كشفت تسريبات من المفاوضات السودانية في جدة، أن الوساطة الأميركية السعودية توصلت لاتفاق مبدئي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على وقف إطلاق النار لمدة شهر، في وقت تتواصل ميدانيا الاشتباكات داخل العاصمة الخرطوم بعد ساعات من قصف الجيش بالطيران الحربي القصر الجمهوري وتدميره. ووفق التسريبات فإن الاتفاق المبدئي يتضمن إيقاف القصف الجوي، على أن تكون كل قوة في مكان تواجدها وفتح الممرات الآمنة لإفساح المجال لعمليات الإغاثة والمستشفيات وفتح الأسواق وعودة الكهرباء والماء. كما يتضمن الاتفاق المبدئي الذي قبله الجانبان، إعادة فتح مطار الخرطوم تتولى قوة مشتركة سعودية أميركية تأمينه. وأشارت التسريبات إلى أن المباحثات بين الطرفين بمشاركة القوى المدنية والرباعية والثلاثية ستستمر خلال هذا الشهر للوصول لاتفاق نهائي وسحب كل القوات المسلحة للطرفين من العاصمة. وأكد مسؤولون رفيعو المستوى في الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة الانفراجة المرتقبة في المفاوضات، حيث ذكروا أن القائدين العسكريين المتحاربين في السودان، على وشك التوقيع على إعلان مشترك، من شأنه أن يسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى العاصمة، مشيرين إلى احتمال نشر قوات من الاتحاد الأفريقي لتأمين المطار. وأفادت وكالة "بلومبرغ"، اليوم الأربعاء، بأن الاتفاق، الذي تم بحثه بعناية في المملكة العربية السعودية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، في مراحله الأخيرة، وقد يوفر إطارا لنقل المساعدات جوا إلى الخرطوم، حيث تنشب اشتباكات بين الجانبين منذ نحو شهر. ومن جانبه، قال محمد الحسن ولد لبات، وهو كبير مستشاري رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقيه ، في مقابلة هاتفية صباح اليوم الأربعاء "آخر المعلومات التي وردت إلينا حتى وقت متأخر من مساء الثلاثاء، هي أن الطرفين في جدة سيكونان قادرين على التوقيع على وثيقة بشأن المسألة الإنسانية". ويأتي هذا التقدم المشجع في المفاوضات الذي من شأنه أن ينعش آمال السودانيين في وقف القتال المتواصل منذ منتصف أبريل الماضي، وسط تواصل المعارك الدامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في الخرطوم ومدن أخرى. وتحدث سكان عن مواجهات على الأرض في عدة أحياء بالخرطوم بين طرفي الصراع وتبادل كثيف لإطلاق النيران شمالي أم درمان وشرقي بحري، وهما مدينتان يفصلهما نهر النيل عن الخرطوم. ويواصل الجيش منذ الثلاثاء قصف أهداف في المدن الثلاثة في محاولة لإبعاد قوات الدعم السريع التي سيطرت على مناطق سكنية واسعة ومواقع استراتيجية منذ اشتعال الصراع في 15 أبريل. وقال واحد من سكان حي شمبات بمدينة بحري اسمه أحمد "ضرب شديد من الساعة 6:30 صباحا طيران وآر.بي.جي. نحن راقدين على الارض وفي ناس ساكنين قريب مننا جرو على النيل يحتمو هناك". ويأتي هذا التصعيد الميداني في وقت لا تزال المفاوضات بين طرفي الصراع في مدينة جدة السعودية مستمرة، حيث قالت السعودية إن المفاوضين يعملون على وقف قصير المدى لإطلاق النار. وتقول أوساط سودانية إن الطرفين زادا في التصعيد الميداني بهدف تحقيق مكاسب نوعية تمكّن من فرض شروط على الطرف السعودي الذي يرعى المفاوضات. وتشير هذه الأوساط إلى أن الجيش بصفة خاصة يتعمد إرجاء أي حديث عن الالتزامات المباشرة التي تفضي إلى التهدئة، وأنه يدفع نحو النقاشات العامة في ظل سعي قياديّيه لحسم الخلاف ميدانيا. لكن اتجاه المعارك لا يتماشى مع رغبة الجيش وخططه. وتمكنت قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" صباح اليوم الأربعاء، من إسقاط طائرة "ابابيل" بالقرب من كبري الحلفايا شمال بحري وأضافت في بيان عبر توتير أن "قواتها درسًا بليغًا للانقلابيين وفلول النظام البائد في الجسارة والعزيمة وقاموا بدحرهم وتكبيدهم خسائر كبيرة في القوات والعتاد وولت فلولهم هاربة". وكانت قوات الدعم السريع قد اتهمت في وقت سابق من مساء الثلاثاء الجيش بقيادة الفريق الأول عبدالفتاح البرهان بتدمير القصر الجمهوري القديم الذي تسيطر عليه في العاصمة الخرطوم، وتوعدت بـ"الرد المناسب". وقالت قوات الدعم السريع -في بيان نشرته عبر صفحاتها على فيسبوك وتويتر مساء الثلاثاء- إن هجوما بالطيران على القصر الجمهوري القديم باستخدام صواريخ أدى إلى تدميره، وأضافت "نؤكد للرأي