف وفتح النار بنفسه قبل أن ينقله رجال الأمن إلى مكان آمن، كاشفا عن تفاصيل لم تنشر من قبل توضح كيف كان من الممكن قتل البرهان أو الإطاحة به في الأيام الأولى للصراع الذي اندلع في 15 أبريل/نيسان. وقال الحارس الذي طلب عدم نشر اسمه إن مقاتلي قوات الدعم السريع قتلوا أكثر من 30 من حراس البرهان في المعركة التي تلت ذلك قبل أن ينسحبوا من المقر في العاصمة. وتسلط هذه الرواية الضوء على الأسلوب المفضل لخصم البرهان الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع، الشهير باسم حميدتي، وهو القتال من مسافات قريبة واستغلال نقاط القوة لدى قواته. وبعد قرابة شهر من تفجر القتال، وعلى الرغم من الضربات الجوية شبه اليومية، لم يتمكن الجيش من طرد قوات الدعم السريع من العاصمة حيث يتمركز رجال حميدتي في مناطق سكنية وعدة مؤسسات رئيسية. وعلى مدار السنوات العشرة الماضية، تحولت قوات الدعم السريع من مجرد قوة متشرذمة من مقاتلي الصحراء إلى جيش مواز تقريبا له قواعده في العاصمة ويملك ما يكفي من الإمدادات لإجبار البرهان على إجراء محادثات دون أمل في تحقيق نصر سريع. وانسحبت قوات الدعم السريع بسرعة من قواعدها في الخرطوم عندما اندلع القتال. ودفع الصراع الكثير من أبناء السودان إلى الهرب من العاصمة وذهب البعض منهم إلى أقاربهم وأصدقائهم في مناطق ريفية وفر البعض الآخر عبر الحدود إلى دول مجاورة. وتهدف قوات الدعم السريع إلى جر الجيش إلى حرب شوارع في المدن تتمتع فيها مركباتهم المزودة بسلاح خفيف بأفضلية على الدبابات والطائرات الحربية. وخرجت قوات الدعم السريع من رحم ميليشيا الجنجويد العربية التي ساعدت الحكومة على إخماد انتفاضة سابقة في إقليم دارفور بغرب البلاد وكافأتها السلطة بتحويلها إلى قوة شبه عسكرية بموجب قانون. وقال أحد مقاتلي قوات الدعم السريع عند نقطة تفتيش تابعة لهم في الخرطوم "على البرهان وقواته أن يكونوا شجعان ويحاربونا على الأرض وجها لوجه بدلا من استخدام الطيران". انتشار وترك مقاتلو قوات الدعم السريع قواعدهم التي تتعرض للضربات الجوية في العاصمة ولجأوا الى الانتشار كي لا يستهدفهم الطيران الحربي الذي لم يراعي حياة المدنيين. ولحميدتي عشرات الآلاف من المقاتلين في الخرطوم، لكن قوات البرهان الأكبر عددا منتشرة في جميع أنحاء البلاد ونادرا ما تظهر في العاصمة مما يعطي قوات الدعم السريع فرصة للتحصن. واحتل رجال حميدتي مباني حكومية مثل مقر وزارة الداخلية ومقرات الشرطة وسيطروا على إمدادات كبيرة من الوقود من مصفاة للنفط وعلى بنوك. ونشرت قوات الدعم السريع قناصة لعرقلة تحركات قوات البرهان. ولتشديد سيطرتهم على العاصمة، نصبت قوات الدعم السريع نقاط تفتيش في جميع أنحاء الخرطوم، ويدققون في بطاقات الهوية ويفتشون السيارات والأمتعة. وقال سكان إنهم يفتحون الهواتف المحمولة للبحث عن اتصالات بالجيش. حليفان سابقان واندلع الصراع بعد انهيار خطة مدعومة دوليا للانتقال إلى الديمقراطية. وعلى مدى السنوات الأربع التي تلت الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية، تقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السلطة بتوجس. وترأس البرهان مجلس السيادة الحاكم الذي تشكل بعد الإطاحة بالبشير عام 2019 وأعيد تشكيله بعد انقلاب عسكري في عام 2021. وكان نائب رئيس المجلس هو حميدتي الذي صنع اسمه في صراع دارفور ووجه له سودانيون اتهامات بارتكاب فضائع. وقبل اندلاع الصراع بين الرجلين، ربط حميدتي علاقات مع تحالف قوى الحرية والتغيير، وهو تجمع سياسي مدني يقود عملية الانتقال إلى الحكم المدني. وألمح هذا التحالف أن لحميدتي خططا سياسية بعد تعثر العملية الانتقالية، وحمل البرهان ما وصفها بطموحات حميدتي مسؤولية اندلاع الصراع. وقالت مصادر مقربة من حميدتي يخوض معركة نفس طويل وحرب استنزاف تهدف إلى إتاحة الفرصة له ليصبح زعيما سياسيا من خلال المفاوضات ولتحقيق حكم مدني حقيقي. وأسفر القتال منذ منتصف أبريل/نيسان عن مقتل ما لا يقل عن 500 شخص وإصابة الآلاف، وعرقل وصول المساعدات، ودفع 100 ألف شخص إلى الفرار إلى الخارج، وحول المناطق السكنية في الخرطوم إلى ساحات حرب. وتعهد حميدتي بالقبض على البرهان أو قتله، وانتهك الجيش الكثير من فترات وقف إطلاق النار التي وافقا عليها.
مشاركة :