"طيب وأمير" تستحضر من تاريخ نجيب الريحاني مسرحا كوميديا معاصرا

  • 5/11/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لا يزال المسرح المصري يستعيد من تجارب أشهر الكوميديين الراحلين الذين أثروا في الحركة الفنية المحلية والعربية أعمالا يثري بها النشاط المسرحي ويعيد بها الجمهور إلى المسارح بعد أن أبدى خلال السنوات الماضية عزوفا يعود في جانب كبير منه إلى تدني مستوى الأعمال الفنية وانصراف المشاهد عن المسرح نحو التلفزيون والمنصات وما تقدمه من عروض بتقنيات حديثة. عرف المسرح في مصر فنّ الكوميديا منذ بواكيره الأولى، وفي حين أنه بدأ غنائيا وفق إجماع النقاد والمؤرخين، إلا أنه سرعان ما أفرز مجموعات مسرحية مختصة في الكوميديا جعلت من المسرح الكوميدي العربي “مصريا بامتياز” من حيث كم المسرحيات المعروضة سنويا وكيفيتها، وربما يعود ذلك إلى طبيعة الشعب الذي يواجه الأزمات بالنكات ويعرف عنه مرحه وحبه للفكاهة. في بداية الحركة الفنية المسرحية كانت هناك عشرات من الفرق التي تخصصت في تقديم هذا النوع من المسرح، لكن العام 1962 كان بداية النقلة الكبيرة حيث شهد تأسيس “فرقة المسرح الكوميدي” التابعة لوزارة الثقافة، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن. هذا العام قدمت الفرقة مسرحية “طيب وأمير” التي بدأت عروضها مع موسم عيد الفطر الماضي على مسرح ميامي الذي تم تحديثه مؤخرا، وتعد أول العروض التي تنتجها الفرقة بعد تولي الفنان ياسر الطبجي إدارة المسرح الكوميدي. بوكس يقع مسرح ميامي في قلب العاصمة المصرية القاهرة وتحديدا في شارع طلعت حرب، وهو يتبع حاليا البيت الفني للمسرح الذي قام بتجديده بالكامل داخليا. يعرف المسرح بأنه تقدم عليه العروض التلفزيونية أيضا وأشهرها عروض برنامج “أبلة فاهيتا”. وهو يسع نحو 450 كرسيا. “طيب وأمير” مأخوذة عن تراث نجيب الريحاني وبديع خيري الثنائي الذي يعد رائدا في الكتابة المسرحية الكوميدية وأيقونة فريدة من نوعها، منحت الفن المصري الكثير، واستقطبت الملايين من جمهور السينما والمسرح بفضل تلك الثنائية التي مهدت الطريق نحو التطور الكبير في عالم الفن. عرف الريحاني بمشاركته في كتابة مسرحياته مع بديع خيري وأيضًا أفلامه والتي كانت عبارة عن مسرحيات حولت إلى السينما، وصور بعض هذه الأفلام في باريس رغم أن أحداثها تدور في مصر، وأشهر الشخصيات التي لعبها كانت شخصية “كشكش بيه” الكوميدية. وحظي نجيب الريحاني باحتفاء غير مسبوق هذا العام حيث احتفت به الدراما الرمضانية بمسلسل يتناول قصة حياته بعنوان “الضاحك الباكي” لكنه عمل واجه العديد من الانتقادات اللاذعة واتهم بتقديم مغالطات تاريخية ووقوعه في فخ الاستسهال. المسرحية مأخوذة عن فيلم “سلامة في خير”، أحد إبداعات خيري والريحاني، الذي صنف كأحد أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية والذي أنتج في العام 1937 ويحكي قصة ساع يعمل في أحد المحلات التجارية يتم إرساله إلى البنك لإيداع مبلغ نقدي، لكنه يتأخر عن الموعد، ليعود للمحل فيجده مغلقًا فيذهب إلى فندق لينام ويحفظ النقود في خزينة الفندق، إلا أنه تم الخلط بينه وبين أمير قندهار ويعجب أمير قندهار به ويصر على إكمال هذا الخلط ليكشف أعداءه. “طيب وأمير” كتبها أحمد الملواني وأخرجها محمد جبر وصمم الديكور الخاص بالمسرحية حمدي عطية، أما الإضاءة فكانت لأبوبكر الشريف وأزياء أمير صابر واستعراضات أسامة مهنا وأشعار طارق علي وألحان كريم عرفة وتوزيع موسيقي أيمن التركي وغناء إهداء الفنان عماد كمال، وشارك في البطولة الفنانون هشام إسماعيل وعمرو رمزي وتامر فرج وأحمد السلكاوي وشريف حسني ونهى لطفي وشيماء عبدالقادر. في هذا العمل الكوميدي تجمع الصدفة بين هشام إسماعيل الذي يجسد دور بطل العمل “سعيد الطيب” بشخصية “ميسي” الرجل