أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ياسر بن راشد الدوسري، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه. وقال فضيلته: لقدْ خلقَ اللهُ بني آدمَ وأشهدَهُم على أنفسهِم، فأقرُّوا بربوبيتِه، المُستلزمةِ لألوهيتِه، كما قالَ جلَّ في قُدْرتِه: ( وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قَالُواْ بَلَى شَهِدنَا ) [سورة الأعراف، من الآية: 172]، فلما خلقَ اللهُ أبدانَهم، ونَفخ فيها أرواحَهُم: ظلَّتْ متعلِّقةً بربِّها، مضطرةً للافتقارِ إلى خالقِها، كما قالَ ” كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ ” مضيفًا بإن أعظمَ العباداتِ العمليةِ، التي تُغذِّي هذه المطالِبَ الروحيةَ، وتُحقِّقُ الحوائجَ الفطريةَ: هي عبادةُ الصلاةِ لربِّ البريَّة، ولذلك كانتْ عمُودَ الدِّين، وصِلةَ العبدِ بربِّ العالمين، وقُربةَ جميعِ الأنبياءِ والمرسلينَ، فالصلاةُ سَلوةُ الـمُخبتين، وخَلوةُ الـمُتقين، وطُمأنينةُ المُؤمنين، وقرَّةُ عُيونِ المُحبِّين، ولذَّةُ أرواحِ المُوحِّدين، وبُستانُ العَابِدين، ولذَّةُ نفوسِ الخاشِعين، ومَحكُّ أحوالِ الصادقِين، وميزانُ أحوالِ العَامِلين، وهي رحمةُ اللهِ المهداةُ إلى عبادِهِ المؤمنين، قالَ ربُّ العَالمين: (وَاستَعِينُواْ بِالصَّبرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ (سورة البقرة). وأضاف: إن الصلاةُ لها في الإسلامِ منزلةٌ عظيمةٌ، ومَكانةٌ رفيعةٌ: فلقدْ فَرَضَهَا اللهُ مِنْ غيرِ واسطةٍ في ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ، مِن فوقِ سبعِ سماواتٍ، فهي أفضلُ الأعمالِ بعدَ الشهادتين، وهي عمادُ الدِّين، وأكثرُ الفرائضِ ذكراً في كتابِ اللهِ الـمُبينِ، وآخرُ وصيةٍ أوصىَ بها أمتَهُ خاتَمُ النَّبيين، وأولُ مَا يُحاسبُ عليهِ العبدُ مِنْ حُقوقِ ربِّ العَالمين، ومِنْ أعظمِ أسبابِ مرافقةِ النبي في الجنةِ يومَ الدِّين، فقد ثبتَ في صحيحِ مُسلمٍ أنَّ رَبِيعَةَ الْأَسْلَمِي سأل النبي مُرَافَقَتَه في الجنةِ فقال: “أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ”. وتابع فضيلته قائلًا: ثم اعلموا -رحمكم الله:- أن للهِ في كلِّ جَارحةٍ مِنْ جَوارحِ العبدِ عبوديةً تخصُّها، وطاعةً مطلوبةً مِنْها، خُلِقتْ وهُيئتْ لأجلِها، والصلاةُ وُضعتْ لاستعمالِ الجوارحِ جميعِهَا، في عبوديةِ خالقِها، فلكلِّ عبوديةٍ في الصلاةِ سرٌّ وتأثيرٌ وعبوديةٌ لا تحصلُ منْ غيرِها، فمَنِ استعملَ تلك الجوارحَ فيما خُلقتْ لهُ، فهو السعيدُ الذي ربحتْ تجارتُه، وحُطَّت خطيئتُه، ورُفِعتْ درجتُه؛ لأنه عرفَ طريقَ النجاةِ، فوقفَ على قدَمِ الأدَبِ في المناجاةِ، فنالَ من ربِّه ما رَجَاهُ، فله عندهُ أعظم قدْرٍ وجَاه، مضيفًا قد جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ بحكمتِه الدخولَ عليه في الصلاةِ موقوفاً على الطهارةِ، وشَرعَ للمُتطهِّرِ كما أخبرَ النبيُّ أن يقولَ بعدَ فراغِه منَ الوُضوءِ: “أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا الله وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي من الـمُتَطَهِّرِينَ” أخرجه الترمذي، وأمرَه باستقبالِ القِبلةِ بوجهِهِ، والإقبالِ على اللهِ عزَّ وجل بكلِّيَّتِه، والقيامِ بينَ يديهِ مقامَ العبدِ المتذلِّلِ المسكين، ثمَّ يُكبِّـرُهُ بالإجلال والتعظيمِ فيفتتحُ صلاتَهُ بقولِهِ: (الله أكبر)، الله أكبر: إعلاناً للتوحيدِ، الله أكبر: براءةً منَ الشركِ، الله أكبر منْ مُتعِ الدنيا وملذاتِها، الله أكبر منْ همومِها وملهياتِها، فيتخلَّى المصلي عنِ العوائقِ، ويقطعُ جميعَ العلائقِ، ثم يبدأُ بعدَ التكبيرِ، بدعاءِ الاستفتاحِ، فيسبِّحُ اللهَ، ويحمدُه، ويعظّمُه، ويُفردُه بالتوحيدِ وحدَه لا شريكَ لهُ، فيقولُ: (سُبحانَك اللهمَّ وبحمـدِك وتبارَكَ اسـمُكَ وتعالى جدُّكَ ولا إله غيرُك)، ثم يستعيذُ باللهِ، ويلتجئُ إليهِ في صَرْفِ الشيطانِ عنْه، ثم يُبسْملُ، ويقفُ بعدَ ذلك عندَ كلِّ آيةٍ منَ الفاتحة مُستشعرًا جوابَ ربِّه له، وكأنَّهُ يسمعُه وهو يقولُ:(حمدني عبدي)، (مجَّدني عبدي)، (هذا بيني وبين عبدي)، ثمَّ يسألُ ربَّه أفضلَ سؤالٍ وهو: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (سورة الفاتحة)؛ ليهديَه إلى الطريقِ الموصلةِ إليه وإلى جنَّته، ويُبعدَه عن سبيلِ الضلالِ وأسبابِ غضبِهِ، ثمَّ يأخذُ بعدَ ذلك في تلاوةِ ما تيسرَ منْ القرآنِ؛ ويتدبرُ في كلامِ الرحمن، فتَتَنزَّلُ تلكَ الآياتُ على القلوبِ نزولَ الغيثِ على الأرضِ التي لا حياةَ لها بدونِه، ويحلُّ فيها مَحلَّ الأرواحِ منَ الأبدانِ، ثمَّ يعودُ إلى تكبيرِ ربه عزَّ وجلَّ، وينتقلُ المصلِّي حينَها إلى مقامٍ منْ مَقاماتِ الخضوعِ بينَ يدي الله، مقامٍ يحني فيه العبدُ صُلْبَه، ويُطأطِئ تعظيمًا لله رأسَهُ، مُسبِّحًا لهُ بذكرِ اسمِه العظيمِ، فيقول: (سبحانَ ربي العظيم)، منزِّهًا للهِ عنْ كلِّ ما يضادُّ كبرياءَه وجلالَه وعظمتَه، ثمَّ يرفعُ مِنْ ركوعِهِ، حامدًا ربَّه مُثنيًا عليهِ بأكملِ محامِدِه وأحسنِها، فيقول: (سمعَ اللهُ لمنْ حمدَه)، (رَبَّنَا ولكَ الحمدُ، حَمْدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه)، ثمَّ يكبِّرُ وينتقلُ بعدَ الحمدِ لمقامِ الصلاةِ الأعظمِ، وموطِنِهـــا الأشرفِ، فيخرُّ للهِ ساجدًا على أشرفِ ما فيهِ وهو الوجهُ؛ ذُلًّا ومَسكنَةً بين يدي ربِّه، وقدْ أخذَ كلُّ عضو منَ البدن حظَّهُ من هذا الخضوعِ والعبوديةِ، فيسبِّحُ ربَّهُ الأعلى في سجودِهِ، فيقول: (سبحان ربي الأعلى)، ولما كانَ السجودُ غايةَ ذلِّ العبدِ وخضوعِهِ كانَ أقربَ ما يكونُ إلى ربِّه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : “أَقْرَبُ ما يَكُونُ الْعَبْدُ منْ رَبِّهِ وهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ” أخرجه مسلم، ثمَّ يجلسُ بين السجدتين فيفصلُ بينهما بجلسةِ العبدِ المُستعطفِ لسيِّدِه، ويدعُوه قائلًا: (ربِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي)، وهذهِ تجمعُ له خيْرَي الدنيا والآخرةِ، ثمَّ شُرِعَ له تكرارُ هذه الركعةِ مرَّةً بعد مرَّةً، ليَجبرَ ما قبلَه بما بعدَه، وليَشبعَ القلبُ منْ هذا الغذاءِ النافعِ، وليَأخذَ حظَّهُ ونصيبَه وافراً منَ الدواءِ، فإن منزلةَ الصلاةِ من القلبِ منزلةُ الغذاء والدواء. وبين بأن في نهايةِ صلاتِه شُرِعَ له الجلوسُ للتشهدِ، فيُثني على اللهِ بأفضل التحياتِ، ثمَّ يسلِّم على نبيه بأتمِّ التسليمات، ويسلِّمُ على نفسه وعلى سائر عبادِ الله الصالحين، ثم يتشهدُ شهادةَ الحقِّ، فيقول: (أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله)، ثم يصلِّي على مَنْ علَّم الأمةَ هذا الخيرَ ودلَّهم عليه، فيصلِّي على محمدٍ وعلى آل محمد، وعلى إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، عليهم أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليم، وبعد ذلك يُستحبُ لهُ التعوُّذُ منْ عذابِ جهنم ومن عذابِ القبر، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومن فتنة المسيحِ الدَّجالِ، وأن يستغفرَ ربَّه مُعترفًا بذنبه وضعْفِه، ثمَّ يسأل اللهَ حوائجَهُ، ويدعُو بما شاء، فإذا قضى ذلكَ أُذِنَ له بالخروجِ منَ الصلاةِ بالتسليمِ، فيختمُها بـ: (السلام عليكم ورحمة الله)، فكان من تمامِ النعمةِ انصرافُهُ منْ بين يدي ربِهِ بسلامٍ يستصحبُه ويدومُ لهُ ويبقى