أعتقد أنه قد تعلو وجهك ابتسامة وأنت تقرئين هذه السطور وتظنين أنني تماديت كثيرا في حماسي ـ وأن الأمر كله لن يحدث إلا في أفلام الخيال العلمي. كلا، على الإطلاق. فجزر البهاما لديها بالفعل عملة رقمية صادرة عن البنك المركزي. وهناك دول كثيرة أخرى تجري حاليا التجارب على هذه العملات وتتحقق من جدواها. وإذا أردت رأيي فإنها مسألة وقت وليست إمكان حدوث ذلك. وهناك مزايا محتملة هائلة وراء ذلك. فبعض الدول ترغب في خفض تكاليف التعاملات بالنقد، خاصة عبر الأقاليم الشاسعة أو الجزر المتعددة. وبعضها حريص على تحسين مستوى الشمول المالي، بحيث تتاح لمن لا يملكون حسابات مصرفية فرصة الاستفادة من إحدى وسائل الدفع مع تضاؤل استخدام النقد. وتمثل المدفوعات بالنسبة إلى كثيرين الخطوة الأولى للاستفادة من الخدمات المالية الأخرى مثل حسابات التوفير والقروض. كذلك ينتاب بعض البنوك المركزية القلق إزاء تزايد خضوع نظم المدفوعات لهيمنة عدد قليل من الشركات الكبرى، والأجنبية غالبا. ولذلك، فإنها تهدف إلى توفير بديل محلي جذاب يصلح أيضا كنظام مدفوعات مساند ويحفز القطاع الخاص على تقديم خدمات عالية الكفاءة بتكلفة منخفضة. ولا يفوتنا أن نفكر في مزايا الابتكار - فالعملة الرقمية الجديدة يمكن أن تكون مثل الكمبيوتر الشخصي أو الهاتف الذكي، فتحفز تطوير خدمات واستخدامات مبتكرة جديدة. ورغم هذه المزايا تأخذ البنوك المركزية جانب الحذر في مواصلة التقدم على هذا المسار، وهي محقة في ذلك. فنظم المدفوعات تتسم بأهمية نظامية. وينبغي لها ألا تفشل أو تنهار أو تتعرض لهجمات إلكترونية، أو تقع فريسة لاستخدامات المجرمين في عمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب. وهناك مخاطر أخرى أيضا، ربما أهمها ما يتعلق بتمويل البنوك. فما الذي سيحدث لو أنك قررت سحب مدخراتك من البنك وحيازة عملة البنك المركزي الرقمية فقط؟ أعرف أن الشكوك أخذت تساورك تجاه كفاءة البنوك الكبيرة منذ وقوع الأزمة الأخيرة. ولكن البنوك ضرورية لتوجيه مدخراتك في قنوات لتمويل مشروع شخص آخر. وربما يكون صديقنا الخباز بحاجة إلى قرض لشراء فرن جديد لذا من الضروري إيجاد سبل للحد من التحولات الكبيرة أو الحادة بعيدا عن الودائع المصرفية. فقد تفرض بعض البنوك المركزية رسوما عند تجاوز حيازاتك من العملة الرقمية مبلغا معينا ـ سنرى ما سيحدث. وبالمثل، قد يختار بعض الأفراد حيازة عملة رقمية صادرة عن بنك مركزي أجنبي، إذا كانت تعد أكثر أمانا. أو أكثر استقرارا، أو ربما أكثر كفاءة وسهولة في الاستخدام. وقد يمثل ذلك مشكلة للنظام المصرفي المحلي وللبنوك المركزية التي تسعى إلى توجيه دفة اقتصادها من خلال أسعار الفائدة على الأصول بالعملة المحلية. ولذلك قد يتعين على البنوك المركزية إيجاد طرق لإدارة تدفقات العملات الرقمية الوافدة والخارجة عبر الحدود وهذا موضوع كبير مفتوح لا نزال عاكفين على دراسته. وأخيرا، قد تتعرض مصداقية البنوك المركزية للخطر، وسيصبح الطلب عليها ضخما فهل تتخيلين البنك المركزي وقد أصبح أشبه بشركة برمجيات الكمبيوتر فيكون بحاجة دوما إلى البقاء في موقع الصدارة من التطورات التكنولوجية ويقوم بتلبية احتياجات قاعدة متنوعة وسريعة التطور من المستخدمين؟ ولحسن الحظ لن تكون البنوك المركزية بمفردها في التعامل مع هذا الأمر. فالقطاع الخاص بوسعه أن يدخل شريكا معها لتوفير الجوانب التشغيلية للعملات الرقمية. وعلى سبيل المثال، من الممكن أن تتيح لك شركة خاصة إمكانية إرسال الأموال إلى رقم هاتفي مسجل في دفتر عناوينك على الهاتف، "ورقم هاتفك يا أمي هو الأول في دفتر عناويني"، ويرتبط هذا الرقم من وراء الكواليس بهوية مستخدم متحقق من صحة بياناته ويمكن أن تقوم الشركات الخاصة أيضا بتصميم المحافظ الرقمية للاحتفاظ بالعملات الرقمية الرسمية، كما يمكنها حتى إنشاء عملاتها الرقمية الخاصة بها، وذلك بدعم كامل ورقابة تامة من جانب البنك المركزي "على عكس عديد من العملات المشفرة المطروحة في الأسواق". ولكن لا تشغلي بالك كثيرا بهذه التفاصيل الفنية فهذا صميم عملي كل ما تحتاجين إلى معرفته هو أنك تستخدمين وسيلة دفع آمنة ومستقرة وكفؤة. والآن أصبحت تعرفين طبيعة ما أقوم به من عمل وسبب سعادتي البالغة به. ومع ذلك، أعلم أنك ستصرين على دفع ثمن الكعك عندما أزورك المرة المقبلة مستخدمة على الأرجح ورقة نقدية جديدة.
مشاركة :