الفضولى، والتي جسدها الفنان شريف حسني. “سعيد الطيب” الذي يرفض دائما أن يقال له إنه رجل طيب، ويقبل كل أنواع السباب في حقه لكنه يرفض أن يوسم بالطيب هو محاسب في إحدى الشركات الشهيرة باسم “سيراميك على بلاطة” صاحبها رجل شديد البخل، تورطه الصدفة في مليون جنيه مصري لم يسعفه الحظ في أن يتمكن من تنزيلها بحساب الشركة فيضطر إلى حمل الحقيبة معه أينما اتجه مخافة سرقتها، يسرق هاتفه الشخصي، فيتعرف على “ميسي” الرجل الفضولي الذي يرمز إلى فضولية الشعب المصري الذي يهتم أفراده بمعرفة كل شيء عن حياة الآخر سواء كان قريبا أو غريبا. بوكس تحمله الأحداث الكوميدية المتسارعة إلى فندق الحرية أين يضطر للتنكر على هيئة الأمير “غندور” أمير سرسستان، الأمير التافه المنشغل عن حكم بلاده وتسيير أمور شعبها بالسياحة في مصر وتناول وجبة الكشري وزيارة كل الأماكن التي كان يرتادها والده سابقا. يتعرض سعيد الطيب بعد أن تحول إلى الأمير غندور الرابع خلال عملية مقايضة بينه وبين “دغدان” الأمير، أساسها حماية حقيبته ذات المليون جنيه من السرقة مقابل لعبه دور الأمير، إلى محاولة اغتيال، خطط لها عم الأمير الطامع في الحكم، لكن فشل المحاولة يقلب حياة سعيد رأسا على عقب ويمنحه ترقية غير متوقعة ليصبح مدير الشركة ويعقد صفقة مع الأمير يبيع من خلالها “السيراميك” لدولة سرسستان. صحيح أن التناول المسرحي لأعمال نجيب الريحاني ليس الأول من نوعه، لكنه تناول معاصر يواكب الراهن في حياة المصريين، من تغيرات اقتصادية وسلوكية واجتماعية، ويقدم مسرحا يمزج بين الموسيقى والرقص والاستعراض، محافظا على الأساسيات الكلاسيكية للعرض المسرحي باعتماد الفواصل المسرحية والستارة المتحركة، والديكورات غير الثابتة وكذلك الأزياء المتنوعة والتي اتسمت بألوانها الحيوية والمتناسقة. وأسهمت السينوغرافيا عامة بما احتوته من ديكورات وأزياء بالإضافة إلى الموسيقى والكوريغرافيا في إضفاء عنصر جاذب للجمهور، مخفف لحدة الملل الذي تسبب فيه طول مدة العرض، فـ”طيب وأمير” مسرحية تعرض على مداد ثلاث ساعات وهو أمر لم يعد معمولا به بكثرة في المسرح العربي وخاصة مع دخولنا عصر السرعة والتطور التكنولوجي الذي زاد من سرعة النسق الطبيعي وكذلك وباء كورونا المستجد الذي غير سلوكيات الشعوب وجعلها غير قادرة على الالتزام لساعات طويلة بمشاهدة أعمال فنية في أماكن مغلقة. وجاء نص العمل المسرحي محكما، يحافظ على “اللزمات” التي تكررها كل شخصية على حدة، لكنها جاءت على شكل جمل بسيطة ترافقها حركات جسدية مضحكة، تجعل المشاهد يرددها وتستفزه للتفاعل فيبدو في بعض المشاهد ممثلا هو الآخر يضيف ويسأل ويجيب، بالإضافة إلى أنه يضحك ويعبر عن إعجابه بما رأى وسمع بالتصفيق الحار. مثل هذه الإنتاجات المقتبسة عن الأعمال الكلاسيكية يمكن أن تكشف لنا مدى ضعف الإنتاج الراهن الذي يعجز عن تقديم أعمال مسرحية كوميدية خاصة به قادرة على إقناع المشاهد، فهذا العمل المسرحي الذي وإن حقق نجاحا كبيرا فعليا واضطر لمد عروضه اليومية جراء الإقبال الكبير على مشاهدته، يظل في جانب منه مقتبسا عن عمل شهير لأحد أشهر أعلام الكوميديا في مصر والعالم العربي لذلك صار من الضروري على المسرحيين وخاصة الكتاب المسرحيين أن يفكروا جديا في التخلص من عباءة الآباء والمؤسسين وإيجاد مساحات حرة لابتكار أعمال تعيش هي الأخرى لعقود وتكون علامة فارقة قد تقتبس منها الأجيال القادمة. يذكر أن هذه المسرحية جاءت ضمن مخطط البيت الفني للمسرح الذي شهد تألق رواد المسرح المصري، واختار القائمون عليه أن يستهلوا العام الفني الجديد بمسرح جديد جاد ومتميز، ينهض بالحركة المسرحية، ويواصل مسيرة الأجيال المتعاقبة، ويواكب الرؤية الجديدة لوزارة الثقافة للنهوض بكافة أشكال الفنون وفي مقدمتها المسرح أب الفنون.

مشاركة :