معهُ، وأُمرَ بإقامةِ الصلاةِ خمسَ مــراتٍ في اليومِ تطهيرًا لهُ من غفــلاتِ قلبِه، وأدرانِ خطاياه، قال جلَّ في عُلاه:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيِّـَاتِ ذَلِكَ ذِكرَى لِلذَّاكِرِينَ ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : “أَرَأَيْتُمْ لو أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هل يَبْقَى من دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قالوا: لَا يَبْقَى من دَرَنِهِ شَيْءٌ، قال: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا” متفق عليه، وبذلك تتمُّ الصلةُ الحقيقيةُ بين العبدِ وربِّه، فترتقي الروحُ إلى مَدارج عاليةٍ منَ التقوى والطمأنينةِ، والسكينةِ والخشوعِ، فتُؤتي في النفسِ أُكُلها، وتُثمرُ في العبدِ آثارها، وبذلك يحصلُ للعبد الفلاحُ، الذي وعدَ اللهُ بهِ أهل الإيمان والصلاح، حيثُ قال الله: ( قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُم فِي صَلَاتِهِم خَاشِعُونَ ) وهذه مقاماتٌ منَ الإيمانِ عاليةٌ، وسموٌّ عن دَرَكاتِ الدنيا الفانيةِ، لا يُرتقى إليها إلا بمراكبِ الخشوعِ والاصطبارِ عليها . وأردف فضيلته قائلاً : اعْلَمْوا أَنَّ المقْصُودَ بِالصَّلاةِ إِنَّمَا هو تَعْظِيمُ المعْبُودِ، فهي تعظيمٌ لله منْ مُبتداها إلى مُنتهاهَا، وتَعْظِيمُهُ لا يَكُونُ إِلا بِحُضُورِ الْقَلْبِ في الطاعةِ، فتنتفي بذلكَ الوساوسُ والأفكارُ الرديئةُ، وهذا روحُ الصلاةِ ولبُّها، فإذا حصلَ للقلبِ روحُ الأُنسِ زالتْ عنه تلك التكاليفُ والمشاقُّ فصارتِ الصلاةُ قرةَ عينٍ لهُ، وقوةً ولذةً وسعادةً، ولذلكَ قالَ النبي : “وجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلَاةِ” كما أن قرةُ العينِ: أنْ تؤدِّيَها وقلبُك منشرحٌ مطمئنٌ بها، وعيناك قريرتَان، تفرحُ إذا كنتَ مُتلبساً بها، وتنتظرُها إذا أقبلَ وقتُهَا مشتاقًا لها، ولما كانتِ الصلاةُ راحةً للقلبِ منَ التعبِ والنَّصبِ قالَ النبي صلى الله عليه وسلم : “يَا بِلَالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ” أخرجه أحمد في مسنده، حتى يعودَ إلى مَا هو قرةُ عينِهِ، ونَعِيمُ رُوحِهِ، فالنجاة كلُّ النجاةِ والفلاح كلُّ الفلاحِ: أنْ يصليَ المسلمُ كما صلى النبيُّ بقلْبِه وقالبِه كما قالَ النبي صلى الله عليه وسلم : “صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي” مضيفًا أن من معاني الصلاة الجليلة وغاياتها العظيمة: إقامة صلاة الجماعة، وفي ذلك ترسيخٌ لمفهوم اجتماع الكلمة وائتلاف صفوف المسلمين حتى يكونوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسَّهر، وما زالت الأمة تتنفس بهذه الروح، وفي مواقف المملكة النبيلة مع المسلمين من ذلك شروح، ومما يحسُن الإشارة إليه في هذا السياق هو الإشادة بالموقف التاريخي الإنساني السخِّي الذي تقوم بها حكومتنا الرشيدة في المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين مع الشعب السوداني، والذي شهد به القاصي والداني، ومن ذلك ما وجَّه به خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى مركز الملك سلمان للإغاثة بتقديم مساعدات إنسانية متنوعة، وتنظيم حملة شعبية عبر منصة: “ساهم” لصالح الشعب السوداني الشقيق، فبادروا وسارعوا أيها المسلمون بالمساهمة والمشاركة، في هذه الحملة المباركة، جزى الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وإياكم خير الجزاء وأجزله وأوفاه على كلِّ ما تقدمون وتبذلون في دعْم إخوانكم، فاجتهدوا وجدّوا وشدّوا، وأقبِلوا على باب الله فلن تردّوا، وأبشروا بالأرباح الجمة الوافرة، في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
مشاركة :