العام المحلي والعالمي، أن هذا الفعل الشنيع لن يمر مرور الكرام دون أن يجد منا الرد المناسب". كما اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني من "قيادة القوات الانقلابية وفلول النظام البائد المتطرفة باستهداف عدد من المنشآت المدنية والأحياء السكنية والمصانع والمؤسسات الخاصة، مما تسبب في إصابة ومقتل عدد من المدنيين الأبرياء". وأكدت أن "الانقلابين بلغوا من اليأس والفشل مرحلة جعلتهم يستهدفون المدنيين في حملة اعتقالات على أساس عنصري وقبلي الأمر الذي سيكون له انعكاسات سالبة"، حسب البيان. والقصر الجمهوري القديم أحد قصرين داخل مجمع القصر الرئاسي الذي يضم أيضا القصر الجديد المبني أواخر سنوات حكم الرئيس المعزول عمر البشير (1989-2019). وكان القصر القديم مقر الحكومة السودانية منذ ما يزيد على 100 عام وحتى العقود التي تلت استقلال البلاد عام 1956. ومع بداية الاشتباكات مع الجيش السوداني منتصف أبريل الماضي، أعلنت قوات الدعم السريع إحكام سيطرتها على القصر الجمهوري، وهروب عناصر الجيش تاركين أسلحة ومعدات عسكرية ومدرعات. وأرسل كل من جيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، مفاوضين إلى السعودية السبت لإجراء مناقشات تمهيدية "فنية" فقط حول الممرات المؤمنة للمساعدات الإنسانية. ونقلت قناة الإخبارية السعودية الرسمية في أول تقرير لها بخصوص المحادثات عن وزارة الخارجية السعودية قولها الثلاثاء إن المفاوضات تهدف إلى "وقف إطلاق نار بناء قصير المدى". وغادر مفوض الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث جدة التي كان قد وصلها الأحد. وقد اقترح على الطرفين الالتزام بـ"ضمان مرور المساعدات الإنسانية" عبر إعلان مبادئ، بحسب الأمم المتحدة. وقال فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن "غريفيث يأمل في المصادقة على الإعلان في أقرب وقت ممكن، ليتسنى توسيع نطاق عمليات الإغاثة بسرعة وأمان من أجل تلبية احتياجات الملايين في السودان". ومنذ بدايته في 15 أبريل، أدى النزاع إلى سقوط أكثر من 750 قتيلاً وخمسة آلاف جريح. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 150 ألف لجأوا إلى الدول المجاورة بينما يتجاوز عدد النازحين داخليًا في السودان الآن 700 ألف شخص أي أكثر من ضعف العدد الذي تم تعداده قبل أسبوع وهو 340 ألفًا. وتحذر الأمم المتحدة من أن استمرار المعارك يمكن أن يدفع 2.5 مليون شخص إلى الجوع، مما يعني ارتفاع عدد من يعانون من "انعدام غذائي حاد" إلى 19 مليون شخص في غضون أشهر. وتعرضت مرافق تابعة للأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى لأعمال نهب على نطاق واسع، من بينها برنامج الأغذية العالمي في الخرطوم خلال نهاية الأسبوع، حسب ما قال متحدث باسم الأمم المتحدة الاثنين. كما تحاول منظمات الإغاثة غير الحكومية التفاوض على ضمان ممرات إنسانية آمنة، لإيصال مساعدات إلى الخرطوم ودارفور، حيث قُصفت أو نُهبت المستشفيات ومخازن المساعدات الإنسانية. ويتمثل الخطر الأكبر في انتشار أعمال السطو والنهب والغياب التام للشرطة والقانون، وهو ما تطرقت إليه منظمات دولية. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الثلاثاء إن بلاده لن تتخلى عن هدف إعادة السودان إلى مسار الحكم الديمقراطي المدني مضيفا أن واشنطن تبذل الجهد في محادثات جدة من أجل وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق بخصوص المساعدات الإنسانية. وقال البرهان في مقابلة هاتفية مع قناة القاهرة الإخبارية الاثنين إن المحادثات في جدة تهدف إلى تخفيف الضغط على المدنيين وليس إلى أي تسوية سياسية واتهم قوات الدعم السريع بقطع إمدادات الكهرباء والاتصالات عن المناطق التي تسيطر عليها. وقالت قوات الدعم السريع في بيانات إنها تسعى إلى استمرار الخدمات في الخرطوم ونفت صحة تقارير عن قيام أفرادها بأعمال نهب وانتهاكات أخرى. وأضافت يوم الثلاثاء أن الجيش استهدف مناطق سكنية بضربات جوية. وقال سكان إن منازل ومتاجر ومستودعات تعرضت للاستهداف. وندد اتحاد المصارف السوداني بعمليات السطو والتخريب في بعض فروع البنوك، قائلا إن المصارف ستستأنف خدماتها إذا سمحت الظروف بذلك. وينذر اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بحرب طويلة ربما تجتذب قوى خارجية وتؤدي إلى أزمة إنسانية جديدة في المنطقة.
مشاركة :